سينما الكوميديا الرومانسـية تنحسر تحت هيمنة الاهتمامات الجديــدة في هوليوود
في يوم ما، كانت أفلام الكوميديا الرومانسية صنفاً مفضلاً لكل الفتيات في جميع الثقافات. كل فتاة كانت تجد نفسها مكان البطلة على الشاشة تتأثر بطموحاتها وأحلامها، تعيش تحدياتها وتتعاطف مع إحباطاتها، وتفرح عندما تتزوج من البطل في نهاية القصة. وكما يحدث في أفلام الأكشن والمغامرات، فإن لأفلام الكوميديا الرومانسية بطلات كن بمثابة أيقونات؛ ومنهن الراحلة أودري هيبرن في «إفطار في تيفاني 1961» أو «رومان هوليداي» 1953، عندما تخلت عن هيلمان وأبهة الملك لتقع في حب صحافي، إلى جوليا روبرتس التي أطلقت عليها أميركا اسم محبوبة الشعب، وانتهاء بساندرا بولوك وميغ رايان وهن من آخر الممثلات اللاتي ظهرن في أفلام جيدة، قبل انحسار هذا النوع من الأفلام بنهاية التسعينات.
|
عام 1997، كان هناك فيلما كوميديا رومانسية، ضمن العشرين الأولى في شباك التذاكر الأميركي. في عام 1998 و1999 كان هناك ثلاثة أفلام، كل واحد منها تعدت إيراداته 100 مليون دولار. حتى عام 2005، تخطت خمسة أفلام من ذلك النوع 100 مليون دولار.
فلنقارن ذلك بعام 2013 مثلاً: ليس هناك فيلم كوميديا رومانسية واحد في قائمة الـ10 أو الـ20 أو الـ50 أو حتى الـ100!
في عام 2014، فيلم واحد من هذه النوعية «المرأة الأخرى»، احتل المركز الأول في شباك التذاكر، لأنه تخطى حدوده في التصنيف ودخل خانة للكبار فقط، وهي الحيلة التي يضمن بها صناع تلك الأفلام جذب الجمهور.
عام 2015، شهد نجاح فيلمين فقط هما «ترين ريك» و«سندريلا»، والبقية انتهت إما بفشل ذريع، أو نجاح متوسط لا يبرر ضخامة الميزانية بالنسبة لتلك الأفلام.
هذا العام، كان هناك فيلمان فقط «بريجيت جونز بيبي» و«حفل زفافي اليوناني الضخم 2»، الأول فشل في الولايات المتحدة، وحقق أرباحه من الأسواق الخارجية، والثاني حقق نجاحاً لا بأس به.
السؤال: ماذا حدث لهذه الأفلام؟ هل توقف البشر عن الحب؟ بالطبع لا لكن ليس على الشاشة. الكوميديا الرومانسية اليوم تركز على مواقف التعارف الأولية، أو ما يحدث أثناء الحياة الزوجية للمرتبطين. بكلمات أخرى إما أن تكون أفلاماً عن الإعجاب الشديد، أو السخط الشديد.
المشكلة ليست في الجمهور، بقدر ما هي عند الاستوديوهات الكبيرة، التي تراجعت عن إنتاج تلك الأفلام. هناك أسباب عدة لذلك: الأول هو زيادة إنتاج الأفلام الموجهة للمراهقين. يشكل هؤلاء 8% من إجمالي سكان الولايات المتحدة، وحصتهم من شباك التذاكر 12% فقط. لو أضفنا الفئة العمرية بين 18 و24 عاماً، وهي التي تستطيع دخول أفلام للكبار فقط مع المراهقين فسترتفع النسبة إلى 31% من مبيعات شباك التذاكر، ولو أضفنا فئة الأطفال فلن يكون لكل الفئات المذكورة التأثير المطلوب في شباك التذاكر.
