يتمحور حول الرمزية لإيصال الفكرة
إيمي آدامز تخاطب المخلوقات الفضائية في «وصول»
فيلم Arrival أو «وصول» يبدو كأنه فيلم خيال علمي من حقبة الأفلام الصامتة، آنذاك كانت الأفلام تدعو للتفكر والتأمل في أسرار الكون، وعن ذلك المجهول الذي يسكن في الفضاء الخارجي. فلو استطاع ذلك المجهول الوصول إلينا، فكيف ستتم عملية التواصل معه؟ ما هدفه؟ هل هو مسالم أم مؤذٍ؟ والعديد من الأسئلة الأخرى التي تستحق التأمل، لكن دون ضرورة العثور على إجابات لها.
هذا فيلم خيال علمي غريب، ويحق لنا أن نصفه بالغريب ما دامت كل الأفلام الأخرى تجنح إلى الطرح السطحي المتمثل في المعارك والتخريب والتدمير، ثم الجزئية الإلزامية أن أميركا بقوتها وعظمتها هي منقذة العالم. هذا الفيلم كسر كل القواعد بطرح جميل ومنطقي ولو أنه غارق في فلسفة معاني الحياة.
نهاية بعيدة عن «الكليشيه» نهاية الفيلم جميلة بغض النظر عما تحويه من ميلودراما وابتذال، لأن المهم، بل المهم جداً ألا يطل علينا ذلك المشهد الكليشيه البائس الذي نرى فيه بيل بولمان في دور الرئيس الأميركي يلقي خطاباً مبتذلاً مثالياً إلزامياً عن قوة أميركا وقيادتها العالم لتنقذ الكوكب من شر غزاة الفضاء، ويليه مشهد تصفيق حار! نقول مشهد أصبحنا مستعدين لدفع المال حتى لا نراه. مشهد حتى بولمان نفسه يؤديه وعلامات عدم الاقتناع ظاهرة على وجهه! |
الدكتورة لويس بانكس (إيمي آدامز) عالمة لغات فقدت ابنتها بسبب مرض السرطان، وقد تركت هذه الحادثة الأليمة أثراً عميقاً وجعلتها انطوائية وحزينة وبعيدة عما يحدث في العالم الخارجي. هذه الانطوائية تتجسد في أجمل صورة من خلال مشهد للويس وهي تحاضر في الجامعة عندما تستقبل إحدى طالباتها رسالة على هاتفها وتطلب منها تشغيل التلفاز لمشاهدة الأخبار، بمعنى أن لويس غير مدركة لما يحدث في الخارج.
تشّغل لويس التلفاز لتشاهد الأخبار العاجلة عن هبوط 12 مركبة فضائية في مناطق عدة حول العالم. تطلب الحكومة الأميركية متمثلة في الكولونيل ويبر (فوريست ويتيكر) من لويس المساعدة. تنضم لويس إلى فريق الاتصال الأول الحكومي بمشاركة عالم الفيزياء إيان دونولي (جيريمي رينر)، يصعد الفريق إلى المركبة الفضائية الرابضة في الولايات المتحدة ويبدأون في إجراء محاولات الاتصال.
المركبة الفضائية تشبه نصف الكرة أو حرف D، وفي الفيلم تسمى صدفة، تحوي تجويفاً على شكل ممر يدخل منه فريق الاتصال ويصلون إلى ما يشبه الحاجز الزجاجي حيث يلتقون باثنين من المخلوقات الفضائية التي يطلقون عليها اسم «هيبتابودز» بينما يطلق إيان عليهما «آبوت وكاستيلو».
ماذا تريدون؟
المخلوقات شكلاً هي خليط بين أخطبوط ويد بشرية ضخمة، معالمها غير واضحة، تفتح يدها على شكل نجمة وتطلق شيئاً أسود على شكل دائرة هو عبارة عن لغتها المكتوبة. لويس تحاول العثور على إجابة سؤال مهم هو: ماذا تريدون؟ المخلوقات لا تجيب نطقاً لأن لغتها تشبه أصوات الحيتان ويستحيل فهمها، فتلجأ إلى لغة الكتابة التي تحاول لويس فهمها وفك رموزها شيئاً فشيئاً حتى نصل إلى إجابة السؤال.
من ناحية أخرى، فإن القصة على الجانب الآخر؛ أي في بقية دول العالم حسب الفيلم، تأخذ منحى تصعيدياً عندما تترجم الصين رسالة المخلوقات على أنها تهديد وتمهلها 24 ساعة لمغادرة أراضيها أو إعلان الحرب عليها، وتحذو روسيا والسودان حذوها.
