الثقافة الشعبية تلعب دوراً مهماً في التأثير على ميول الناخبين

الواقع السياسي يعجز عن محاكاة الخيال في انتخاب رئيسة أميركية

صورة

فعلتها بريطانيا وألمانيا والفلبين وكوريا الجنوبية ودول عدة في أميركا الجنوبية، وحتى الهند وباكستان وليبيريا وبنغلاديش، وهذه دول تمثل العالم المتقدم والنامي، لكن لم تفعلها أميركا التي تسمي نفسها زعيمة العالم الحر. عندما يتعلق الأمر بانتخاب امرأة رئيسة للبلاد، فإن الولايات المتحدة قد يكون دربها لتحقيق ذلك طويلاً.

فرصة مؤجلة

بالتأكيد فكرة وصول هيلاري كلينتون إلى الرئاسة استحوذت على عقول صناع المسلسلات، الدراما السياسية «مدام سيكريتري» مقتبس من قصة وزيرة الخارجية السابقة المتورطة في فضيحة بنغازي، وفي عام 2012 كان هناك مسلسل قصير من بطولة سيغورني ويفر بعنوان «حيوانات سياسية» عن وزيرة خارجية متزوجة من رئيس سابق يخونها. في دولة حكمها 44 رئيساً، تحاول الثقافة الشعبية مساعدة الناخبين في خلق نوع من الألفة مع فكرة امرأة رئيسة، وبانتصار دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة، يبدو أن فرصة وصول رئيسة حقيقية إلى البيت الأبيض أو محاكاة الواقع للخيال ستبقى مؤجلة لأربع أو ثماني سنوات أخرى.


- «من الواضح أن السينما والتلفزيون يسبقان التوقعات الجماهيرية، ومن الواضح أن الثقافة الشعبية في الولايات المتحدة لها تأثير عميق في تفكير وخيار الفرد».

- «في عام 2007 كان هناك استطلاع رأي لمؤسسة (غالوب) أشار إلى أن 88% من الأميركيين صوتوا لفكرة مرشحة أميركية شرط أن تكون مؤهلة».


للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

منذ 10 أعوام رأينا ذلك تلفزيونياً في مسلسل Commander In Chief أو «القائد الأعلى»، الذي قدم الفكرة إلى الجمهور من خلال شخصية رئيسة جسّدتها جينا ديفيس. منذ ذلك الحين أصبح مسلسل «ستيت أوف أفيرز» السادس الذي نشاهد فيه امرأة في المكتب البيضاوي، بينما مسلسل Scandal أو «فضيحة» في موسم العام الماضي طرح فكرة سيدة أولى تخوض الانتخابات، وقبله في مسلسل «24» الشهير رأينا الرئيسة الأميركية أليسون تيلر (تشيري جونز) في آخر موسمين، وقد يكون هذا المسلسل الوحيد الذي بدأ برئيس من أصول إفريقية، وانتهى بامرأة رئيسة.

كل هذا حدث قبل ترشح هيلاري كلينتون إلى الرئاسة، وخسارتها أمام المستقل الذي أصبح جمهورياً في ما بعد دونالد ترامب. من الواضح أن السينما والتلفزيون يسبقان التوقعات الجماهيرية، ومن الواضح أن الثقافة الشعبية في الولايات المتحدة لها تأثير عميق في تفكير وخيار الفرد.

كان أول ظهور لشخصية رئيسة أميركية في السينما في فيلم الخيال العلمي «بروجيكت موونبيس» عام 1953، تقع أحداث الفيلم عام 1970، ومن بطولة الممثلة إيرنستين باريار في دور شخصية بلا اسم باستثناء «السيدة الرئيس».

وفي عام 1964 شاهد الناس بولي بيرغين في دور الرئيسة المنصبة ليزلي مكلاود في الكوميدي «قبلات إلى رئيسي». فشل الفيلم بسبب رفض الجمهور فكرة السخرية من الرئاسة، خصوصاً أن الفيلم طرح بعد اغتيال الرئيس الأسبق جون كينيدي بأقل من عام.

يعتبر «قبلات إلى رئيسي» من أسوأ الأفلام ذات التوجه السياسي، حيث ينصب اهتمامه على زوج الرئيسة ثاد (فريد مكموراي) أكثر من الرئيسة نفسها. في الفيلم نرى ثاد محبطاً بسبب الأثاث النسائي في البيت الأبيض، وبسبب انشغال زوجته بالأمور السياسية وعدم قدرته على مغازلتها، ومغتاظ من أنه أصبح مجرد زوج رئيسة، بعد أربعة أعوام من النجاح كرجل أعمال، لكن في نهاية الفيلم يصبح هو البطل، عندما يتمكن من إيقاف سيناتور يسعى لتفجير فضيحة للإيقاع بالرئيسة. في نهاية الفيلم تستقيل الرئيسة، بعد أن تحبل بناء على نصيحة الأطباء. أما ثاد فيصل إلى قناعة بأن 40 مليون امرأة انتخبن زوجته، لكن خروجها كان على يد رجل واحد.