المراهقون يهيمنون على جزئية فقط من المبيعات، لكن تأثيرهم مبالغ فيه من قبل الاستوديوهات، حتى لو أخذنا فيلماً موجهاً لهم، مثل «تلك اللحظة الغريبة»، فسنجده أخفق في المبيعات، ما يدل على أنهم ليسوا الأغلبية من الجمهور.
|
يشكل الكبار فوق 25 عاماً 58% من مبيعات المقاعد في الصالات الأميركية، ورغم أن الاستوديوهات تعلم أن نسبة لا يستهان بها من الكبار لو لم تشاهد الفيلم في السينما فإنها تشاهده في أسواق الفيديو (أي أنهم يدفعون للمشاهدة بغض النظر عن الوسيلة)، مقابل توجه المراهقين إلى مشاهدة نسخة مقرصنة مجاناً.
لو نظرنا إلى الفئة الأكبر سناً بين 40 و50 عاماً، فسنجدهم يشترون التذاكر كما يفعل المراهقون، وعندما تطرح هوليوود فيلم كوميديا رومانسية موجهاً لهم فإنهم يحضرون إلى الصالات. مثلاً الممثلون في فيلم As Good as it Gets أو «أفضل ما يمكن حصوله» و «الأمر معقد –It’s Complicated» وSomething’s Gotta Give أو «شيء يجب أن تمنحه»، كلهم في الـ50 من العمر، وكل تلك الأفلام تخطت 100 مليون دولار.
ميريل ستريب وحدها ظهرت في ثلاثة أفلام كوميديا رومانسية في عامي 2008 و2009، وكلها حققت نجاحات كبيرة، إلا أن الاستوديوهات لاتزال متمسكة بقناعة أن الأفلام الموجهة لتلك الفئة لا تحقق أداء جيداً في شباك التذاكر. الغريب في الأمر أنه حتى الفئات العمرية من 20 فما فوق، تشاهد أفلاماً غير موجهة لهم.
السبب الثاني في تراجع أفلام الكوميديا الرومانسية هو الرجال، فهؤلاء لا يحبون هذا النوع ولو أحبوه فهم لا يعترفون بذلك. أو كما قال مدير تسويق في أحد الاستوديوهات إن الرفض الذكوري لمشاهدة هذه الأفلام أقوى من الرغبة النسائية عند الأزواج. وهذا نتجت عنه قناعة هوليوود بالابتعاد عن هذه الأفلام، والتوجه لأفلام مثل «المتحولون»، التي تجذب عائلات بأكملها بدل المخاطرة بشيء رومانسي، لا يريد الرجال مشاهدته.
الأمر كان مقلوباً منذ 50 عاماً، إذ إن الاستوديوهات كانت تعتمد آنذاك على ذوق المرأة، وقدرتها على جذب الرجل معها إلى السينما، فكانت الأفلام آنذاك مصممة على الذوق النسائي. نانسي مايارز مخرجة ثاني أعلى فيلم رومانسي كوميدي ربحاً في التاريخ، هو «ما تريده النساء» عام 2000، قالت إن النساء يذهبن لأفلام عن الرجال وليس العكس.
في ما يتعلق بهذا السبب، هناك أمر غريب أيضاً، هو أنه رغم النجاحات الكبيرة (مالياً)، التي تحققها الأفلام ذات البطولات والتوجهات النسائية المطلقة، لدى الجمهور النسائي الذي تبلغ نسبته 51%، فإن هوليوود لا تريد الاعتراف بذلك، وحدث أن وجه أحد التنفيذيين هناك رسالة إلى بول فيغ، بعد نجاح فيلميه «برايدزميدز» 2011 و«ذا هيت» 2012، أن يتوقف عن أفلام النساء، ويصنع أفلاماً للرجال.
من جهة أخرى، فإن الرجال يقبلون مشاهدة الكوميديا الرومانسية، لو كانت القصة تروى من وجهة نظر الرجل، وأيضاً لو تخطى الفيلم حدود الرومانسية، ودخل خانة للكبار فقط، مثل فيلم No Strings Attached أو «دون شروط».
