فيلم كئيب وغير متوازن
ناتالي بورتمان تنقذ «جاكي» بأداء مبهر
لا تتوقع الدخول إلى فيلم «جاكي» ومشاهدة قصة! بل لا تتوقع أي أسرار لا تعرفها. هذا فيلم أداء، تشاهده للاستمتاع بأداء الممثلة ناتالي بورتمان فقط، قد تكون هذه سابقة أن يتناول فيلم سيرة ذاتية حياة شخصية دخلت التاريخ؛ كونها تزوجت رئيساً سابقاً، الراحلة جاكلين كينيدي أو اختصاراً جاكي، كانت زوجة الرئيس الراحل جون فيتزجيرالد كينيدي (1961-1963)، حتى لحظة اغتياله في دالاس.
بورتمان.. الممتعة متعة مشاهدة الفيلم تكمن في مراقبة أداء ناتالي بورتمان، حتى آخر نفس لها فيه، هناك فرق كبير بين «البجعة السوداء» و«جاكي»، الأول فيلم عظيم بأداء رائع، أما الثاني ففيلم عادي بأداء مبهر، وفي الحالتين بورتمان هي الفائزة. في النهاية بإمكاننا القول: إن «جاكي» ليس فيلماً عظيماً، لكن يبدو شكلياً كذلك، وبورتمان تنقذه. |
«جاكي» للمخرج بابلو لارين فيلم كئيب غير متوازن، ولا يستحوذ على الاهتمام في كل لحظاته، عن عواقب أشهر عملية اغتيال في القرن العشرين، من خلال زوجة الضحية والسيدة الأولى - آنذاك - التي رفضت تغيير بدلتها الوردية الملطخة بالدماء، في 22 نوفمبر 1963، قائلة عبارتها الشهيرة: «دعوهم يروا ما فعلوه».
«جاكي» ليس عن رئاسة كينيدي، ولا عن أي نظريات مؤامرات سياسية راجت في ذلك الوقت، كينيدي ونائبه ليندون جونسون ليسا سوى شخصيتين ثانويتين في هذا الفيلم، عن أكثر قصة واقعية تم تناولها سينمائياً في التاريخ الحديث. القصة أو شبه القصة عن السيدة الأولى ذات الـ34 عاماً، التي أصبحت أرملة في أقسى لحظة في حياتها، عندما رأت زوج رأسها ينفجر أمامها برصاصة قناص، وسقطت أجزاء من جمجمته في أحضانها وبين يديها، هي كذلك عن التياع تلك المرأة، جراء الحدث الجلل، ومهمة إبلاغ طفليها بأن والدهما لن يعود، وبالطبع كل ما يلي ذلك من تخطيط الجنازة إلى التفكير في ما ستفعل في حياتها الجديدة، خصوصاً بعد خروجها الحتمي من البيت الأبيض.
سيناريو مقابلة
المخرج لارين، وكاتب الفيلم نوا أوبينهايم، اعتمدا على سيناريو مقابلة مع «جاكي»، يجريها كاتب لا نعلم اسمه (بيلي كرودب)، لكنه بالتأكيد يرمز إلى كاتب سيرتها الذاتية ثيودور وايت، بعد أسبوع من حادثة الاغتيال، التي نشرت في مجلة «لايف». الصحافي ساخر، وينظر إلى السيدة الأولى السابقة نظرة دونية، ولا يتردد في إدخال رأيه ومزجه بكلامها في الوقت الذي يجب فيه أن يكون مستمعاً فقط، ما يعكس النظرة الدونية للمرأة في الولايات المتحدة في تلك الحقبة، وأن على أي رجل أن يملي عليها ما تقوله أو تفعله، كأن ما تقوله عن حياتها غير مهم، حتى لو كان الحقيقة.
