«الفضاء بيننا» يعاني فشلاً في الانطلاق وانعداماً في الجاذبية والمنطق

لطالما كانت فكرة استكشاف كوكب المريخ واستيطانه جذابة للمخيلة العلمية، كما نقرأ أخباراً كثيرة عن تلك البعثات العلمية، التي تطمح إلى استكشاف ذلك «الكوكب الأحمر»، وهناك أفلام عدة تناولت هذا الموضوع، بالإضافة إلى موضوعات ذات علاقة باستكشاف الفضاء، مثل «2001: سبيس أوديسي»، و«مهمة إلى المريخ» و«إنترستيلار»، والأخير كان «المريخي» منذ عامين، وهو الأقرب إلى قصة هذا الفيلم.

فيلم The Space Between Us أو «الفضاء بيننا»، عن أول إنسان يولد في مستوطنة على سطح المريخ، ويقرر العودة إلى الأرض، لكنه يكتشف أنه قد يواجه صعوبات في ذلك، تحديداً بسبب التأثيرات الفسيولوجية في جسده، جراء العيش على ذلك الكوكب.

حتى الآن يبدو كل شيء معقولاً.. فلندخل أكثر في التفاصيل، في المستقبل القريب يطلق ناثانيال شيبارد (غاري أولدمان)، رئيس برنامج «غينيسز»، أول مهمة استيطانية إلى كوكب المريخ، بقيادة رائدة الفضاء سارة إيليوت (جانيت مونتغومري)، التي تكتشف أثناء الرحلة أنها حامل، ويعقد اجتماع سري يرأسه ناثانيال لاتخاذ قرار بعودة المكوك الفضائي، أو إكمال الرحلة وترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي.

بعد الهبوط على المريخ، تضع سارة مولودها، وهو أول آدمي يولد في المستوطنة المسماة «شرق تكساس»، في المريخ، وتموت نتيجة مضاعفات (لم نفسد شيئاً فهذه البداية)، دون أن يعلم أحد هوية الأب، يحتار ناثانيال في هذه المعضلة؛ لكنه يقرر إبقاء الأمر طيَّ الكتمان، حتى يتجنب أزمة قد تحدث لو علمت وسائل الإعلام بأمر الطفل.

بعد 16 عاماً، نرى غاردنر إيليوت (آسا بترفيلد)، وقد أصبح شاباً مراهقاً ذكياً وفضولياً، تربّى بطريقة غير تقليدية في المستوطنة مع 14 عالماً برفقته. في يوم ما يقرر اختراق «سينتور»، وهو روبوت، بأسلوب القرصنة الإلكترونية للدخول إلى نظام كمبيوتر السفينة الفضائية؛ ومن ثم الوصول إلى حيث تحفظ أغراض والدته، ووجد أداة تخزينية (يو إس بي) وخاتم زواج، وعندما أوصل الأداة التخزينية بالكمبيوتر وجد ملف فيديو، تظهر فيه والدته مع رجل بالقرب من منزل عند شاطئ بحر، اقتنع غاردنر بأن الرجل والده، وأن عليه الوصل إليه.

من جهة أخرى، يلتقي غاردنر مع فتاة عبر برنامج دردشة على الكمبيوتر، تسمى تولسا (بريت روبرتسون)، فتاة وحيدة مثل غاردنر بلا أسرة من كولورادو تنتقل بين بيوت التبني، ويبلغ غاردنر تولسا بأنه سيأتي لرؤيتها قريباً.
تتصل رائدة الفضاء كندرا ويندام (كارلا غوغينو)، وهي من ربّت غاردنر في المستوطنة، وكانت بمثابة أم له، بناثانيال لتخبره بأن الفتى ذكي، وقد حان وقت عودته إلى الأرض، ورغم المخاطر الصحية على غاردنر، فإنه يصل إلى الأرض ويلتقي تولسا التي تقرر مساعدته، للعثور على والده في رحلة طويلة يقعان خلالها في الحب.

تناقضات وأخطاء

بقدر ما تبدو فكرة الفيلم وقصته ذكية ومبتكرة، إلا أنها غبية لدرجة تفوق التصور، فـ«الفضاء بيننا» فيلم مشوش النبرة كله تناقضات وأخطاء، لم يفكر كاتبه ألان لويب في تغطيتها، ولماذا يفكر أصلاً وهو كاتب فيلم «جمال جانبي» القبيح ذي النهاية الحمقاء.

لدينا الكثير من الأسئلة: كيف تسمح وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) لرائدة فضاء حامل بالصعود على متن المكوك الفضائي؟ ألا يوجد نظام تدقيق وفحص دم للتأكد من سلامة الرواد قبل وصولهم إلى وجهتهم؟ نتحدث عن المريخ أي رحلة تستغرق سبعة أشهر!

