يعمل وفق نموذج معاكس تماماً

جيسن بلم ينشق عن هوليوود ويكشف الخلل في نظام صناعة الأفلام

صورة

يسمى الرجل الأذكى في هوليوود، ليس بسبب أفلام فازت بجوائز «أوسكار»، أو حصدت جوائز أخرى، بل أفلامه لا تقترب حتى من المنافسات! لكن لأنه أثبت أن هوليوود تنفق أموالاً ضخمة دون ضرورة سوى، من أجل المباهاة في وسائل الإعلام، ولتبرير وجود النجوم في تلك الأفلام أمام الجمهور.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/11/559001.jpg

- جيسن بلم أثبت أن نموذج هوليوود الحالي يعاني خللاً كبيراً، وهو يتمحور حول إنفاق مبالغ رهيبة لإنتاج أفلام مضخمة، دون وجود أي ضمان لنجاحها، وعودة المال إلى جيوب المنتجين.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/11/5590013.jpg

- أفلام بلم تركز غالباً على عامل الرعب الخارق للطبيعة، وليس مشاهد الذبح وإراقة الدماء، لأن بلم يعتمد على الطبيعة البشرية في الخوف من المجهول (إنسيدياس، بارانورمال آكتيفيتي).

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/11/559008.jpg

- يبلغ معدل إنتاج أي فيلم في هوليوود 75 مليون دولار، بالإضافة إلى 30 مليوناً أخرى تخصص للتسويق.

جيسن بلم، منتج خمسة من 10 أفلام، هي الأكثر إدراراً للأرباح في الخمس سنوات الماضية، ومنتج فيلم «بارانورمال آكتيفيتي» أو نشاط خارق للعادة عام 2007، وهو الأكثر ربحية في تاريخ سينما الرعب. بلم حصد ملياري دولار من 22 فيلماً، بمعدل 4.5 ملايين دولار ميزانية كل واحد منها.

بلم أثبت أن نموذج هوليوود الحالي يعاني خللاً كبيراً، وهو يتمحور حول إنفاق مبالغ رهيبة لإنتاج أفلام مضخمة دون وجود أي ضمان لنجاحها وعودة المال إلى جيوب المنتجين. عندما جُمِّد مشروع فيلم «ويجا»، بسبب تضخم ميزانيته وتخطيها 100 مليون دولار، رفع بلم مطرقته وتطوع لإصلاح المشكلة، قائلاً لأصحاب الحقوق: «أعطوني المشروع، وسأصلح الخلل».

بلم حطم تلك الميزانية تحطيماً دهشت منه هوليوود، وحذف 100 مليون دولار بالكامل وأبقى على خمسة فقط، قائلاً: «هذا هو الفيلم وأنا مستعد لتنفيذه!»، النتيجة: تحول الميزانية الأصلية للفيلم تقريباً إلى أرباح بلغت 103 ملايين دولار! أي أنه أعطى الاستوديو أرباحه المتوقعة 20 مرة.

في العام التالي، أرسل إليه أحد الاستوديوهات نص فيلم «ذا بوي نيكست دور» لجينيفر لوبيز، بميزانية بلغت 35 مليون دولار مع رسالة مفادها: «هذا الفيلم ميت على الورق، ولن يحصد شيئاً في شباك التذاكر، أصلح المشكلة!». بلم حذف فوراً 31 مليوناً، وأبقى أربعة فقط! النتيجة: أرباح بلغت 61 مليون دولار أي ضعف الميزانية الأصلية.

الفيلم المذكور ينضم إلى بقية أفلام بلم، التي كانت سبباً في انتفاخ محفظته مثل فيلم «التطهير» و«إنسيدياس» و«الزيارة» و«الهدية»، والفيلم الذي يعتبر منجم ذهب سنوياً بالنسبة له، من 2009 إلى 2015 «بارانورمال آكتفيتي» بأجزائه الخمسة. بلم لديه مقولة شهيرة هي: 20 مليون دولار بالنسبة لي كافية لإنتاج فيلم مثل ستار وورز! نموذج بلم بسيط جداً: «حتى لو فشل المشروع، سأستعيد مالي».

