«لوغان» يخفق في القتال حتى الرمق الأخير
«لوغان» ليس أول فيلم أبطال خارقين ذي نبرة قاتمة، فقد وظف باتمان هذه النبرة في العقد الماضي، وحقق بها نجاحاً كبيراً، وحاول زاك شنايدر جرّ «سوبرمان» إلى تلك الأجواء ولم يحالفه النجاح.
بالنسبة لشخصية من عالم مارفل (حتى واحدة تمتلك حقوقها شركة أخرى مثل 20 سنشري فوكس)، فإن هذه النبرة تعد نوعاً من التجديد. كل أفلام الأبطال الخارقين تقريباً توظف تلك النبرة بدرجات متفاوتة؛ لكن هذا الفيلم تعمّق فيها بصورة لم تحدث إلا في ثلاثية «فارس الظلام» 2005-2012. بكلمات أخرى، فإن هذه منطقة جديدة بالنسبة لفيلم مارفل.
تلميحات سياسية «لوغان» فيلم كئيب جداً، ولا يخفي تلميحه أن أجواءه تحاكي المناخ السياسي في أميركا مطلع هذا العام. «لوغان» بتركيزه على مطاردة المتحولين، يقصد الإشارة إلى وضع المهاجرين المضطرب في عهد الرئيس دونالد ترامب. هجرة المتحولين إلى مكان يسمى عدن، خارج الحدود، يلمح إلى أن البلاد تحولت جحيماً، وكل ذلك يلامس هموم معارضي سياسة الرئيس. «لوغان» أول فيلم لا تحمل شخصيات «إكس من» فيه أي وزن حتى لو ماتت. |
في ثلاثية «فارس الظلام» اكتشف كريستوفر نولان الوصفة السحرية لصناعة فيلم أبطال خارقين متميز، تلك الوصفة عبارة عن مزج نبرة قاتمة وأجواء كئيبة ومحتوى أو صراع عاطفي. شنايدر على الجهة الأخرى لم يفهم تلك الوصفة وصرف كل اهتمامه إلى الشكليات، ولم يُعِرْ القصة أي اهتمام، وكلنا نتذكر أتعس وأغبى فيلم في مجموعته «باتمان ضد سوبرمان».
جيمس مانغولد، مخرج فيلم «لوغان» وشارك في كتابته، وهو كذلك مخرج الفيلم السابق في هذه السلسلة المتفرعة من سلسلة «إكس من» بعنوان «ذا وولفرين»، عاد إلى ما يمكن أن نسميه أساسيات نولان.
إنه عام 2029، فئة المتحولين انقرضت نتيجة إطلاق فايروس من مختبرات مؤسسة علمية للقضاء عليهم، ولم يولد منهم أحد منذ 25 عاماً، والباقون منهم مطاردون، باستثناء البروفيسور تشارلز زافيير (باتريك ستيوارت)، لوغان الشهير بلقب وولفرين (هيو جاكمان) والمتتبع الأصلع كاليبان (ستيفن مرشنت).
رغم أن «لوغان» هو عملياً الجزء الأخير في هذه السلسلة الفرعية، المسماة بثلاثية وولفرين 2009-2017، وهو التاسع عن شخصيات «إكس من»، إلا أنه يعتبر فيلماً قائماً بحد ذاته، أي لا يعد جزءاً تكميلياً لما قبله، وحتى قصته غير مهتمة بإكمال شيء بقدر تركيزها على الحب والشعور بالذنب والمسؤولية والافتداء.
أشرار نمطيون
أشرار الفيلم شخصيات نمطية ظهرت في أفلام سابقة من هذا الصنف، فهناك عالِم مجنون (ريتشارد غرانت)، ومعاونه (بويد هولبروك من مسلسل ناركوس) وشخص ثالث يتمتع بقوى لوغان نفسها. في الفيلم نرى لوغان يعتني بالعجوز البروفيسور زافيير الذي تصيبه نوبات صرع تزلزل المدينة بأكملها، وربما البلد، وذلك لارتباط تلك النوبات بقوة زافيير الكامنة في عقله.
زافيير ليس ذلك البروفيسور المعهود في الأفلام السابقة، هنا هو ضعيف وبحاجة إلى عناية مستمرة، ومحتجز في غرفة معزولة حتى لا يؤذي أحداً بتلك النوبات. لوغان يبدو مرتاحاً في وظيفته كسائق ليموزين لا يريد الاختلاط بالبشر.
في تلك الأثناء تدخل لورا (دافن كيين) في حياته، لورا طفلة مهندَسة جينياً باستخدام بصمة لوغان الوراثية، ما يعني أنها ابنته، وهي أيضاً مطارَدة من قبل السلطات، وعندما يحاول لوغان حمايتها، بعد تردد، يتحول الفيلم إلى مطاردة واحدة هي كل أحداثه التي تنتهي بمواجهة نهائية.
