«جمال جانبي»..قباحة سينمائية من العيار الثقيل
كان ويل سميث في العقد الماضي أغلى النجوم أجراً واسماً ذهبياً في شباك التذاكر الأميركي يتهافت الجمهور على دخول أفلامه، لكن ذلك انتهى تدريجياً عام 2008 في الفيلم الدرامي «7 أرطال»، ثم جاءت كارثة «آفتر إيرث» 2013، وزلزلت مسيرته السينمائية زلزلة شديدة لم يتعافَ منها سميث إلى اليوم.
الفيلم يضم في ترسانته فائزتين بالأوسكار وثلاثة مرشحين سابقين (ويل سميث وإدوارد نورتون وكيرا نايتلي) مشهد أخير في المشهد الأخير من فيلم «ليون» كانت هناك دموع تذرف في الصالة من لحظة النهاية القوية المؤثرة، الشخصيات تبكي والجمهور كذلك، لأنها لحظة حقيقية عندما يجتمع رجل بأمه بعد 25 عاماً من الضياع، فيلم يركز على شوق أم لرؤية فلذة كبدها وحنين رجل للأم التي شقت من أجله، أما في المشهد الأخير من «جمال جانبي» ويل سميث يبكي لوحده، بينما الناس تخرج مستعجلة، وكاتب هذه السطور يُمنّي نفسه الخلاص من تجربة عذاب مشاهدة هذا الفيلم البائس. - «في الثلاثة أعوام الماضية ظهر سميث في أربعة أفلام فاشلة وواحد وسط، واليوم نراه في (جمال جانبي)، وهو ثاني أسوأ فيلم في مسيرته منذ (وايلد وايلد ويست) في 1999». - «في الآونة الأخيرة لم يعد تكديس النجوم في فيلم واحد علامة مبشرة، بل هي نذير شؤم أننا بصدد مشاهدة أسوأ أفلام العام». |
في الثلاثة أعوام الماضية ظهر سميث في أربعة أفلام فاشلة وواحد وسط، واليوم نراه في Collateral Beauty أو «جمال جانبي»، وهو ثاني أسوأ فيلم في مسيرته منذ «وايلد وايلد ويست» في 1999، لن نقول إنها علامات انحدار، بل هي حالة تدهور وتخبط شديد يعيشها هذا النجم، وعليه تدارك الأمر قبل نهاية العقد الحالي أو الاعتزال.
في الآونة الأخيرة لم يعد تكديس النجوم في فيلم واحد علامة مبشرة، بل هي نذير شؤم أننا بصدد مشاهدة أسوأ أفلام العام (فالانتاين داي، عيد الأم، ليلة رأس السنة.. وهلم جرا)، واليوم هذا الفيلم الذي يضم في ترسانته فائزتين بالأوسكار (البريطانيتان كيت وينسليت وهيلين ميرين)، وثلاثة مرشحين سابقين (ويل سميث وإدوارد نورتون وكيرا نايتلي).
دعونا ندخل في صلب الموضوع، ويل سميث الذي نحب شخصيته الكاريزماتية على الشاشة، بطل «باد بويز» و«عدو الدولة» في زمن مجد التسعينات، في دور رجل يدعى هاوارد يجمع موظفيه في شركة دعاية وإعلانات ناجحة جداً، ويلقي عليهم محاضرة يقول فيها: «الوقت والحب والموت. ثلاثة أشياء ترتبط بكل آدمي على كوكب الأرض. نرغب في الحب. نتمنى لو كان لدينا المزيد من الوقت. ونخاف الموت» أليس كلاماً عميقاً؟ كلا بل تافه.
بعد ثلاثة أعوام، نرى هاوارد منعزلاً وحيداً بعد وفاة ابنته ذات الستة أعوام جراء مرض نادر. يمضي هاوارد أيامه في المكتب يركب قطع الدومينو صانعاً أشكالاً هندسية معقدة قبل أن يهدمها ويعيد الكرة مجدداً، وموظفوه يشاهدونه. في الليل نراه جالساً في شقته كالكاهن البوذي أو يكتب رسائل موجهة إلى الوقت والحب والموت، ثم يضع عليها طوابع بريدية، لكن دون أن يكتب عناوين ويضعها في صندوق البريد.
يقلق شركاؤه (يؤدي أدوارهم إدوارد نورتون وكيت وينسليت ومايكل بينا) في العمل من حالته النفسية، خصوصاً أنه كان القائد الكاريزماتي وقوة الشركة الدافعة ويمتلك معظم الأسهم. وعندما تنخفض الأرباح يرغب الشركاء في شراء حصته لإنقاذ الشركة، لكنه يرفض مناقشة تلك التفاصيل في حالته الكئيبة. فيذهب أحدهم (نورتون) ويستأجر خدمات محققة خاصة (آن دود) للتجسس على هاوارد، وتتمكن من استرجاع الرسائل الثلاث من صندوق البريد بصورة غير قانونية بالطبع.
