أفلام ألعاب الفيديو.. اتجاه فرعي مهمل في سينما «الحركة والمغـــامرات»
أصبحت ألعاب الفيديو في هذا العصر عنصراً أساسياً من الثقافة السائدة في المجتمعات المتطورة، كما لم يحدث من قبل، وهذا يدل على أن هذه الصناعة تعيش عصراً ذهبياً، خصوصاً لو علمنا أن أرباحها الصافية تعادل، إن لم تتجاوز، ما تحققه هوليوود في السنوات الأخيرة.
- «أفلام (شر مقيم) الوحيدة التي حققت استحواذاً على السينما بسبب شعبية موضوع (الزومبي)». - «دونكان جونز (موون، سورس كود) خاطر باقتباس لعبة (ووركرافت)». «منظوران»ألعاب الفيديو لا تتبع في العادة نظاماً سردياً أو قصصياً (سبباً ونتيجة)، حتى «ذا لاست أوف أس» تبدو كأنها مستلهمة من أفلام مثل «بعد 28 يوماً»، أو «أنا أسطورة»، وهي لعبة اشتهرت بأنها تغمس اللاعب في القصة أكثر من الألعاب الأخرى، عندما توظف أسلوب «منظور الشخص الثالث» بديلاً لـ«منظور الشخص الأول»، والفرق أن في الأسلوب الأول (منظور الشخص الثالث) يرى اللاعب ظهر الشخصية التي يتحكم بها في اللعبة، ويتسع نطاق رؤيته ليشمل تحركات العدو، لو كانت من خلفه، بينما في الأسلوب الثاني (منظور الشخص الأول) لا يرى سوى سلاح الشخصية ظاهراً أمامه فقط، أي كأن الكاميرا معلقة على صدر الشخصية، فلا يرى اللاعب سوى ما هو أمامها. اليوم، اقتباسات الألعاب التي تستحق الاهتمام هي تلك التي تهتم بحقيقة أن نجاح أي لعبة يعتمد على قدرتها على غمس اللاعب في أجوائها، وحتى يأتي وقت تصبح فيه الأفلام المقتبسة من الألعاب تحاكي تلك الحقيقة، فإن أفلاماً مثل «شر مقيم» لن تكون أبداً أفلاماً عظيمة. |
تطورت التقنية، فأصبحت الألعاب تجربة انغماسية تحاكي السينما، والواقع الافتراضي في الطريق كي يكون منتجاً أساسياً في كل منزل، بينما المناظرة الكبيرة بين مؤيدي ومعارضي ألعاب الفيديو فيما لو كانت تلك الألعاب تعتبر فناً باتت اليوم شيئاً من الماضي. ألعاب الفيديو تصنف في هوليوود اتجاهاً فرعياً في سينما الحركة أو «الآكشن» والمغامرات، وهذا الاتجاه تحديداً هو الأكثر إثارة للسخرية، لكن السؤال هو: هل هناك ما يميز أفلاماً شاهدناها أخيراً، مثل Assassin’s Creed أو عقيدة القتلة المأجورين وResident Evil أو «شر مقيم».
كانت محاولة هوليوود الأولى للاقتباس من ألعاب الفيديو عام 1993 بفيلم «سوبر ماريو بروس»، المقتبس من لعبة «نينتيندو» الشهيرة بالاسم نفسه، من بطولة بوب هوسكنز في دور ماريو السباك. أخفق الفيلم بشدة، وأجهزت عليه الصحافة الفنية، وتبرأ منه كل من شارك فيه.
توالت محاولات هوليوود في الـ24 سنة الماضية لاقتباس ألعاب الفيديو على الشاشة الفضية 40 مرة على الأقل، واحدة منها فقط حققت نجاحاً منقطع النظير، وهو فيلم «لارا كروفت: سارقة القبور» في 2001 من بطولة أنجلينا جولي. حقق الفيلم 274 مليون دولار، منها 133 مليوناً داخل السوق الأميركية، من ميزانية 115 مليوناً، ما يعتبر ناجحاً بمعايير تلك الأيام بالنسبة لفيلم مقتبس من لعبة.
الاقتباسات الأخرى أصبحت حديث الناس، أو لاقت شعبية كبيرة في الأسواق الخارجية، حيث يكفي اسم الفيلم أو اللعبة كعلامة تجارية لبيع التذاكر. لكن أفلام ألعاب الفيديو تبقى اتجاهاً مهملاً في سينما الآكشن، ولاتزال تتعرض لسخرية الصحافة الفنية. رغم ذلك هناك بضع علامات انتعاش في هذا الصنف، ترجمت على شكل جهود لدمج المشاهد في الفيلم بالتركيز على عناصر معينة في اللعبة، وجعلها محور الفيلم الأساسي، بدل اللجوء إلى ما تفعله بقية أفلام الألعاب، وهو حشو الفيلم بلقطات إطلاق نار، وجثث متناثرة هنا وهناك، أو تركيب مجموعة لقطات صاخبة لا هدف منها سوى إيذاء العين والأذن.