يبلغ معدل إنتاج أي فيلم في هوليوود 75 مليون دولار، بالإضافة إلى 30 مليوناً أخرى تخصص للتسويق. نموذج هوليوود يقول: «اصنع عملاً ضخماً، أو تخلى عن تكوين ثروة في الصين»، أي اصنع عملاً ضخماً حجماً وميزانية، حتى تضمن نجاحاً في أقصى بقاع الأرض أي الصين، أو بكلمات أخرى إما الدخول في المخاطرة بشكل كبير، أو لا تصنع عملاً من الأساس.

تسبب هذا النموذج في إحساس الجمهور بالضجر من تفخيم الأفلام وتسطيحها وتضخيم كلفتها، لأن صناعها مرتاحون في منطقتهم الآمنة، ولا يريدون المخاطرة بصنع عمل من نوع جديد. وكما نرى أمام أعيننا هناك الكثير من أفلام الأبطال الخارقين، مقابل القليل جداً من أي شيء آخر.

تسبب ذلك النموذج أيضاً في اختفاء الأفلام المتوسطة الميزانية، وتقريباً موت أفلام الرومانسية الكوميدية، وبعض الأصناف الأخرى التي تمزج بين الفن والجرأة من ناحية القصة وأسلوب الإخراج، والتي كانت سائدة في العقود الماضية.

نموذج بلم أو معادلته تجادل أن هناك طريقة أخرى لصنع الأفلام، وهي «اصنعه صغيراً».

هوليوود شعرت بالحيرة فطرحت عليه أسئلة: «كيف يستطيع صنع أفلام بهذه الميزانيات المنخفضة جداً؟ وهل يستطيع المنتجون الآخرون فعل الشيء نفسه؟ وهل يستطيع تطبيق نموذجه على كل أصناف الأفلام أم على الرعب والبوليسي فقط؟»، عقد بلم مع استوديوهات «يونيفرسال» يمتد لـ10 أعوام ويخول بلم الصلاحية للموافقة على أي مشروع يريده بشرط واحد: ألا تتعدى ميزانيته خمسة ملايين دولار، وعلى أن يكون الفيلم رعباً أو بوليسياً أو خيالاً علمياً.

إذا رأت «يونيفرسال» أن المشروع يستحق كلفة التسويق، فإنها تطرحه في 3000 صالة، إذا كان الأمر غير ذلك فإنها تكتفي بطرحه في خدمة فيديو تحت الطلب، وتعتمد على الأرباح في الأسواق الخارجية لاستعادة أموالها. هذا الاتفاق يعطي بلم حرية الوثوق بشعوره أو رؤيته تجاه أي فيلم. تلك الرؤية التي اعتبرت الأغلى، إذ هي الأكثر إدراراً للأرباح في تاريخ «يونيفرسال».

بلم الذي لم يحب أفلام الرعب في حياته، تعاون في السابق مع نوا بومباك لصنع فيلم «رفس وصراخ» عام 1995، الذي اجتهد بلم لإنتاجه، لكن عندما حصل الفيلم على التمويل المطلوب، أبعد الممولون بلم عن المشروع، ما تسبب في إحداث شرخ عميق لصداقة بلم وبومباك.

بعد ذلك تلقى بلم اتصالاً من شركة «آرو» للأفلام، والتي عرض الأول عليها تمويل «رفس وصراخ»، الشركة عرضت عليه وظيفة نائب الرئيس لشؤون الاستحواذ، وبعد أربعة أعوام أصبح بلم في عالم الأفلام المستقلة في «ميراماكس» تحت هارفي وبوب واينشتاين.