«لوغان» ليس مثل أي فيلم أبطال خارقين شاهدناه سابقاً، ومن غير المتوقع أن تحذو أفلام هذا النوع حذوه، على الأقل ليس في الوقت القريب.
كل سمات الغرب
سيكون من المثير للاهتمام معرفة ردة فعل عشاق أفلام هذه الشخصية وأفلام «إكس من» عموماً عند مشاهدتهم هذا الفيلم، خصوصاً أنه لا يركز على الإبهار البصري والمؤثرات الخاصة والصخب أبداً. لو صح التعبير في وصف الفيلم، فسنقول إن «لوغان» فيلم أبطال خارقين في شكل ويسترن، إذ حمل كل سمات أفلام الغرب الأميركي التي ظهرت كالتالي:
أولاً، أبطال الفيلم مطاردون من قبل السلطات لأنهم يعتبرون خارجين على القانون.
ثانياً، وجود أحصنة في الفيلم.
ثالثاً، هناك عائلة متواضعة وملتزمة دينياً تحارب عصابة من اللصوص تحاول الاعتداء على منزلها.
رابعاً، يظهر لوغان في معظم الفيلم بلحية كثيفة وتسريحة شعر قديمة تجعله يشبه كلينت إيستوود (ينبغي ملاحظة أن إيستوود ظهر في أفلام ويسترن تقع أحداثها في القرن الـ19، بينما عكست تسريحة شعره زمن تصوير الفيلم).
خامساً، احتواء الفيلم على الكثير من لقطات صُورت في العراء تظهر فيها صخور وجبال، والحوار يحمل إشارات لأفلام ويسترن كلاسيكية مثل فيلم «شين»، الذي نرى أبطال الفيلم يشاهدونه في غرفة فندقية، وأيضاً فيلم «غير المغتفر».
سادساً، وربما هذه النقطة الأهم، وهي أن «لوغان» لا يتردد في إظهار لقطات عنيفة جداً ارتبطت بأفلام الويسترن، لقطات عن بَقْر بطون وقطع رؤوس تم تصويرها عن قرب. أفلام الويسترن ليست غريبة على مانغولد، فهو كان خلف فيلم «3:10 إلى يوما» 2007. وأيضاً كان خلف فيلم «كوب لاند» 1997 وهو يحمل سمات ويسترن كذلك.
تفاصيل ليست جديدة
رغم أن قالب فيلم «لوغان» يعد جديداً كلياً، إلا أن التفاصيل ليست كذلك، والسبب أن المشاهد (أو المتمرس على الأقل) سيتذكر حتماً أفلاماً سابقة قلدها هذا الفيلم، وهو ما يؤثر سلباً في عامل أصالة النص.
فمثلاً، مشهد رجلين يحميان طفلة معهما في السيارة خلال مطاردة، شاهدناه من قبل في فيلم «ميدنايت سبيشال» لجيف نيكولز العام الماضي (المشهدان يختلفان في أنه كان صبياً في ذلك الفيلم، ويتشابهان في أن الطفلين يرتديان نظارة شمسية، وأيضاً يلتقيان في مشهد اختبائهما في غرفة فندقية).
مشهد اقتحام محطة البترول يذكّر بفيلم «نو كانتري فور أولد مين» وهو ويسترن حاز أوسكار أفضل فيلم لعام 2007.
مشهد احتجاز الأطفال المتحولين في منشأة شاهدناه في The Girl with All the Gifts أو «فتاة بكل الهِبات».
مشهد قتال لوغان مع شخصية تتمتع بقوته نفسها مستعار من فيلم Terminator أو «المبيد».
من الإنصاف القول إن مانغولد أعاد تجديد صنف الأبطال الخارقين، أو وضعه في حلة جديدة رغم استعارته التفاصيل من أفلام أخرى، لكن مانغولد لم يوفق في مشهد الذروة أو المواجهة النهائية، لأن مانغولد شاء أم أبى فإن عشاق لوغان جاؤوا لمشاهدته يقاتل بتلك المخالب الحديدية التي تخرج من بين أصابعه.
لذة المواجهة النهائية الكلاسيكية في أي فيلم تكون في المشهد الذي يهزم فيه البطل الشخصية الشريرة حتى لو مات بعدها، وليس كما يحدث في لوغان، من دون ذكر تفاصيل المواجهة. نقول إن البطل في الأفلام الهندية القديمة (التي نسخر منها اليوم) لا يتمتع بقوى خارقة إلا أنه يحارب بضراوة، ويقتل الشخصية الشريرة ويرضي جماهيره، لكن لوغان الذي يتمتع بقوى خارقة يعجز عن القتال حتى الرمق الأخير، ربما تكون الطريقة المثلى التي تختتم بها سلسلة، لكنها حتماً لا تتناسب مع إرث شخصية وولفرين التي يودعها هيو جاكمان بعد تقمص دام 17 عاماً.