بعد خمس سنوات عجاف في سينما ألعاب الفيديو (إلا لو أخذنا في الاعتبار فيلم «طيور غاضبة»، الموجه للأطفال والمقتبس من تطبيق هاتفي)، فإن هناك فيلمين في آخر شهرين كان بالإمكان أن يكونا فيلمين عظيمين، على الأقل ضمن الحدود الضيقة لسينما ألعاب الفيديو.
الأول، والأكثر إحباطاً، كان «أساسنز كريد»، الذي اقتبسه جستن كورزيل من تلك اللعبة الناجحة جداً، التي تضع مشاهد «الحركة» في سياق تاريخي. في اللعبة، تستخدم شخصية اللاعب أداة تسمى «أنيموس»، تسمح له بالعودة بذكرياته إلى الماضي، وتقمص شخصية أحد أجداده، الذي يكون عادة قاتلاً مأجوراً في حقبة زمنية، مثل الثورة الفرنسية، أو حقبة الحروب الصليبية. بكلمات أخرى هي تقنية مجنونة، تبتكرها الألعاب دائماً لتحوي قصة، أو شبه قصة.
كورزيل لم يكتف باستعارة «أنيموس» للفيلم، بل جعله المحور الرئيس للقصة التي تدور حول مجرم يدعى كالوم لينش (مايكل فاسبيندر)، سليل قاتل مأجور شهير، يتم ربطه بتلك الأداة ليعيش تجربة أفعال جده القاتل. في الفيلم، يرتبط كالوم عن طريق الحبل الشوكي (بطريقة أفلام ذا ميتريكس) بالجهاز الموصول برافعة، ويقفز من مكان إلى آخر داخل مستودع فارغ، محاكياً ذاكرة جده القاتل في القرن الـ15 في إسبانيا، بينما حوله مساعدون في مختبر بقيادة «ماريون كوتيارد» يسجلون ملاحظاتهم.
الحركة بأكملها ترمز إلى اللعبة، أي كأن كالوم يخوض تجربة لعبة أكثر منها تجربة علمية، حيث يعيش حياة مليئة بالحركة، ويقتل كما يشاء في تلك الفوضى الخيالية، دون أن تتبعه عواقب ذلك في الحياة الحقيقية. وبالطبع هو فأر تجارب، كالآخرين المحتجزين في غرف بجانبه، يبدأ بالشعور بمعاناة نفسية وعقلية مدمرة، بسبب إجباره على الإفراط في استخدام الجهاز.
من مشكلات الفيلم أن مشاهد الحركة (الآكشن) ظهرت قاتمة شكلاً، ومضجرة شعوراً، خصوصاً في ما يتعلق بالجزء المغامَرة من الفيلم. فكلما ذهب كالوم إلى الماضي تختل نبرة الفيلم بشدة، ويعجز عن الاستمرار في الاستحواذ على انتباه المشاهد. كورزيل مخرج أسترالي كان خلف فيلم «سنوتاون» 2011، قصة حقيقية كئيبة، وكذلك فيلم «ماكبيث» 2015 المقتبس من مسرحية لويليام شيكسبير، وأيضاً كما «أساسنز كريد»، فقد جمع في بطولته فاسبيدر وكوتيارد.
كورزيل من خلال أعماله السابقة كان من المفترض والأنسب له التركيز على أخلاقيات الشخصية الملتبسة بدل تعقيدات اللعبة اللامنطقية، والانتقال الجنوني بين أزمنتها. ما فعله كورزيل كان قلباً مشوهاً لمعادلة أفلام الألعاب التي تركز على «الآكشن» العنيف، وتنبذ فلسفة القصة، كورزيل عقد الفيلم، ونبذ أهم نقطة (أخلاقيات الشخصية)، وأخفق في صنع مشاهد الإثارة.
بين المخرجين الذين صنعوا أفلاماً مقتبسة من ألعاب فيديو، فإن كورزيل هو الوحيد الذي لا تعكس سيرته الذاتية أي أفلام من هذا النوع. هذه الأفلام عادة تعطى لمخرجين جاؤوا من سوق الإعلانات أو صناعة فيديوهات الأغاني. هناك سبب قوي للمخرجين الذين أثبتوا أنفسهم يجعلهم يتجنبون أفلام ألعاب الفيديو، فمثلاً، مايك نيويل (أربع زيجات وجنازة، دوني براسكو، هاري بوتر وكأس النار) رأى سمعته تتحطم أمامه عندما أخفق فيلمه «أمير فارس» عام 2010 الذي اقتبسته ديزني من لعبة كمبيوتر.
دونكان جونز (موون، سورس كود) خاطر باقتباس لعبة «ووركرافت» الشهيرة على الشاشة الفضية، وعوقب بتقارير سلبية جداً من الصحافة الفنية، رغم أن أعماله السابقة التي بنى سمعته عليها كانت مميزة. هذه الأفلام المذكورة عن الألعاب أخفقت كلها في شباك التذاكر، لكنها تمكنت من تحقيق أرباحها من الأسواق الخارجية، بسبب الشعبية العالمية لبعض الألعاب في دول أخرى.