خلال الخمسة أعوام التي أمضاها هناك، طرحت «ميراماكس» أفلاماً مهمة، مثل «ترينسبوتينغ» و«سلينغ بليد» و«سوينغرز» و«المريض الإنجليزي» و«ويل هانتنغ الطيب» و«جاكي براون» و«شكسبير في الحب»، لكن الأفلام التي اشتراها بلم لم تكن بالقوة والزخم نفسيهما، مثل «الآخرون» و«سموك سيغنالز» و«مشي على القمر» و«ذا هاوس أوف يس».

كانت «ميراماكس» في عصرها الذهبي، وكان هارفي واينشتاين يجمع الأوسكارات ويملي أوامره على المخرجين لديه، بلم كان قلقاً ويريد إرضاء هارفي بأي طريقة، وهنا جاءت هفوته القاتلة عندما راهن على الفيلم الخطأ «هابي تكساس» في مهرجان «سندانس» السينمائي عام 1999، واشتراه بـ10 ملايين دولار، ليخفق الفيلم بشدة في شباك التذاكر.

الهفوة التالية كانت في المهرجان والعام نفسيهما، عندما قلل بلم من أهمية فيلم بدا تافهاً بعنوان «ذا بلير ويتش بروجيكت»، وتجاهله لتخطفه «آرتيسان إنترتينمنت» بمليون دولار، وفي نهاية ذلك العام حقق الفيلم 248 مليون دولار، ما أجبر بلم على تقديم استقالته، ومغادرته إلى لوس أنجلوس، وقرر البدء من جديد.

أسس بلم شركته «بلم هاوس برودكشن»، لكنه لم يستطع تحقيق أي نجاح يذكر في أي من المشروعات. ثم في 2007 رأى بلم فيلماً ذكره كثيراً بذلك الفيلم الذي قال إنه تافه، فيلم مصنوع بـ15000 دولار فقط يسمى «بارانورمال آكتفيتي» للكاتب والمخرج الإسرائيلي أورين بيلي، الذي باع حقوقه بـ150 ألف دولار. ذهب بلم إلى بيلي وحثه على إلغاء الصفقة، ثم توجه وعرضه على تنفيذيي الاستوديوهات في هوليوود أكثر من 60 مرة في عامين. وتعرض الفيلم للكثير من السخرية قبل أن تأتي موافقة «باراماونت» بشق الأنفس، ونجح الفيلم محققاً 193 مليون دولار، وعاد بلم إلى الساحة.

بعد نجاح الفيلم، اضطر بلم للعمل بنظام هوليوود بدفع رسوم عالية للممثلين والمخرجين، وذلك يعني وضع المشروع في الديون قبل تصوير أي لقطة، وإعطاء النص للجنة كتاب، ثم الدخول في مفاوضات طويلة تتعلق بكيفية المزج بين الفن والتجارة، بجعل الأفلام جاذبة للجماهير الأميركية والصينية على حد سواء، ناهيك عن مسألة التفاوت الشديد في الأجور بين جميع العاملين بالفيلم لكنه توقف سريعاً، وقرر العمل في اتجاه آخر، هو بالضبط الاتجاه المعاكس.

قرر بلم تطبيق استراتيجية جديدة تتمحور حول دفع مبالغ صغيرة للمخرجين والكتاب والممثلين (قرابة 3000 دولار في الأسبوع للممثل)، قبل بداية العمل مقابل عدم التدخل في رؤيتهم نهائياً، وإعطائهم الحرية لتجريب ما يشاؤون في الأفلام (عكس نموذج هوليوود تماماً)، ثم بعد انتهاء عروض الفيلم يتم تقاسم الأرباح تحت شعار كلنا فريق واحد.

فمثلاً، حصلت جينيفر لوبيز بطلة فيلم «ذا بوي نكست دور» على 11 ألف دولار عن الفيلم (مقابل 17 مليوناً عن موسم واحد في البرنامج الغنائي أميريكان آيدول). حسب الاتفاق بلم لا يدفع لسكن الممثلين أو أي شيء شخصي.