الفيلم صنع في فترة يسميها المثقفون الأميركيون «حقبة مظلمة من الثقافة السياسية الأميركية»، خصوصاً أن هدف الفيلم إثبات عدم كفاءة المرأة لهذا المنصب السياسي، ونرى ذلك بوضوح عندما يتحدث زوجها عن مؤهلاتها، قائلاً: هي ابنة سفير، وابنة شقيقة سيناتور، وقاضية سابقة، وزوجة وأم.

في العقود التالية، اقتربت فكرة المرأة الرئيسة من الواقعية أكثر، إذ ترشحت شيرلي تشيشولم للمؤتمر الديمقراطي عام 1972، وكذلك ترشحت جيرالدين فيرارو كنائبة إلى جانب المرشح الرئاسي الأسبق وولتر مونديل عام 1984. فشلت الحملتان، ما تسبب في عودة السخرية من فكرة ترشح المرأة للرئاسة عام 1985 بمسلسل «تحية إلى الرئيس»، من بطولة باتي دووك. ثم شاهدنا الفكرة في السينما مجدداً عام 1998 من خلال الفيلم الهزلي «مافيا»، وكانت كريستينا آبلغيت في دور الرئيسة.

وأخيراً، شاهدنا سيلا وارد في دور امرأة رئيسة في فيلم «يوم الاستقلال: العودة»، وهو ما عكس توقعات هوليوود بوصول كلينتون إلى البيت الأبيض.

في عام 2007 كان هناك استطلاع رأي لمؤسسة «غالوب»، أشار إلى أن 88% من الأميركيين صوتوا لفكرة مرشحة أميركية، بشرط أن تكون مؤهلة.

وهناك دراسة أجريت العام الماضي، كانت نتيجتها أن أربعة من كل 10 أميركيين قالوا إنهم يتمنون رؤية رئيسة أميركية واحدة في فترة حياتهم، وجاءت نتيجة الدراسة وسط انقسامات مجتمعية وحزبية، عانت منها الولايات المتحدة ولاتزال حتى اليوم. لهذا السبب نجد أن التجسيدات الخيالية لتلك الفكرة صنعت بإبراز أدق التفاصيل الواقعية، بهدف جذب الجمهور، وتجنب تهميشه في حال تم تجسيد الفكرة بصورة خيالية لا تمت للواقع بصلة.

وبالطبع كأي فكرة جديدة تطرح أمام الجماهير من خلال عمل فني، فإن لتلك الفكرة ملامح أو علامات، ومن خلال تفحص شخصيات الرئيسات الأميركيات في المسلسلات التلفازية الحديثة، نجد أنه لا توجد واحدة منهن ديمقراطية، على الرغم من أن الديمقراطيين هم الأكثر حماساً لفكرة تولي امرأة سدة الرئاسة. وهناك واحدة فقط منهن ترشحت بجدارتها، أي دون أن تكون من سلالة سياسية أو زوجة لرئيس يشغل البيت الأبيض أو سابق. أما البقية فقد جئن من خلفيات سياسية، أو ملأن فراغاً سياسياً عند الحاجة.

وبالعودة إلى النقطة المذكورة آنفاً، فإن للثقافة الشعبية (السينما والتلفزيون) دوراً مهماً في الولايات المتحدة للتأثير في الرأي العام، فبسببها انتشرت فكرة ارتباط الرجل والمرأة دون زواج، وكذلك فكرة الأم العزباء، والعديد من الأفكار الشاذة أصلاً على المجتمع الأميركي. بعض المراقبين تكهنوا بأن فكرة وجود الرئيس الأميركي من أصول إفريقية ديفيد بالمر في مسلسل«24» من عام 2001 إلى 2006 هو السبب في ميل الناخبين لقبول فكرة انتخاب الرئيس باراك أوباما، الذي دخل البيت الأبيض بعد عامين فقط من آخر ظهور لتلك الشخصية في المسلسل، وكذلك قالوا بما أن عرقية رئيس في عمل تلفزيوني أثرت في الناخبين، فيمكن لفكرة جنس الرئيس أيضاً التأثير فيهم.

