الأدوار غير موزعة جيداً.. والإخراج مشتت

«أوفيس كريسماس بارتي».. جديد مسلسل انهيار الكوميديا

صورة

ولّى زمن كانت الكوميديا فيه تتمتع بأصالة شديدة، كوميديا كانت معتمدة على النكات الجيدة البريئة الناتجة عن مواقف سوء فهم غير مقصودة ومن شخصيات مرحة، وليست بالضرورة حمقاء أو غبية.

ولّى زمن لم تكن الكوميديا فيه بحاجة إلى تخطي خطوط حمراء لإضحاكنا، إذ يعتقد معظم كتّاب الأفلام الكوميدية في هوليوود أن الكوميديا الجيدة هي المصنفة للكبار فقط، وأن المبالغة في تخطي الحدود الحمراء يعني براعة وأصالة واكتشافاً جديداً لم يسبقهم أحد إليه.


- الكوميديا ليست عذراً لتقبّل كل تلك الأحداث عندما تكون نبرة الفيلم جادة، وتطلب منا أخذه بجدية.

ربع ساعة غير ضرورية

بيتمان و«أوليفيا من» غير منسجمين في شبه العلاقة الرومانسية بينهما، والقصة الجانبية التي تحدث في آخر الفيلم وتتسبب في المطاردة أضافت ربع ساعة غير ضرورية إليه.

- كان الأجدر التركيز على أنستون، كونها الأشهر والشخصية صاحبة أقوى قرار في الفيلم.

ولّى زمن كانت الناس تميز فيه الفرق بين المضحك والسخيف، بين الموهبة في ابتكار النكتة والتهريج في تصنّعها، بين الشجاعة والترجل في صنع المشهد، وبين انعدام الثقة واللجوء إلى منطقة للكبار فقط لتوظيف خدش الحياء والقذارة في صناعة النكتة. ولّى زمن كان رجل واحد فقط يحمل فيلماً بأكمله، ويمتعنا به من أول إلى آخر مشهد، لنرى اليوم ما لا يقل عن سبعة ممثلين، لا يتمتع واحد منهم بأدنى كفاءة ليضحكنا ولو في مشهد واحد.

ولّى زمن كان كل الفيلم الكوميدي فيه يدور في مكان واحد، وأحداثه عبارة عن حفلة واحدة كل المدعوين فيها من كبار الشخصيات والأثرياء دون وجود ممثل واحد اشتهر بأدوار تهريجية، ورغم ذلك كان الفيلم يجعل الجمهور ينفجر ضاحكاً على مواقف تلعب على تناقضات الثقافات وسوء الفهم البريء ومبالغات ظريفة، وليس كما نرى اليوم أفلاماً ثقيلة الدم نشعر بالضجر فيها من أول نصف ساعة وليس في جعبتها سوى إيحاءات جنسية قذرة ومنحطة تظن أنها نكت وهي تثير الاشمئزاز وليس الضحك.

كانت تلك مقارنة بين كوميديا بريئة كلاسيكية مثل فيلم «الحفلة» عام 1968 من كتابة وإخراج الراحل بليك إدواردز وبطولة الموهوب - الراحل كذلك - بيتر سيلرز، وبين فيلم Office Christmas Party أو «حفل عيد الميلاد في الشركة» الذي لا يجد حتى سبباً مقنعاً لإقامة حفلة، ناهيك عن سبب منطقي لوجود الفيلم.

قصص جانبية

جوش باركر (جيسن بيتمان) مدير تنفيذي فني في شركة «زينوتيك» لتقنية المعلومات في فرع شيكاغو ينهي أمور طلاقه من زوجته مع محاميه، ويتوجه إلى مقر عمله في الشركة التي تعاني متاعب مالية، إذ أخفقت في تحقيق حصتها المالية الربعية من العام.

تتدخل الرئيسة التنفيذية للشركة الأم كارول فانستون (جينيفر أنستون) وتهدد بتسريح 40٪ من الموظفين، وإلغاء المكافآت المالية السنوية، وكذلك إلغاء مظاهر الاحتفال بالكريسماس السنوية في الشركة. شقيقها كلاي (تي جي ميلر) مدير فرع شيكاغو يقاوم تدخلاتها، ويتضح أنهما يكرهان بعضهما بعضاً، كون كلاي هو المفضل والمدلل عند والدهما الراحل. يتوصل كلاي وجوش وموظفة بارعة في الفرع تدعى تريسي (أوليفيا من) إلى مقترح شراكة مع مستثمر وعملاق اقتصادي اسمه وولتر (كورتني بي فانس) ويحاولون إقناعه بالدخول معهم لإثناء كارول عن قرارها بتقليص النفقات وتسريح الموظفين.