وعندما ينجح الفيلم (عادة أفلام بلم لا تفشل بمعايير هوليوود)، يأخذ بلم 12.5% من صافي الأرباح لكل دولار يكسبه من الفيلم ثم يتقاسم الباقي مع الطاقم. في فيلم «التطهير»، حصل إيثان هوك على مليوني دولار إضافيين غير أجره الأولي قبل التصوير، في «إنسيدياس 2» حصلت كل من روز بيرن وباتريك ويلسون على سبعة ملايين إضافية. بالنسبة لمخرجي العمل فإنها فرصة لا تقدر بثمن، لإضفاء رؤيتهم على العمل الفني دون تدخلات الاستوديو المعتادة، والأهم أن بلم يعطيهم قرار النسخة النهائية أي أنه في حالة اختلاف الرؤى بين بلم والمخرج، فإنه حسب الاتفاق رؤية المخرج أو نسخته النهائية هي الفيلم، ما يعكس ثقته الشديدة بمخرجيه، وبالنسبة للكتاب فإن بلم لا يطلب منهم أبداً إعادة كتابة النص، يوافق عليه غالباً من المرة الأولى.

في المقابل، قال الممثلون المشاركون في أفلام بلم إنهم شعروا بجمال تجربة الدخول في مخاطرة إبداعية، وعن الحرية التامة في أداء عملهم دون أي تدخل مفروض من الاستوديو. لكن أهم شيء هو موافقة الجميع على العمل بسعر ونظام بلم.

كما أن لبلم قوانين لتوفير الأموال أثناء صنع الأفلام، القانون الأول هو الاعتماد على الممثل الكومبارس الصامت بدل المتحدث، لو كان الأخير لا يضيف شيئاً إلى القصة. فالصامت عند بلم يأخذ 100 دولار بينما المتحدث أجره 500. وأيضاً هناك قانون آخر هو حصر التصوير في مكان واحد، لذا نجد أن تسعة أفلام من مجموع 10 مثلاً تدور في منزل.

أيضاً يلجأ بلم إلى إلغاء التعهيد لترشيد النفقات، فمثلاً شركته لا تؤجر استوديوهات للتصوير، وإنما تستغل كل مساحة وزاوية فيها لخدمة مشاهد الأفلام. فعندما يصور الفيلم ويمنتج ويدخل في عملية تعديل الألوان وإضافة المؤثرات الخاصة، تكون كل العملية تمت داخلياً.

أفلام بلم تركز غالباً على عامل الرعب الخارق للطبيعة، وليس مشاهد الذبح وإراقة الدماء، لأن بلم يعتمد على الطبيعة البشرية في الخوف من المجهول (إنسيدياس، بارانورمال آكتيفيتي). بلم يقيم النص من خلال الشخصيات التي يجب أن تتمتع بنوع من العمق ولو كان بسيطاً، بالإضافة إلى قصة جيدة. فيلم «سينيستر» كان عن خيار تفضيل المهنة على العائلة، «إنسيدياس» كان عن عائلة مفجوعة، «بارانورمال آكتفيتي» عن صديق يقلل من شأن ادعاءات رفيقته، حول إحساسها بوجود شياطين في المنزل، «التطهير» عن معاناة أفراد من القمع الاجتماعي.

لكن حتى لو أثبت بلم صحة كلامه، فإن ذلك لا يغير الحقيقة أن هوليوود تتبجح بالميزانيات الضخمة، لأنها لا تريد الاعتراف بنموذجه. الدليل أن فيلم «بلير ويتش 2» فشل لأن شركة «آرتيسان» رفضت حتى أن تفهم سبب وفكرة نجاح الجزء الأول، فجاءت بالمؤلفين أنفسهم وأجبرتهم على العمل وفقاً لنموذج هوليوود، وبميزانية 15 مليوناً ففشل المشروع، في النهاية التغيير وارد دائماً لكن العادات سيئة تظل سائدة مادامت العقلية المسيطرة لا تريد أن تتغير!

تويتر