فيلم ضعيف ومليء بحوارات مُضجرة

«انفصام».. مشوّش وفاقد الهوية

صورة

نظرية المشاهِد المتمرس تقول إنه لو كان الفيلم قوياً وجيداً فإنه سيستحوذ على الاهتمام من البداية، أما إذا كان الفيلم ضعيفاً وغير مقنع فسيظهر ذلك من المشهد الأول، ولن ينطلي على المشاهد المتمرس مهما كانت نهايته.

عودة غير مستحقة

 

 

شايامالان مفلس، وعودته غير مستحقة، ولا يتمتع بأي موهبة ولا أصالة ولا هدف أو رؤية، ومن الأفضل له مغادرة هوليوود بدل صنع أفلام تافهة غبية مخادعة رخيصة ملوثة للعقل.

23

شخصية يفترض أن تتقمص «كيفن» في الفيلم، لكنها لا تصل إلى 10 شخصيات.

هذه المرة لدينا رداءة من نوع خاص اسمها إم نايت شايامالان، وهو صانع الأفلام الأميركي من أصل هندي، الذي بزغ نجمه في هوليوود عام 1999 من خلال فيلم «الحاسة السادسة».

أصبح شايامالان صانع أفلام مرموقاً بعد اكتساح حاسته السادسة دور السينما العالمية (شئنا أم أبينا بسبب المشهد الأخير وحده الذي قلب كل قصة الفيلم)، ثم أتبعه شايامالان العام التالي بفيلم «غير قابل للكسر» الفلسفي والجيد أيضاً الذي انقلب كذلك في المشهد الأخير.

عام 2002 عاد الرجل بفيلم «علامات» الذي كان فيلماً عادياً بلا مفاجأة المشهد الأخير، لكن بعد عامين اتضح أن من أطلقت عليه هوليوود اسم «سبيلبيرغ الجديد» لم يستحق أن يسمى على اسم تلك الأسطورة التي كانت خلف «الفك المفترس» وذلك المخلوق الفضائي الحنون «إي تي».

عام 2004 شاهدنا فيلم «القرية» الذي اعتمد على مبدأ ليس كل شيء كما يبدو عليه قبل أن يفاجئنا في النهاية بمشهد لو كان على مسرح لرمت الجماهير الطماطم على الممثلين، مشهد سبّب غضباً لمن لم تنطلِ عليهم حيلة شايامالان الرخيصة، مشهد استحق عليه الرجل لقب ملك مفاجآت الابتذال.

هنا بدأ الانحدار، في 2006 شاهدنا «سيدة في الماء» عن قصة تافهة لا معنى لها كان شايامالان يرويها لبناته! بعد ذلك كان الفيلم الأغبى في مسيرة ملك الابتذال بعنوان «الواقعة» عن أشجار تدفع البشر إلى الانتحار كما دفعت الجماهير إلى مغادرة الصالات.

انفضت الاستوديوهات في هوليوود عن الرجل الذي ظهر مفلساً، إلا أنه مصاب بالغرور وجنون العظمة لإصراره أن أعماله عظيمة، وألا أحد يفهم مغزاها، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت فيلم «ذا لاست أيربندر» أحد أسوأ أفلام العقد الماضي.

لم تبقَ لشايامالان أي صدقية، وبقي بلا عمل ثلاث سنوات إلى أن جاءه الفرج من ويل سميث الذي أصر على شركة «سوني» أن يتولى الأول إخراج كارثة «آفتر إيرث» ويشارك أيضاً في كتابته، اشترطت «سوني» على سميث ألا يظهر اسم شايامالان في الحملة التسويقية للفيلم؛ لكن ذلك لم يشفع وسقط الفيلم سقوطاً لايزال سميث يبكي عليه إلى اليوم.

اختفى شايامالان عامين، وظهر في 2015 بمقابلة تسويقية لفيلم عودته إلى الساحة «الزيارة» مع منتج الميزانيات الضئيلة جيسن بلام، بدأ الفيلم جيداً لكن نهايته لا تخلو من الابتذال الرخيص. واليوم فيلمه الجديد Split، أو «انفصام»، لا يثبت سوى أن ملك الابتذال لمن تابع أفلامه السابقة ليس سوى مفلس لا يتردد في توظيف أرخص الحيل لإعداد ما يعتبره مفاجأة النهاية!

فيلم «انفصام» عن شاب يدعى كيفن (جيمس ماكافوي من أفلام إكس من الجديدة)، مصاب بمرض الانفصام، حيث يتحول إلى 23 شخصية. يختطف كيفن ثلاث فتيات ويأخذهن إلى قبو ويحتجزهن هناك وفقاً لأوامر دينيس، إحدى الشخصيات التي تتقمص جسد كيفن.

