أداء تيلر جيد لكن ليس عظيماً
«بلييد فور ذيس».. تجديد سطحي لصنف اهترأ على حبال الحلبة
في حقبة ما بعد فيلم «الثور الهائج» 1980، أصبحت محاولة أي ممثل تجسيد دور ملاكم مشبوهة للغاية، إذ إن الهدف الأساسي هو الترشح أو الفوز بالأوسكار. إنه التمثيل التحولي الذي أطلقه روبرت دينيرو من ذلك الفيلم، وحاز عنه جائزة أفضل ممثل، ومنذ ذلك اليوم لم يتوقف الممثلون عن فعل الشيء نفسه، وناقشنا هذا الموضوع في هذه المساحة (الإمارات اليوم 26 أكتوبر).
- «من أفضل مشاهد الفيلم لقطة الحادث التي صنعها يونغر بطريقة غير تقليدية، كسرت نمطية مشاهد حوادث السيارات التي أطلقها مشهد حادث فيلم (أدابتيشن) الشهير». - تيلر جيد جداً، وهو مقنع خارج الحلبة أكثر من داخلها، مقنع في مشاهد الهالة حول رأسه أكثر من مشاهد القتال. أداء تيلر بدا كأنه مكتسب أكثر منه موهبة. |
اليوم نحن أمام فيلم ملاكمة جديد، وهو الثاني هذا العام من بعد «اليدان الصلبتان» الذي شاهدناه في سبتمبر الماضي. هذا الفيلم بعنوان Bleed for This أو «معاناة لهدف مستحق»، وهو قصة حقيقية كالفيلم السابق، عن قصة عودة بطل العالم ثلاث مرات ـ الملاكم الأميركي من أصل إيطالي فنسنت بازيينزا، أو باز اختصاراً ـ إلى الملاكمة، بعد إصابة خطرة تعرض لها في حادث سير.
الفيلم يبدأ بأسلوب جميل، يكشف سلوك الملاكم فنسنت بازيينزا (مايلز تيلر) الاستهتاري، حيث نرى جميع المعنيين بمباراة ملاكمة وشيكة هو طرف فيها ينتظرونه بفارغ الصبر، بينما صاحب الشأن في مكان آخر، ولا يبدو حتى مهتماً، لكنه يظهر في الوقت المناسب، ويشارك في المعركة ضد منافسه روجر ماي ويذر (بيتر كويلين)، ويخسرها بسبب ذلك السلوك.
بعد تلك الخسارة يصرّح مدربه لوو دوفا (تيد ليفين) لقناة «إتش بي أو أن» بأن على بازيينزا الاعتزال. والد بازيينزا المهيمن (سيران هيندز) يقرر إرساله إلى المدرب الأسطورة كيفن روني (آرون إيكهارت - في أفضل دور له على الإطلاق)، وهو المدرب الذي أقيل من فريق نجم الملاكمة العالمي الشهير مايك تايسون، بسبب إدمانه على الكحول، وكما يحدث في معظم أفلام الملاكمة، فإن المدرب يتردد قبل أن يوافق.
يقنع روني باز بحركة جريئة، وهي الانتقال بدرجتين إلى الأعلى في التصنيف، أي من الوزن المتوسط إلى أعلى درجات الوزن الثقيل، وسط اعتراض الجميع، إلا أن باز يوافق ويثبت أنها كانت حركة عبقرية، يفوز بعدها في مباراة قبل التعرض لحادث مروري كسر جزءاً من رقبته، وجعله قريباً جداً من الإصابة بالشلل، والدخول في رحلة علاج طويلة وأليمة.
الطبيب قال له إنه قد لا يمشي مجدداً، لكن الرجل الذي يتمتع بإرادة حديدية عاد وبقوة إلى الساحة. تلك العودة إلى الملاكمة التي توجت بالتغلب على بطل العالم البنمي وقتها روبيرتو دوران (شاهدنا قصته في فيلم «اليدان الصلبتان» المذكور في الفقرة آنفاً). ليست هناك مفاجآت نخشى إفسادها، فهذه قصة حقيقية وموثقة.
في الحقيقة، أول مباراة لباز بعد التعافي كانت ضد لويس سانتانا، ثم دخل مجموعة مباريات قبل مواجهة دوران مرتين عام 1994 و1995، لكننا نتفهم تجاهل نص الكاتب والمخرج بين يونغر تلك الأحداث، حتى يركز على الأهم في حياة الرجل.
الفيلم ليس بالضبط كسائر أفلام الملاكمة التي نعرفها وحفظناها عن ظهر قلب، إذ لا يبدأ من طفولة باز، وكيف وقع في الحب، مروراً بهوسه بالملاكمة، في مشاهد اعتدناها، وأصبحت تستدعي التثاؤب بدل الانتباه، لكن الفيلم يبدأ كفيلم ملاكمة عن مقاتل عنيد مصر على الفوز وتحطيم منافسه، ثم يتحول إلى شيء آخر قبل العودة إلى النمطية التقليدية.
