لا يكرر عناصر النسخ السابقة

«كونغ: جزيرة الجمجمة».. الوحش يعود في أشرس صورة

أصبحت عملية تحديث الأفلام تتطلب الكثير من الجرأة، خصوصاً لو كان الفيلم كلاسيكياً، وله عشاق يرفضون عملية التحديث، لأنهم لا يريدون من العمل الجديد أن يمس العناصر التي أعجبتهم في النسخ السابقة؛ وهذه ردة فعل طبيعية، بل وغريزة إنسانية، وهي مقاومة التغيير.

- «كينغ كونغ» كان بحاجة ماسة إلى عملية تجديد، وهذا ما فعله هذا الفيلم

- كل نسخة من كينغ كونغ واكبت إما ظروف عصرها أو ظروف صناعتها

- الفيلم جيد جداً، وهنا المفاجأة، خصوصاً أن أحداثه متوقعة ويستحق المشاهدة

فيلم مثل «كينغ كونغ» كان بحاجة ماسة إلى عملية تجديد، وهذا ما فعله هذا الفيلم Kong: Skull Island أو «كونغ: جزيرة الجمجمة»، عندما غيَّر القصة تماماً، ونقل الأحداث زمنياً من الثلاثينات إلى سبعينات القرن الماضي في عام 1973، عندما بدأت الولايات المتحدة الأميركية مفاوضات إنهاء حرب فيتنام، والانسحاب من تلك البلاد.

مقدم سابق في الجيش البريطاني، يدعى جيمس كونراد (توم هيديلستون)، يتم تجنيده من قِبَل عميل الحكومة الأميركية بيل راندا (جون غودمان)، لمساعدته في رحلة علمية لاستكشاف جزيرة غير موجودة على الخريطة، تم رصدها بالأقمار الاصطناعية (تقنية جديدة آنذاك).

والجزيرة تقع في المحيط الهادي، وتسمى جزيرة الجمجمة، يقرر راندا تشكيل فريق من جنود يقودهم الكولونيل بريستون باكارد (ساميول إل جاكسون) لحماية البعثة العلمية، وأيضاً يصطحب المصورة وناشطة السلام ميسون ويفر (بري لارسون)، التي تعتقد أن البعثة العلمية مجرد غطاء لعملية عسكرية خبيثة، وتنوي فضحها.

بمجرد الوصول إلى الجزيرة، يبدأ الفريق بإلقاء متفجرات خاصة لكشف عمق تجويف الأرض، قبل أن يظهر غوريلا ضخم جداً مرعب بطول 300 قدم، يسمى كونغ ويبدأ بإسقاط مروحيات الجيش في مشهد رائع ومنفذ بحرفية عالية. وينقسم الفريق إلى مجموعات صغيرة، بعضها يتعرض لهجوم من مخلوقات شرسة وغريبة على الجزيرة، بينما تحاول مجموعات أخرى النجاة بالانتقال إلى شمال الجزيرة خلال ثلاثة أيام للخروج منها، وأثناء وجودهم هناك يتعرفون إلى هانك مارلو (جون سي رايلي)، وهو جندي أميركي هبط بمظلته على الجزيرة في نهاية الحرب العالمية الثانية، وبقي عالقاً عليها 28 عاماً.

في النسخة الأصلية من الفيلم عام 1933، كانت القصة عن صانع أفلام يعاني فترة الكساد الاقتصادي، يبحث عن امرأة (فاي راي)، لتمثيل دور في فيلم يصوره على جزيرة غير مكتشفة. يتعارك الفريق ضد كونغ الذي يقع في حب الممثلة ويأسره ويأخذونه إلى نيويورك لعرضه أمام الناس، في إطار قصة بطولية، وهناك يتخلص كونغ من القيود الحديدية ويثير الفوضى في المدينة. الموضوع الرئيس في الفيلم كان علاقة الجميلة والوحش، ورغم أن الفيلم قد يبدو بدائياً لمن يشاهده اليوم، فإنه لايزال يحتفظ بعامل الرعب فيه، ويستحق الاحترام على تلك المؤثرات الخاصة التي تظهر جيدة جداً إلى اليوم. يذكر أن الفيلم تعرض لرقابة شديدة آنذاك، وحذفت منه مشاهد بسبب عدم تحمل الجمهور لها وخروجهم من الصالات بسببها.

وأعيد الفيلم عام 1976 مع جيف بريجز في البطولة وجيسيكا لانغ، في هذه النسخة تمت إضافة الكثير من التحديثات، منها موضوع البيئة حيث كانت القصة عن شركة تنقب عن النفط في تلك الجزيرة. طبعاً كونغ يمر بالسيناريو نفسه ويحطم نيويورك، لكن بدل تسلق مبنى إمباير ستيت يتسلق برجي مركز التجارة العالمي اللذين سقطا في هجمات سبتمبر الإرهابية. علاقة كونغ بالبطلة أيضاً كانت على شكل قصة الجميلة والوحش.