يثير المقترح اهتمام وولتر، لكنه ليس مقتنعاً بشكل كامل بسبب قرارات كارول التي تسببت في إغلاق فروع أخرى، والتي اتهمها وولتر بأنها استراتيجية تهدف إلى الربحية وتوفير الأموال فقط، ولا تهتم بالموظفين.

في نهاية الاجتماع يدعو كلاي وولتر لحضور حفل الكريسماس في مقر الشركة لتعريفه بالموظفين، وإثبات أن كل الأمور فيها على ما يرام. في الوقت نفسه، تعرض كارول على جوش وهو صديق شقيقها الانتقال من فرع شيكاغو إلى المقر الرئيس في نيويورك لأنها واثقة بفشل كلاي، وبالتالي إغلاق فرعه. هل تصدقون أن القصة السخيفة المذكورة أعلاه كتبها ستة أشخاص! وأخرجها رجلان: جوش غوردون وويل سبيك!

تقام الحفلة الصاخبة المجنونة، وتحدث فيها كل المواقف التي شاهدناها في أفلام كوميدية سابقة، وتكرر النكات نفسها والأشياء نفسها مع قصص جانبية تحدث في مكاتب الشركة، ولا نعلم لمَ هي محشورة في القصة الرئيسة أساساً.

شخصيات زائدة

شخصيات كثيرة لا ضرورة لوجودها، ولا تتفوه سوى بجملة واحدة لكل منها في مشهدين أو ثلاثة كحد أقصى. أنستون نفسها هي شخصية جانبية تظهر في مشهدين في البداية ومثلهما في الوسط وأكثر بقليل في النهاية.

فيلم تافه وسخيف وغير مضحك كما اعتدنا من هوليوود في حقبة ما بعد «ذا هانغ أوفر» أو حقبة الإفلاس الكوميدي. هذا النوع من الأفلام الذي تشاهدون فيه شخصية مثل وولتر يقتنع بالعرض المقترح لأنه كان تحت تأثير المخدرات!

هذا النوع من الأفلام الذي تقول فيه شخصية لأخرى بينهما سنتيمترات فقط أن عليهما الذهاب إلى غرفة مجاورة للتحدث بعيداً عن صخب الحفلة لأنهما لا يستطيعان سماع بعضهما بعضاً، بينما في مشهد آخر في وسط الحفلة نرى حواراً بين جوش الواقف في طرف الشركة بعيداً جداً عن وولتر في الطابق العلوي حواراً كاملاً وسط موسيقى صاخبة، ويسمعان بعضهما بعضاً دون أي مشكلات! هذا النوع من الأفلام الذي نشاهد فيه جهاز كمبيوتر يرمى من مكتب شركة في ناطحة سحاب في شارع من الممكن أن يكون مزدحماً بالمارة دون أن تكترث السلطات.

هذا النوع من الأفلام الذي تحدث فيه مطاردة رهيبة تتحطم فيها ممتلكات عامة ستجعل رائد سينما الفوضى والدمار مايكل باي يندم أنها أفلتت من يده، ورغم ذلك لا نرى فيها شرطياً واحداً. الكوميديا ليست عذراً لتقبّل كل تلك الأحداث عندما تكون نبرة الفيلم جادة، وتطلب منا أخذه بجدية. الأدوار ليست موزعة بشكل جيد على الممثلين، فلا أحد يأخذ حقه كاملاً على الشاشة والإخراج مشتت بين كل هؤلاء، بالإضافة إلى ممثلين مساعدين، وكان الأجدر التركيز على أنستون، كونها الأشهر والشخصية صاحبة أقوى قرار في الفيلم، وشخصية بيتمان بالتعمق قليلاً في قصته وجعلهما المحور، لأنه حسب الفيلم هناك اهتمام وعلاقة مهنية واضحة الملامح بينهما يهملها الفيلم بشكل كامل لمصلحة أحداث الحفلة الفوضوية.

 

تويتر