رود لوري صانع مسلسل «القائد الأعلى»، قال إنه جعل رئيسته في المسلسل جمهورية، للرد على منتقديه الذين اتهموه بأنه دمية لحملة هيلاري كلينتون الرئاسية عام 2008، وحتى لا يحصل أي تشابه بين الرئيسة آلين في المسلسل وكلينتون. اللافت جداً في هذا الجانب أن معظم النساء يصوتن لسياسي أو سياسية ديمقراطية، فلماذا في المسلسلات نجد الرئيسات إما من الحزب الجمهوري أو وسطيات!

قد يبدو الأمر كمؤامرة للبعض، لكنه ليس كذلك، فوفقاً لمنتج يسمى توم نونان، فإن كتّاب المسلسلات يخدمون ثلاثة أهداف في صناعة العمل، هي: أولاً، عليهم خلق عوامل الصراع في القصة، وثانياً، عليهم وضع مفاجآت وأحداث غير متوقعة بتاتاً، وثالثاً، محاولة التنبؤ بشيء قد يحدث في الواقع، وهذه الثالثة نجح فيها كثيراً مسلسل «24».

فهو تنبأ بدقة بوصول رئيس أميركي يدعى تشارلز لوغان، ضعيف جداً ومتردد، وكذلك تنبأ بفكرة التقارب بين الولايات المتحدة وروسيا، التي قد نرى ملامحها في عهد الرئيس المنتخب ترامب.

رئيسة جمهورية في المسلسل تضيف عنصر صعوبة تخمين توقع أفعالها وقراراتها، وحتماً لن نحصل على النتيجة نفسها لو كانت الشخصية نسخة كربونية من هيلاري كلينتون، أو السيناتور إليزابيث وورين. ما يحدث هو أن معظم الكتاب يساريون، وهم عادة يكتبون شخصيات نقيضة لأفكارهم وتوجهاتهم.

هناك أيضاً عامل يتعلق بطبيعة العمل الفني، فالانتساب للحزب مهم جداً لمسلسل مثل «الجناح الغربي»، الذي يلامس أحداثاً سياسية واقعية مقارنة بدراما عاطفية مبتذلة مغلفة بالسياسة، مثل «فضيحة» و«القائد الأعلى». مسلسل مثل«Veep» يتعمد ترك توجهات حزب الرئيسة سيلينا غامضاً. وصرح صانع العمل، أرماندو أيانوتشي، بأنه لم يصنع العمل للتصادم مع توجهات الحزبين في أميركا أو للسخرية منهما.

صانعو مسلسلي «الجناح الغربي» و«24» حاولوا منع أي تحيزات سياسية، ونادراً ما نرى دوافع خفية في العملين تحمل مشروعات سياسية ثنائية الحزبين، والسبب أن المنتجين والعاملين على تلك المسلسلات يتجنبون تهميش أي شريحة من الجمهور. وكقانون عام، فإن الشبكات التلفازية في الولايات المتحدة لا تحب أي مشروعات ذات أجندات.

هناك مثال واحد شاذ في مسلسل «ستيت أوف أفيرز»، الرئيسة كونستانس بيتون خدمت في سلاح الجو في حرب الخليج الأولى، وكانت سيناتور عن ولاية كاليفورنيا، قبل أن تتولى الرئاسة كأول رئيسة أميركية من أصول إفريقية. زوجها المحامي (أوباما كان محامياً كذلك) لم يكن رئيساً قبلها، لذا يمكن القول إنها استحقت منصبها في البيت الأبيض بجدارة. ألفري وودوارد، التي جسدت شخصية بيتون، قالت إن شخصيتها ضد شخصية الديمقراطي التقدمي، ما يجعلها قريبة من ممثلة ولاية يوتا ميا لاف.

كذلك من الملاحظ أن معظم الرئيسات في المسلسلات وصلن إلى مناصبهن بقليل من المساعدة، لكن ذلك لا يعني أنهن لا يتمتعن بالكفاءة المطلوبة. في «هاوس أوف كاردز» كلير أندروود مرشحة كنائب رئيس إلى جانب زوجها الرئيس في حملته الانتخابية. أليسون تايلر في مسلسل «24» كان والدها سيناتور، وهي شغلت مقعده قبل الترشح للرئاسة.

في «القائد الأعلى» و«فضيحة» نائبتا الرئيسين وصلتا للحكم خلفا في مسلسل «فضيحة» تولت سالي لانغستون الرئاسة عندما دخل الرئيس غرانت في غيبوبة. في «Veep» الرئيسة ماير أصبحت رئيسة بعد تنحي الرئيس، وفي حالة إقصائية، فإن نائبة الرئيس كارولاين رينولدز اغتالت الرئيس في مسلسل «بريزن بريك».

تويتر