ثم بالمصادفة يتعرف شريكه (نورتون) الى فتاة جذابة تدعى إيمي (كيرا نايتلي) تقدمت لتمثيل دور في إحدى دعايات الشركة، ويعلم أن لديها خبرة في التمثيل المسرحي عندما يلحقها إلى المسرح ويرى زميليها الممثلين (هيلين ميرين وجيكوب لاتيمور) يؤديان بروفة لمسرحية، ويقرر استئجار خدماتهم لتجسيد أدوار الوقت والحب والموت على شكل أشخاص يذهبون ليتحدثوا مع هاوارد لإثبات أن الأخير فقد عقله، وبالتالي دفعه إلى بيع الأسهم، بالمقابل يحصل الممثلون من الشريك (نورتون) على تمويل لمسرحيتهم.
هناك طبعاً القصص الجانبية الأخرى لكل تلك الشخصيات، وهناك المستشارة أو الناصحة ماديلين (ناومي هاريس)، التي تمر بالضبط في ظروف هاوارد نفسها (فقدت ابنتها ذات الـ6 أعوام بسبب مرض)، وهناك بالطبع مفاجأة النهاية!
هذا العام شاهدنا ثلاثة أفلام فلسفية («ديموليشن» و«وصول» و«جمال جانبي»)، باستثناء «وصول»، فإن الفيلمين الآخرين ينهدمان، الأول ينهدم بالتدريج لشدة تناقضات تفاصيله، و«جمال جانبي» يبدأ ضعيفاً، ويستمر كذلك إلى أن ينسف نفسه في مفاجأة النهاية.
ويل سميث أساساً غير موجود في هذا الفيلم، معظم دوره صامت ولا نشاهده سوى في نصف اللقطات. في البداية كان إخراج الفيلم مسنداً إلى ألفونسو غوميز ريخون، لكن بعد إسناد البطولة إلى سميث قرر ريخون الانسحاب بسبب خلافات إبداعية. هذا يفسر سبب التناقضات الشديدة في نبرة الفيلم، سميث يعطي أداء جاداً من الواضح أنه يريد جائزة عليه، بينما نورتون ونايتلي وميرين يظنون أنهم في كوميديا من نوعية «بيردمان» عن الموت!
طرح الفيلم في الأسبوع نفسه مع «روغ ون: قصة حرب نجوم» يعكس الحرج الشديد الذي تشعر به وورنر بروس بفيلم لا تعلم ما تفعل به، فقررت رميه ليتم سحقه تحت وطأة حرب النجوم، وكي لا يتذكره أحد. «جمال جانبي» يريد أن يقول لنا إن الحزن والفجع شيئان جميلان، ولا يكتفي بذلك بل يريد إجبارنا على الشعور بذلك بأرخص الأساليب، كما تفعل الدراما الخليجية البائسة عندما تتدفق جرعات الميلودراما في بضعة مشاهد، ويبكي الممثلون بكاء تماسيح، وتسمع تلك الموسيقى العالية التي تطغى على أصواتهم لتقول احزنوا لأن الشخصيات حزينة! «جمال جانبي» لا يخجل أن يحذو في هذا الاتجاه ويسخّر كل جهوده لإبكائنا رغماً عنا.
هناك أفلام تتغابى بأسلوب ذكي أو ترفيهي أي تعترف أنها أفلام غبية، لكن بقيمة ترفيهية عالية، وهذا ذكاء مثل فيلم «سنترال أنتلجنس» هذا العام. وهناك أفلام كهذا تتذاكى بأسلوب غبي أي تدعي أنها ذكية وقادرة على مفاجأة المشاهد، لكن النتيجة هي نهاية رخيصة وسيئة ومبتذلة، نهاية لو شاهدها ملك مفاجآت الابتذال إم نايت شيامالان لشعر بسعادة أنها لم تخطر على باله. الفيلم يريد منا الاهتمام بشخصيات تحاول خداع رجل يعيش فاجعة وفاة ابنته وفي الوقت نفسه تلك الشخصيات لا تشجب ولا تلام على فعلتها، وهذه ليست وقاحة في قصة الفيلم، بل خطأ فادح وقع فيه المخرج ديفيد فرانكل وكاتب السيناريو التافه ألان لويب.
«جمال جانبي» فيلم سطحي ومزيّف ولا يحوي لحظة حقيقة واحدة، القصة ضعيفة وسخيفة والشخصيات كلها مصطنعة، لأن الممثلين غير قادرين على الغوص في أعماقها، والسيناريو مضجر ولا يمكن «بلعه» بسهولة، والحوارات تشجع على النوم بدل الاهتمام بها، برغم كل النجوم فيه، هذا الفيلم قبيح وسيئ ولا يستحق المشاهدة.
للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.