كل لقطة في فيلم «وصول» تشير إلى عنصرين، الأول: تواصل أو اتصال، والثاني: حاجز. الفيلم من الوهلة الأولى نعلم أنه لا يحمل ملامح نظرائه من أفلام الخيال العلمي، من الحوارات وسلوك الشخصيات نعلم أنه لن يكون هناك قتال. هناك لقطة واسعة تظهر فيها استعدادات الحكومة الأميركية للتعامل مع المركبة الفضائية وكل ما يظهر فيها أطباق لاقطة وليس مدافع أو رشاشات أو صواريخ. الأسلحة بالطبع موجودة لكن ليس هناك أي تركيز عليها.
الجزء الأول من الفيلم يتناول موضوع اكتشاف الآخر، بينما الجزء الوسط يتناول الصراع بين طبيعة الإنسان المتمثلة في الخوف من المجهول ونزعة الدفاع عن النفس حتى لو لم يكن الخطر بالضرورة محدقاً، أما الثالث فسنكتفي بالقول أنه عن تأملات في معاني الحياة مع مفاجأة في النهاية.
استثمار البطلة
الفيلم يتعمق أكثر في موضوع التواصل مع الآخر، ويتناول الآثار السلبية التي تحدث عندما تفهم الرسالة بصورة خاطئة، ويضرب أمثلة تاريخية عن ذلك، ويضرب أمثلة أخرى من الفيلم نفسه (مشهد انقطاع اتصالات التنسيق بين الدول في ما يتعلق بكيفية التعامل مع المركبات الفضائية) عندما تصرخ لويس: يجب أن نتحدث مع بعضنا بعضاً! بكلمات أخرى، التواصل الإيجابي والتفاهم بين الأفراد والمؤسسات والمجتمعات والدول هو السبيل لتلافي الصدام والحروب والدمار.
من أقوى نقاط الفيلم استثماره الشديد والحكيم في بطلته حيث ما سيتذكره المشاهد بعد نهايته هو وجه الشخصية والموقف العاطفي الذي مرت به، وليس شكل المخلوقات الفضائية الذي لم يظهر أساساً إلا من خلال لقطات ضبابية. وهنا تتجلى عبقرية المخرج الكندي دينيس فيلنوف الذي جعل الفيلم يتمحور حول الرمزية لإيصال الفكرة؛ وهذه أقوى طريقة للتأثير في النفس البشرية.
في الأجواء
فيلنوف (أخرج الفيلم المؤلم جداً والمبكي Incendies والروائع «سجناء و«عدو» و«سيكاريو») من أفضل صناع الأفلام من هذا الجيل، وله قدرة رهيبة في إدخال المشاهد في أجواء أفلامه التي تحمل سمات مميزة هي، أولاً، أجواء خاصة، ثانياً، موسيقى تجعل المشاهد في حالة عدم ارتياح، ثالثاً، نهاية تحمل مفاجأة وعبرة أو ألماً. أفلام فيلنوف تعكس معاناته الشخصية من تجارب تعرض لها ورأينا ذلك بوضوح في فيلمه «عدو» وهذا الفيلم.
فيلم «وصول» المشابه كثيراً لرائعة كريستوفر نولان «إنترستيلار» يُروى من وجهة نظر أميركية ديمقراطية بعيداً عن القرار السياسي المؤدلج (ليس كل الجمهوريين مؤدلجين)، خصوصاً أن أميركا في الفيلم لا تقود تكتلاً أو حلفاً عالمياً بل هي منعزلة تحاول معالجة الأمر بالتنسيق مع دول العالم التي بها مركبات فضائية. وجهة النظر هذه قد ترمز لحقبة الرئيس باراك أوباما وكانت حتماً تتوقع فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة.
ونتساءل لماذا قرر جنرال صيني اسمه تشانغ (تزي ما) في الفيلم إعلان الحرب على المخلوقات الفضائية؟ ولماذا لا يظهر الرئيس الأميركي؟ هل ذلك يعني أن مصير البشرية معلق بيد مشعلي الحروب النمطيين؟ أم إنه إشارة خفية بأن أميركا هي صوت العقل؟! سواء كان ذلك بقصد أو دون قصد فإن تلك الجزئية متهمة بالتنميط.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news