«جاكي» تظل تذكّره بأساسيات مهمته، وتقول له إنها ستطلب سيطرة تحريرية على محتوى المقابلة، أحياناً تُخرج الأرملة ما في قلبها، بتذكّر التفاصيل الدقيقة عن عملية الاغتيال قبل أن تتمالك نفسها، وتعود إلى الصحافي لتبلغه بأنه لن ينشر تلك التفاصيل، المقابلة تتقاطع مع مشاهد «فلاش باك»، عن جولة نظمتها «جاكي» في البيت الأبيض، ومشهد آخر مهم، أو قد يكون هو الأهم، في رسم التحول الذي طرأ على حياتها، وهو مشهد الفوضى على طائرة الرئاسة، عندما أدى نائب الرئيس جونسون القسم، ليشغل المنصب الشاغر فوراً، ويضمن الاستقرار السياسي.
ذلك المشهد هو الأهم والأفضل والأكثر تأثيراً في المشاهد، لأنه النتيجة وليس الحدث نفسه، وهو المشهد الأكثر إبرازاً للتحول الذي حدث كما ذكرنا آنفاً، لأن العدسة مركّزة على وجه «جاكي» الشاحب، وهي ترى نفسها تهمش تدريجياً من سيدة أولى إلى سابقة، من زوجة رئيس، وكل ما في ذلك من فخامة وهيبة ووقار إلى امرأة عادية. «جاكي» تشاهد ذلك والعدسة تذهب بشكل واضح، لكنه خجول، إلى جونسون وزوجته.
في المشهد نفسه، يبدأ مساعدو الرئيس السابق في تطبيق التحول السياسي فوراً، بإطلاق لقب السيد الرئيس على جونسون، بينما «جاكي» تتحدث عن أشياء يبدو أنها فقدت قيمتها في تلك اللحظة تحديداً، ثم تأتي لحظة خلع البدلة والدخول إلى الحمام، لتنظف نفسها من بقع دم أغلى شخص في حياتها، قبل الزحف على سريرها الفخم وحدها؛ ثم الاستيقاظ وجمع أغراضها الخاصة، ومغادرة البيت الأبيض.
مشهد آخر مضموناً يبرز تأثير الأزمة في إيمان «جاكي»، الذي تزعزع صوّره لارين بطريقة جميلة جداً، إذ لا يظهر فيه سوى وجهين، على اليمين وجه «جاكي»، وعلى اليسار وجه قسيس (الراحل جون هيرت في أحد آخر أدواره).
بيتر سارسغارد قد يبدو اختياراً غير اعتيادي لدور شقيق الرئيس الصغير بوبي كينيدي، لكنه رائع فيه، خصوصاً عندما يفرض حمايته على أرملة أخيه، ويدافع بضراوة عن نظرتها إلى ما يجب أن تكون عليه جنازة زوجها. غريتا غيرويغ أيضاً لافتة في دور نانسي تاكرمان، سكرتيرة في البيت الأبيض، وأقرب صديقة لـ«جاكي».
وهناك التفاصيل الجميلة في الخلفية، التي تعكس إرث تلك الحقبة، وفلاتر لارين التي لا يبدو من خلالها أننا نشاهد فيلماً حديثاً أو رقمياً، كأن الرجل استخدم كاميرا أفلام الستينات لتصوير الفيلم؛ ما أضفى شحوباً وقتامة على اللقطات، لمواكبة نفسية الشخصية الرئيسة
غوص في الشخصية
نأتي إلى الأهم في هذا العمل؛ وهي بورتمان التي تألقت عندما غاصت في أعماق الشخصية، بورتمان ليست ممثلة عادية، بل هي أفضل ممثلات جيلها، من أدائها دور المراهقة في «المحترف» منذ 23 عاماً، إلى دور الأميرة «بادمي أميدالا» في «حرب النجوم»، تحت إدارة جورج لوكاس في العقد الماضي، إلى النقطة المفصلية في حياتها وانتزاعها «أوسكار» أفضل ممثلة عن جدارة واستحقاق في «البجعة السوداء» عام 2010، إلى «جاكي» اليوم الذي تستحق عليه «الأوسكار» الثاني. بورتمان لم تمثل، إنها تقمّصت «جاكي» بكل ما في الكلمة من معنى، في اللهجة وطريقة المشي، وصولاً إلى تعبيرات الوجه، وقساوة تلك المرأة المقلل من تقديرها، ذلك بالإضافة إلى محاولات «جاكي» لتأكيد أن إرث زوجها أهم من إنجازاته.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news