كيفن لديه طبيبة نفسية تدعى د.كيرين فليتشر (بيتي بكلي) تجري دراسات عليه، وكل الفيلم يجري بين القبو ومكتب الطبيبة. الشخصيات التي تتقمص كيفن في الفيلم لا تصل إلى 23، بل لا تصل إلى 10 شخصيات، وكلها تتحدث بلهجة بروكلين رغم أن الممثل أسكتلندي والأحداث تقع في فيلادلفيا مسقط رأس شايامالان، لكن لا يهم.

خاطف لا يخيف

يبدأ الفيلم ضعيفاً من مشهد الاختطاف، إذ يرش كيفن مخدراً على والد إحدى الفتيات، الواقف خلف السيارة، ويركب السيارة في مقعد السائق، تنتبه إحدى الفتيات (هيلي لو ريتشاردسون) وتطلب منه المغادرة فيرش عليها المخدر، المشكلة أن الشخصية الرئيسة الأخرى التي يركز عليها الفيلم، كيسي كوك (أنيا تيلر جوي)، تركب في المقعد الأمامي وتضع يدها على قبضة الباب، وبدل الخروج فإنها تنتظر أن يرشها كيفن بالمخدر في مشهد سيئ وضعيف وغير مبرر.

كيفن غير مسلح ولا يحمل مسدساً ولا سكيناً، رغم ذلك لا تحاول أي فتاة الهروب أو المقاومة إلا بعد فترة طويلة جداً. الفتيات الثلاث لو هجمن على كيفن لسيطرن عليه بسهولة، لكن شايامالان نسي ذلك لأن باله مشغول بشيئين: شخصية الوحش، وهي رقم 24 التي ستظهر في النهاية، ثم مفاجأة المشهد الأخير التي لا مفر منها!

كيفن غير مقنع أبداً كخاطف، وليس مخيفاً مقارنة بالمرعب صاحب الصوت الرعدي هاوارد (جون غودمان) مثلاً (مهووس نظريات المؤامرة الذي احتجز ميشيل في قبو منزله في فيلم 10 كلوفر فيلد لين)، فتارة يتحول كيفن إلى امرأة أو طفل عمره تسع سنوات. تقاسيم وجه ماكافوي كلها براءة وحنان وسذاجة ولا يناسبه الدور أبداً، ولن يكون بيتر سيلرز أبداً. بعد مشهد الاختطاف نرى لقطة لخبر اختفاء الفتيات في نشرة الأخبار؛ ما يعني أن الخبر انتشر في المدينة، لكن هناك لقطة لكوك تتحدث عبر جهاز لاسلكي تجده في القبو وتطلب النجدة، لكن المجيب على الطرف الآخر لا يصدقها! بغض النظر عن الكليشيه، وعن تبرير المجيب عدم تصديقه للفتاة في آخر الفيلم، السؤال هو: لماذا لم يصدق الرجل على الطرف الآخر استغاثة كوك رغم نشر الخبر في وسائل الإعلام؟ ليس هناك أي مبرر! ربما لأن شايامالان مشغول بإبراز القواسم المشتركة بين كيفن وكوك: كلاهما كان ضحية في طفولته!

فرض الأجواء

الفيلم مليء بمشاهد حوارية مضجرة، وشايامالان لا يحاول حتى إضفاء أي نوع من التشويق، الموسيقى والمؤثرات الصوتية تحاول فرض الأجواء الجادة علينا بالقوة بدل أن تدخلنا فيها تدريجياً. وعندما يتحول كيفن إلى شخصية الوحش يخرج الفيلم من سيطرة ملك الابتذال ويتحول إلى مهزلة لا تدخل العقل.

شايامالان لا يتردد في تقليد أفلام أخرى مثل «البحث عن برايدي ميرفي» و«وجوه إيف الثلاثة»، أو ربما مسلسل «القانون والنظام: وحدة الضحايا الخاصة»! عندما يبدأ الوحش في إلقاء محاضرة فلسفية عن القوة ونقاء القلوب، وهراء لا معنى له يعيد إلى الأذهان حوارات فيلم سابق لشايامالان لا نود ذكره حفظاً لحق القارئ في استكشاف الفيلم بنفسه، ثم يأتي المشهد الأخير، مشهد المفاجأة، ليتضح لنا أن القصة التي شاهدناها عن الانفصام ليست لها أي علاقة بمشهد النهاية، بعكس المفاجآت السابقة التي تقلب قصص الأفلام.

كل ما في الأمر أن شايامالان يتمنى أن يؤسس عالماً خاصاً به! ويحق له ذلك لو فعلها بالطريقة الصحيحة والمقنعة، وهي تقديم الشخصية ثم وضعها في ذلك العالم! بكلمات أخرى لو أردتم فهم مغزى الفيلم فعليكم مشاهدة أفلام هذا الرجل السابقة!

لا غرابة، إنه أسلوب الحيلة الرخيص المبتذل الذي يريد إقناعنا به بالقوة.

تويتر