إذا كانت المستوطنة مجهزة بطاقم طبي محترف، لإجراء عملية ولادة كالتي تحدث في غرف العمليات بالمستشفيات، فلماذا يقلق ناثانيال ورفاقه من أمر حمل إيليوت؟ أليست هذه مستوطنة، ومن المفترض أن تؤوي بشراً من المتوقع أن ينجبوا فيها؟
كيف تعلم غاردنر القرصنة الإلكترونية في المستوطنة المريخية؟ وهل رواد الفضاء قراصنة كمبيوتر؟

كندرا تقول إن غاردنر نشأ على تربية العلماء، أي أمضى 16 عاماً على المريخ، يتعلم منهم وتعلم كيف يصنع روبوتاً ويصادقه، فكيف نسي الروبوت عندما جاء إلى الأرض، هل من السهل التخلي عن رفيق أمضى معه 16 عاماً، ولو كان ذلك الرفيق روبوتاً؟

غاردنر متصل بشبكة الإنترنت في المستوطنة كل الوقت، ومن المفترض أن يتعلم منها الكثير، فلماذا عندما جاء إلى الأرض لم يستغرب السيارات والطائرات، لكنه استغرب عندما شاهد جواداً؟ 16 عاماً على شبكة الإنترنت ولم يرَ صورة جواد!
كيف استطاع غاردنر الهرب من الحجر الصحي أول وصوله إلى الأرض، وعرف بالضبط أين يختبئ من مطارديه، وهم ناثانيال ورفاقه وكيفية الخروج من مركز الفضاء؟ ألم يصل للتوِّ إلى مكان لم يعلم بتفاصيله مسبقاً!

في منتصف الرحلة مع تولسا، يسقط غاردنر مغشياً عليه بسبب عدم اعتياده العيش على الأرض، ثم ينقل إلى مستشفى، وبمجرد أن يستفيق يهرب فوراً دون أن يلحظه أحد! أليس الفتى مصاباً بتضخم في عضلة القلب، كما يخبرنا الفيلم باستمرار؟!

مشاهد

غاردنر وتولسا يتمكنان، أثناء رحلتهما، من سرقة ثلاث سيارات في يوم واحد، هل من وجود للشرطة في أميركا المستقبل؟!  

هناك مشهد لغاردنر يقود سيارة مع تولسا، كيف قادها بكل سلاسة ويسر دون دروس تعليم؟

إذا كان الفيلم في المستقبل القريب، فلماذا هناك سيارات قديمة جداً في الشوارع وطائرة ذات مراوح أمامية عند والد تولسا بالتبني؟ والصفوف الدراسية تبدو كما صفوف اليوم! مظهر التقدم الوحيد هو بعض أجهزة الكمبيوتر التي ظهرت بشكل متطور وتقدمي جداً على هذا العصر.

في مشاهد تسبق وصول غاردنر وتولسا إلى منزل والده على الشاطئ، تصف لنا إحدى الشخصيات مكان المنزل بدقة، فتقول إنه في مدينة صغيرة شاطئية تسمى سمرلاند في كاليفورنيا، ولو نظرنا إلى الخريطة ستكون مدينة سانتا باربرا هي الأقرب، السؤال هو: لماذا أتت سلطات مدينة لوس أنجلوس الأبعد لتأخذ غاردنر؟!

هناك مشهد يكاد غاردنر أن يموت فيه، نتيجة عدم تحمل قلبه ظروف العيش على الأرض، فيقرر ناثانيال وضعه على طائرة فضائية خاصة، وقيادتها بنفسه وأخذه إلى أول نقطة خارج الغلاف الجوي، حيث تضعف الجاذبية الأرضية، وهناك يبدأ غاردنر المريخي في التعافي، والمشكلة أن المشهد التالي كان لغاردنر على الأرض، التي لا يستطيع التأقلم فيها، يستعد لركوب المكوك!

كل ردود أفعال غاردنر تعكس أنه منبهر بأسلوب الحياة على الأرض، فإذا كانت الحياة على الأرض أجمل، فلماذا يغادرها البشر لاستيطان المريخ؟!

وهناك مشهد واحد جميل في الفيلم، هو انفجار حظيرة جراء اصطدام طائرة بها، ويصلح أن يكون في فيلم آخر عن مراهقين نجوا بأعجوبة بعد حادث طائرة، وبالتأكيد لا نريد أن يكون المريخ جزءاً من الفيلم!

سؤال أهم

هناك سؤال أهم من كل الأسئلة السابقة هو: لماذا تجاهل الفيلم موضوع المعضلة الأخلاقية المتعلقة بقرار كتمان أمر ولادة إنسان على المريخ؟! ولماذا تجاهل أمر وجود 14 عالماً على مستوطنة، يحاولون التأقلم مع ظروف العيش على المريخ؟! لماذا لم يفكر المخرج بيتر تشيلسوم أو الكاتب لويب في أن يضيفا إلى فيلم «المريخي»، لريدلي سكوت؟! لماذا لم يكن الفيلم عن تجربة علمية هي ولادة إنسان على المريخ، وما تحمله من عواقب بدل أن يكون موضوع الحمل صدفة غبية؟! ولماذا اختارا التركيز على علاقة حب تافهة لا طعم لها؟! الجواب هو لأن هذا الفيلم غبي وسيئ، ولا يستحق المشاهدة!

 

الأكثر مشاركة