الشريك الأكبر في الماضي، كانت الكوميديا الرومانسية تجد سوقاً شعبية في الخارج، لأن أكبر سوق لهوليوود كانت في اليابان، حيث تشكل النساء أكثر من 55% من مرتادي صالات السينما. نضيف إلى ذلك الأسواق النامية مثل روسيا، حيث تشكل النساء الجمهور الأكبر من مرتادي الصالات، والتي نجحت فيها أفلام لاقت إخفاقاً شديداً في أميركا. لكن، اليوم، تغير الوضع حينما أزاحت الصين اليابان، وأصبحت الشريك الأول لهوليوود. ما دعا نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس هيئة تصنيفات الأفلام الأميركية كريس دود، إلى الطلب من الصين رفع حصة هوليوود فيها من 21 إلى 35 فيلماً، ووافقت الصين بشرط: أن تكون كل الأفلام الإضافية بصيغة «آيماكس» أو (ثلاثة أبعاد)، ما يعني أن الطلب في الصين عالٍ على أفلام الأكشن والأبطال الخارقين فقط، أما الكوميديا الرومانسية فيبدو أنها غير قادرة على النهوض في هذه الحقبة من القرن الـ21. |
السبب الثالث هو النصوص السيئة وانعدام الأصالة وانحراف تلك الأفلام عن أساس فكرة الحب، فلو أخذنا فيلم «برايدزميدز» 2011 كمثال، فسنجد أن التركيز لم يكن على شخصية كريستين ويغ، ومحاولتها الارتباط برجل، لكنه كان محاولاتها إعادة ضبط صداقتها مع ليليان دونوفان (مايا رودولف). قصة الحب بين شخصية ويغ والشرطي الإيرلندي (كريس أودود) كانت ثانوية، وحتى مخرج الفيلم فيغ لم يكن مقتنعاً بها عند كتابة النص.
مشكلة هذه الأفلام أنها أصبحت مستهلكة ومضجرة أكثر منها مضحكة، منذ نهاية التسعينات وحتى منتصف الألفية رأينا الكثير من الأفلام السيئة، وكلها عن امرأة مادية شغوفة بوظيفتها، تتعلم في نهاية القصة أن وجود رجل مهم في حياتها (أفلام «سويت هوم ألاباما»، «اعترافات مدمنة تسوق»، و«الحقيقة البشعة»).
الغريب في هذه النقطة أن الاستوديوهات لم تتوقف عن إنتاج أفلام الأبطال الخارقين، رغم فشل العديد منها. والغريب أيضاً أنها تميل بشدة لإنتاج أفلام البطولات النسائية المطلقة على حساب الكوميديا الرومانسية. رغم ذلك حتى لو حصل استوديو على نص جيد، تبقى هناك مسألة أخرى بحاجة إلى حل، وهذه هي السبب الرابع في تراجع هذا النوع من الأفلام: عدم وجود نجوم مستعدين لتمثيله.
في عام 2007، ظنت هوليوود أنها عثرت على بطلة جديدة للكوميديا الرومانسية، تحل محل جوليا روبرتس وميغ رايان، وكانت كاثرين هيغل، ممثلة تلفزيونية كان مأمولاً منها جذب النساء والرجال على حد سواء. ما حدث أن هوليوود استهلكتها في ستة أفلام متتالية (نوكد أب، 27 فستان، الحقيقة البشعة، وقتلة، والحياة كما نعرفها، وليلة رأس السنة)، وكانت كلها باستثناء الأول أفلام سيئة فنياً، أما مالياً فقد أخفق «قتلة». وبعد ذلك ألقت هوليوود باللوم على هيغل، واتهمتها بقتل هذا الصنف.