أهم جزئية في الفيلم هي الإصابة جراء الحادث، ومرحلة التعافي، إذ المقصود منها إبراز قوة الرجل وإرادته الحديدية التي كانت أقرب إلى المعجزة، فليس أي ملاكم قادراً على الانتقال من مرحلة انهيار نفسي وجسدي إلى الفوز ببطولة العالم.
للحفاظ على رقبة باز في وضعيةلا تتحرك فيها، كان على الطبيب تركيب أداة حديدية تشبه الهالة التي نراها على رؤوس الشخصيات المقدسة في الرسوم المتحركة، وتثبيتها ببراغٍ في جمجمته، وبما يشبه السقالات في جسده.
رغم التسمية الدينية لتلك الأداة، إلا أنه يلاحظ أن يونغر ومصوره لاركن سيبل يقيدان أنفسهما بصورة جيدة بالابتعاد عن إضفاء أي صبغة دينية، حتى لا ترسخ صورة مقدسة عن الملاكم بدل صورة المقاتل المكافح العنيد التي يريدان إيصالها بوضوح، أي عكس ما فعله ميل غيبسون مع شخصية ديسموند دوس في فيلم هاكسو ريدج.
يونغر أيضاً يبتعد عن تفاصيل الحياة الاجتماعية للملاكم، رغم أن معظم مشاهد الإصابة والتعافي كانت في منزل والده، لكن ما نعنيه هنا هو أننا لا نرى له زوجة أو رفيقة قد يكون لها دور في تشجيعه. في الحقيقة هناك مشهد واحد لصديقة له تدخل معه في جدل، قبل أن يطلب منها مغادرة حياته (دون زعيق أو تحطيم أثاث كما يحدث عادة).
«أهم جزئية في الفيلم هي الإصابة جراء الحادث، ومرحلة التعافي، إذ المقصود منها إبراز قوة الرجل وإرادته الحديدية التي كانت أقرب إلى المعجزة». |
مرحلة إعادة بناء حياة باز من خلال تمارين سرية في قبو منزل والده تبدأ بمشهد إيحائي معبّر غاية في الجمال والأهمية، باز يحاول رفع قطعة أثقال، لكنه يعجز، فيقرر تخفيفها بنزع الأثقال منها حتى لا تبقى منها سوى قطعة الحديد التي تلتف عليها أصابعه، المشهد يقول: حتى لو كان الرجل مكافحاً وقوي الإرادة، إلا أن الحكمة هي أن تبدأ صغيراً.
من أفضل مشاهد الفيلم لقطة الحادث التي صنعها يونغر بطريقة غير تقليدية، كسرت نمطية مشاهد حوادث السيارات التي أطلقها مشهد حادث فيلم «أدابتيشن» الشهير عام 2002، ومنذ ذلك اليوم لم تنفك الأفلام عن تقليده. صحيح أن يونغر يتجاهل طفولة ونشأة باز، إلا أنه نسي أن يشرح لنا سر عزيمة الرجل، وما الذي يجعله قوي الإرادة إلى هذه الدرجة. يونغر لم يستكشف تلك المنطقة قط، رغم أهميتها الشديدة، فهي حتماً جزء من تطور شخصيته، فهو لم يصبح صلباً في يوم وليلة، فلابد أن حدثاً ما في ماضيه أو تربيته أسهمت في منحه تلك الإرادة.
أداء تيلر جيد جداً لكن ليس عظيماً، هو مقنع خارج الحلبة أكثر منه داخلها، مقنع في مشاهد الهالة حول رأسه أكثر من مشاهد القتال. أداء تيلر بدا كأنه مكتسب أكثر منه موهبة، وهذه إحدى مشكلات التمثيل التحولي، الذي يجبر الممثل على الخروج من طبيعته، وليس أي ممثل قادراً على التأقلم خارج طبيعته. دينيرو قديماً ومارك وولبيرغ حديثاً تمكنا، لكن تيلر لم يتمكن أو ليس بشكل كامل.
المشاهد الذي يدقق في لقطات المباريات سيلاحظ كيف يتجنب يونغر الاقتراب كثيراً من تيلر، وكل اللقطات تقريباً كانت متوسطة، ما يعكس أن المخرج مدرك للمشكلة، ويوظف كاميرته والمونتاج لإخفائها.
أما إيكهارت في دور روني فهو الأفضل، إذ لا تميزه العين بسهولة، وظهر حليق الرأس، وسميناً، فضلاً عن تقديمه أداءً رائعاً لا ينسى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news