«ووركرافت»، ملحمة مغامرة خيالية، كلفت 160 مليون دولار، جنت 47 مليوناً داخل الولايات المتحدة، لكن 220 مليوناً في الصين وحدها، حيث تحظى اللعبة هناك بشعبية ضخمة. ولو سألنا أنفسنا: لماذا صنعت ستة أفلام من لعبة «شر مقيم» خلال 15 عاماً، رغم عدم وجود أي اهتمام داخل الولايات المتحدة؟ فلأن مشاهد «الآكشن» المليئة بدراما «الزومبي» تحصد الأموال بشكل دائم وثابت في الأسواق الخارجية.
الفيلم الأخير من «شر مقيم» اقتبسه للسينما البريطاني بول دبليو إس أندرسون (ملك أفلام ألعاب الفيديو، أخرج فيلم مورتال كومبات عام 1995)، وبطلة الفيلم زوجته الأميركية من أصول أوكرانية ميلا يوفوفيتش (ممثلة مساء تقديرها بشدة نتيجة اختياراتها رغم تمتعها بحضور كاريزماتي على الشاشة). أفلام «شر مقيم» الوحيدة تقريباً ضمن أفلام الألعاب التي حققت نوعاً من الاستحواذ على السينما، بسبب شعبية ومتعة موضوع «الزومبي» بالنسبة للجماهير.
في الجزء الأول عام 2002 من بطولة يوفوفيتش وميشيل رودريغس، كان مغامرة تدور في مكان مغلق، وهو مختبر تحت الأرض يحوي مخلوقات «زومبي»، ونظام كمبيوتر شريراً، وأفخاخ موت عدة. كانت الشخصيات تتنقل من غرفة إلى أخرى، تواجه عوائق عدة، تزداد بصورة تصاعدية، كما يحدث في أفلام رعب التسعينات.
بمرور السنين، اتسع نطاق أفلام «شر مقيم» بخروج التهديد من المختبر إلى المدينة، لكن بقيت معتمدة بشكل كبير على حبكة مستعارة من الألعاب. «أبوكاليبس» 2004 جرت أحداثه في مدينة محتلة من قبل «الزومبي»، «انقراض» 2007 عن أليس (يوفوفيتش) تعبر صحراء بعد وقوع كارثة فيها على طريقة أفلام «ماد ماكس».
للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.
«ما بعد الحياة» 2010 أعادها إلى مختبر الجزء الأول، متسلحة هذه المرة بذكريات كانت بمثابة دليل اللاعب! وفي محاولة أندرسون الأكثر طموحاً «جزاء» 2012، أليس تستيقظ في حالة محاكاة تعيش خلالها لحظات ماضية، وشخصيات يعاد إحياؤها من أجزاء سابقة، كأنها تعيد لحظات من حياتها مراراً وتكراراً بالضبط، كما يفعل اللاعبون عندما يحفظون النقطة التي توقفوا عندها ويعاودون اللعب بفرص عدة.
بعض السينمائيين أصبح لديهم نوع من التقدير للفن الغريب الذي يقدمه أندرسون، رغم أن أفلام «شر مقيم» تعاني مؤثرات خاصة رديئة وممثلين مساعدين متخشبين، يؤدون أدوار شخصيات غالباً لا أهمية لها، ومشاهد دموية عنيفة. تلك المشاهد استحق أندرسون عليها لقب «صانع الأفلام البذيء في أسلوب عرضه»، كما هي الحال مع مخرجين آخرين، مثل جستن لين (سلسلة أفلام السريع والغاضب)، والثنائي مارك نيفلدين وبرايان تيلور أصحاب سلسلة أفلام «كرانك». كل هؤلاء يدينون بشكل غير مباشر في أساليبهم لعالم ألعاب الفيديو، لأن أفلامهم تتضمن مشاهد حركة منظمة شديدة الصخب، ممزوجة بحبكات معقدة غير منطقية، لا يقبلها ويفهمها سوى عشاق اللعبة فقط، لكن من هؤلاء المخرجين المذكورين أندرسون فقط اقتبس ألعاب فيديو بنفسه، وبشكل مباشر إلى الشاشة.
الكثير من الألعاب الناجحة جداً مثل «زيلدا» من نينتيندو، والتحفة «بايوشوك»، ولعبة الكمبيوتر الشخصي الأسطورية «نصف حياة» أو «بورتال» لم تقتبس إلى السينما، رغم الإشاعات التي أشارت إلى ذلك في السنوات الماضية. سيكون من الصعوبة بمكان إيجاد طريقة لاقتباس الألعاب، لأنها تعتمد بشكل مباشر على تجربة اللاعب في استكشاف عوالمها والتفاعل المباشر مع عناصرها، وتلك التجربة تختلف بشكل جذري عن تجربة مشاهدة فيلم، التي تفتقر لعنصر التفاعلية، ولا تعطي المشاهد أي دور أو سيطرة على القصة.