«ويجا.. أصل الشر».. تفوّق «الجن» على الأبطال مستمر

الكثير من الناس يذهب لمشاهدة أفلام الرعب دون أن يكون هناك أي قاسم مشترك بينهم، منهم من يذهب خِصيصاً للاستمتاع بقفزات الفزع؛ أو ما يسمى Jump Scare، ومنهم من يذهب من أجل القصة، ومنهم من يذهب لولعه الشديد بهذا النوع من السينما، لكن هناك أيضاً من يذهب لطرح بعض الأسئلة المنطقية.

100

مليون دولار حققها الجزء الأول من الفيلم رغم ميزانيته المتواضعة (خمسة ملايين دولار)

تساؤلات.. هل من مجيب؟

تبقى التساؤلات: لماذا في الأفلام الجني دائماً أذكى من أبطال الفيلم؟ لماذا الجني يتقن القراءة والكتابة ببراعة شديدة؟ لماذا لا يخطئ ولو بحرف واحد؟ لماذا الجني قادر على أن يسبق الأبطال بخطوتين إلى الأمام دائماً باستثناء المشهد الأخير؟ لماذا هو يخطط دائماً ولا يتصرف بعفوية؟ لماذا هو قادر على الاستنتاج؟ كيف يكون قادراً على وصف شعور الشخص بالاختناق بدقة

شديدة كأنه بشر؟

هل من مجيب؟

دعونا نتفق على حقيقة ثابتة هي أن البشر باختلاف أديانهم وثقافاتهم يؤمنون بوجود كيانات خارقة للعادة تشاركهم العيش على هذا الكوكب؛ أو فلنقل هي موجودة في عالم آخر موازٍ، وتستطيع الدخول إلى عالمنا بأساليب معينة.

وجود هذا الفيلم منطقي، فهو جزء ثانٍ من فيلم Ouija أو لوح ويجا، وبعنوان فرعي The origin of Evil أو أصل الشر. هذا الفيلم حقق نجاحاً كبيراً منذ عامين، إذ تجاوزت إيراداته 100 مليون دولار من ميزانية متواضعة خمسة ملايين دولار. هذا الفيلم لا يكمل تلك القصة بالتسلسل المنطقي بل يبني ماضيها، أي إن هذا هو أصل ذلك الفيلم.

الفيلم يبدأ بلقطة جميلة وذكية؛ إذ يضع شعار شركة يونيفرسال القديم أيام الستينات والسبعينات لإيقاظ شعور النوستالجيا، وفي الوقت نفسه هو بمثابة إشعار كأنه يقول أنتم تعلموني من زمن معين، أو أنا ضيف من الماضي، هذا الشعار مرتبط بكلاسيكيات، منها فيلم «أيربورت» 1970، والأفضل منه Jaws الفك المفترس 1975، والعديد من أفلام تلك الحقبة.

العرّافة

الفيلم يتخذ من عام 1967 زمناً له، ويخبرنا عن قصة بولينا زاندر التي جسدتها الممثلة لين شي في الجزء السابق (شي أصبحت اليوم عميدة سينما الرعب إذ تظهر في الكثير من الأفلام الجيدة منذ انطلاق عهد ازدهار هذه الأفلام قبل أقل من عقد)،عندما كانت صغيرة وتجسدها هنا (آناليز باسو)، وهي الفتاة الكبرى لأليس (إليزابيث ريزر) عرافة تحتال على زبائنها بمساعدة بولينا وشقيقتها الصغرى دوريس (لولو ويلسون) اللتين تختبئان في الخلفية، وتصدران أصواتاً كالمؤثرات الخاصة للتأثير في الزبائن، وإيهامهم بأن والدتهما العرافة قادرة على الاتصال بالعالم الآخر أو الأرواح.

أليس لا تأخذ بالضرورة أموالاً، لكنها تتصرف أحياناً وفق طبيعتها البشرية؛ إذ توهم نفسها بأنها مثل المخلّصة التي يلجأ إليها كل من فقد عزيزاً لتطمئنهم أن الأمور في العالم الآخر على ما يرام. المشهد الأول يرسخ ذلك بتوفير عنصرين: قفزات فزع مضحكة والترابط الأسري بين الأم وابنتيها.