مشكلة رداءة النصوص أثرت بشدة في عدم رغبة النجوم في أداء هذه الأفلام، فعمالقة الصنف مثل جوليا روبرتس وساندرا بولوك وماثيو مكوناهي، انتقلوا لأفلام الدراما، والقادمون الجدد إلى الساحة مثل جينيفر لورانس ورفيق دربها برادلي كوبر، فعلوا الشيء نفسه، خصوصاً أنهم جميعاً فائزون أو مرشحون للأوسكار من أدوار دراما.
إن ضرورة وجود نجم في أفلام الكوميديا الرومانسية، أسهمت في رفع ميزانيتها بشكل مباشر، بعد أن كانت من أقل أصناف الأفلام كلفة، وذلك سبب دفع الاستوديوهات بعدم المخاطرة في الاستثمار فيها. فلنضرب مثلاً بفيلم «هاو دو يو نو» 2010، الذي اعتمد على أسماء النجوم فيه، المخرج جيمس إل بروكس أنفق 15 مليوناً لتأمين وجود ريز ويذرسبون، و12 مليوناً لجاك نيكلسون، و10 ملايين لأوين ويلسون، وثلاثة ملايين لبول رود، ثم 89 مليوناً أخرى لإنجاز الفيلم. وكان إجمالي ما حققه الفيلم 48 مليون دولار عالمياً. وأصبح مثالاً لإخفاق أفلام الكوميديا الرومانسية الحديثة، خصوصاً اعتماده على أسماء النجوم دون الاهتمام بجودة النص. لكن ذلك ليس بالضرورة صحيحاً.
عام 1990، عندما اختيرت جوليا روبرتس لبطولة فيلم «امرأة جميلة»، لم تكن معروفة إلى درجة أن الاستوديو فاوض حتى يقبل بدفع مبلغ ضئيل لها بلغ 300 ألف دولار. الأمر نفسه انطبق على ميغ رايان عام 1989، التي كان اختيارها لبطولة فيلم «عندما تقابل هاري مع سالي» سبباً في خفض ميزانية الفيلم. الاستوديوهات آنذاك خاطرت باختيار ممثلين غير معروفين لبطولات رئيسة، والفيلمان حققا نجاحاً منقطع النظير.
عام 2002، حقق فيلم «حفل زفافي اليوناني الضخم» 368 مليون دولار، من ميزانية بلغت خمسة ملايين، دون وجود اسم واحد معروف في بطولته.
خامس الأسباب، هو إتخام هوليوود صالات العرض بأفلام الأبطال الخارقين، وصنع سلاسل وأجزاء من فيلم واحد ناجح. هنا تقول معظم الاستوديوهات إن الكوميديا الرومانسية لا تفتح مجالاً كبيراً لصنع أجزاء. لكن لو قسنا الأرباح في الصنفين فسنجد أن الكوميديا الرومانسية يمكن أن تحقق أرباحاً ضخمة من ميزانية متواضعة.
مثلاً، فيلم «سيلفر لايننغ بلاي بووك» عام 2012، حقق 236 مليوناً عالمياً من ميزانية 21 مليوناً. في العام نفسه حقق فيلم «ذا أميزينغ سبايدرمان» 752 مليوناً من ميزانية 230 مليوناً. بمعنى أن الأول حقق أرباحاً للاستوديو 11 مرة مقابل ثلاث مرات للثاني، رغم ذلك تميل هوليوود لإنتاج أفلام الأبطال الخارقين.
السبب الأخير هو الأسواق الخارجية، ففي عام 2001 كانت الأسواق العالمية تشكل 51% من إجمالي مبيعات الأفلام، بعد 10 أعوام أصبحت تشكل 69%، ولاتزال النسبة في ارتفاع. السبب أن الجماهير العالمية لم تعد تفضل الكوميديا الرومانسية لاحتوائها على الكثير من الحوارات وقلة الحركة فيها، بالإضافة إلى أن بعض الدول تعتبرها تمثل ثقافة غربية لا تمت بصلة لثقافتها. بالمقابل فإن تلك الأسواق تفضل أفلام الأكشن والأنميشن.