المخرج النيوزيلندي بيتر جاكسون أعاد صنع الفيلم عام 2005، مع تحديث المؤثرات الخاصة فقط، وبقي مخلصاً للقصة الأصلية، جاكسون حول الفيلم إلى ملحمة بإضافة 90 دقيقة إلى وقته الأصلي، ومده إلى ثلاث ساعات لم تكن كلها مستحقة، وأضاف كل المشاهد التي لم تسمح بها الرقابة عام 1933، وهي مشاهد هجوم العناكب، وأبقى جاكسون بالطبع على هراء معادلة الجميلة والوحش نفسه، وكانت البطلة ناومي واتس.

كل نسخة من كينغ كونغ واكبت إما ظروف عصرها أو ظروف صناعتها، الأول تأثرت قصته بفترة الكساد العظيم في أميركا، والثاني أبرز موضوع البيئة الذي كان حديث الساعة آنذاك، أما الثالث فقد واكب ثورة المؤثرات الخاصة التي سادت بداية القرن 21، وشاهدناها في أفلام «سيد الخواتم» للمخرج نفسه الذي تفنن في توظيفها وبسببها طالت مدة الفيلم. لكن هذا الفيلم من إخراج جوردان فوت روبرتس لا يعد إعادة لأي من أفلام كونغ السابقة، ولا جزءاً تالياً، ولا حتى إعادة إطلاق، بل هو جزء أول من سلسلة تنوي شركة «وورنر بروس» إطلاقها، مواكبة للتيارات السائدة في هوليوود اليوم، وهي صناعة سلاسل أفلام حيث ينظر إلى أي فيلم كعلامة تجارية أكثر من كونه عملاً فنياً. بكلمات أخرى، فإن هذا الفيلم كالنسخة السابقة يواكب ظروف صناعته.

الفيلم لا يكرر أياً من عناصر النسخ السابقة، باستثناء الغوريلا العملاق كونغ والعنكبوت الضخم، أما بقية الشخصيات والقصة فكلها جديدة. وبعكس الأفلام السابقة فإن كونغ هنا يظهر من المقدمة وليس بعد الساعة الأولى. وتأثير أفلام السبعينات طاغٍ بشدة على أجواء الفيلم، وذلك واضح من الملصق وأغاني الفيلم والحوارات، خصوصاً فيلم «أبوكاليبس ناو».

والشخصيات لا بأس بها لكنها ليست عميقة لنهتم بها، وشخصية غودمان مهووسة بنظريات المؤامرة، وتشبه كثيراً شخصيته في فيلم «10 كلوفر فيلد لين»، العام الماضي، لكن لا تفعل الكثير هنا.

وشخصيتا ويفر وسان (تيان جينغ) لا دور لهما تقريباً سوى مرافقة المجموعة، وشخصية جاكسون تفتح جدلاً مثيراً للاهتمام في الفيلم، لكن كونغ يقتحم المشهد وينتهي الجدل عند تلك النقطة. أما شخصية رايلي فهي الوحيدة المثيرة للاهتمام لكنها غير مستغلة. من جهة أخرى، فإن الفيلم يتجه أكثر لإبراز هيديلستون ولارسون كثنائي، لكنهما يفتقدان الكاريزما والعلاقة التفاعلية بينهما، أو لو صح التعبير الكيمياء مفقودة.

نصل إلى الغوريلا كونغ، هذا الأخير هو بطل الفيلم، هنا تم تضخيمه ليصل إلى 300 قدم (كان 30 قدماً في النسخ السابقة، وظهر بأحجام مختلفة في نسخة 1933، بسبب أخطاء في التصميم)، وذلك تحضيراً للقتال ضد ملك الوحوش «غودزيلا» في الجزء المقبل «كونغ ضد غودزيلا» عام 2020. وبالطبع حتى الفيلم المقبل سيكون إعادة لفيلم ياباني بالعنوان نفسه صدر عام 1962. هناك مشهد مخبأ بعد تتر النهاية، لمن يريد أخذ فكرة عن الجزء التالي.

الفيلم جيد جداً، وهنا المفاجأة، خصوصاً أن أحداثه متوقعة ويستحق المشاهدة والمؤثرات الخاصة جميلة ومتقنة. بقيت ملاحظة صغيرة لصناع الفيلم هي ترك جزئية الجزيرة غير المكتشفة التي اهترأت بعد 85 عاماً، لأن كونغ بحاجة ماسة إلى تغيير عنوانه، الذي اكتشف أربع مرات حتى الآن، وأصبحت جزيرة الجمجمة مكتشفة ومعروفة، نرجو نقل كونغ إلى جزيرة معروفة لقتال غودزيلا، ولا مانع من نقل القصة إلى الزمن الحالي، لأننا نريد تحديثاً كلياً وجديداً، مادامت المؤثرات الخاصة تخدم القصة بشكل مبهر.

تويتر