ألفة مع الشخصيات

الفيلم يمهد جيداً، إذ لا يحدث الكثير في البداية، المخرج والكاتب والمونتير مايك فلاناغان يعطي الفيلم توازناً كان مألوفاً لأفلام هذه النوعية في حقبة الستينات. مثلاً، نستطيع تكوين نوع من الألفة مع كل شخصية على حدة من ناحية سلوكها وهمومها واهتماماتها.

الأرملة أليس قلقة من فقدان بيتها الذي اشترته مع زوجها قبل وفاته. دوريس تتعرض للتنمر في المدرسة بسبب مهنة والدتها، والفتاة الكبرى لينا معجبة برفيقها في المدرسة مايكي (باركر ماك) وتكن له مشاعر رومانسية والتي تحاول الأم وضع حد لها عندما تستدعيه إلى المنزل لتقرأ كفه قبل أن تضغط بأظافرها في راحة يديه، وتقول: «سأقصر حياتك لو لمست ابنتي بطريقة لا تروق لي».

بعد التأسيس تبدأ الأحداث عندما تخرج بولينا مع أصدقائها الذين ترى عندهم لوح ويجا الخاص بعملية التواصل مع الأرواح، ويقترحون عليها أن تقنع والدتها بتجريبه أثناء ممارستها لأنشطتها. تقتنع أليس وتشتري واحداً، وتفتح العلبة لنرى فلاناغان يسلط عدسته على ورقة داخل العلبة مكتوب عليها ثلاثة قوانين للعبة لا تجب مخالفتها، الأول: لا تلعب وحدك. الثاني: لا تلعب في مقبرة. الثالث: دائماً قل وداعاً! المقصود قل وداعاً لذلك الشيء الذي يحدثك عبر اللوح!

بالطبع تتم مخالفة كل القوانين حتى يكون لدينا فيلم، دوريس تلعب وحدها لأن القاعدة الذهبية في أفلام الرعب منذ أربعة عقود هي وجود فتاة صغيرة يتم «استلباسها» من شيطان أو جني مرعب. الفيلم لا يجيب عن سؤال مهم: لماذا دوريس تحديداً؟ لماذا فضل الجني دوريس على والدتها وهي الأولى كونها اشترت اللوح من أجل مهنتها؟ لا جواب سوى أن صناع الفيلم يريدون ذلك لعدم رغبتهم في مخالفة القاعدة الذهبية!

اليد العليا

للعلم؛ فيلم «إنسيدياس» 2010 تعمق أكثر في هذا الجانب وأعطانا سبباً وجيهاً لتعلق الجنية هناك بعائلة لامبرت. الفرق أن الضحية هناك رجل وهنا امرأة.

وبما أن هناك «استلباساً» فهناك بالطبع رجل دين، يدخل الأب توم (هنري توماس - ظهر في فيلم ET)، توماس تميز بأداء جيد لكن للأسف كشخص منجذب لأليس وليس كرجل دين قادر على تخليص الأسرة من محنتها، لماذا؟ لأن اليد العليا يجب أن تكون للجني حتى المشهد الأخير!

جني الفيلم مصنوع بطريقة جيدة جداً ومخيف، لكن أيضاً لا يستغل كشكل بما فيه الكفاية، أو لم يستغل كما فعل جيمس وان في ملحمة الرعب The Conjuring 2، ربما لأسباب تتعلق بمحدودية الميزانية، لكن على صناع الفيلم أن يعلموا أنه لولا ذلك المخلوق لما كان هناك فيلم، وهو عنصر الشر الذي يتحدث عنه الفيلم في عنوانه الفرعي. وهو المثير للاهتمام الذي نريد التعرف إليه أكثر بصورة مباشرة، وليس عن طريق أبطال الفيلم. في النهاية تسمى أفلام رعب لأنها من المفترض أن ترعبنا أكثر من أن تسلينا.

لا نقول إن الفيلم سيئ، لكنه لا يحمل جديداً. لدينا قصة جيدة لكنها لا تجيب عن الكثير من التساؤلات. لدينا أداء جيد من الأم وابنتيها، خصوصاً دوريس في مشاهد الاستلباس، لكن في مشاهد مهمة الأداء كان نوعاً ما متخشباً (أليس وبولينا في مشهد مواجهة انفعالي جداً ولا شيء يتحرك سوى فمهما).

الأكثر مشاركة