الشخصيات تفتقد تعابير الوجه
«الجميلة والوحش».. تعويذة الساحرة تُنطق الأثاث وتُميت الفيلم
من أكثر المشكلات التي تواجه مُشاهد الفيلم السينمائي هي درجة الاندماج أو الانغماس فيه، وهي مشكلة تتولد نتيجة غياب عاملين مترابطين: الأول الواقعية، وهي صفة العمل الفني، والثاني الاقتناع، وهو يتطلب تقبل المُشاهد للعمل.
نجاح متوقع بسبب شعبية القصة فيلم «الجميلة والوحش» سيحقق نجاحاً مالياً رغم مشكلاته؛ بسبب شعبية القصة، هذا الفيلم ليس أفضل ما قدمته «ديزني»، وعلى هذه الأخيرة إعادة النظر في النقطة التي ذكرناها، وهي تجنّب تقديم شخصيات هي أصلاً جماد، لأنها بلا روح، وإنطاقها في عمل سينمائي، لأن النتيجة هي مشاهد ميتة رغم أنها حية! 1991 العام الذي شهد آخر فيلم لقصة الجميلة والوحش، وكان بصيغة أنيميشن أو رسوم متحركة. |
الواقعية عنصر ضروري في أي عمل سينمائي مهما كان غارقاً في الخيال، أحد أسباب نجاح «سيد الخواتم» كان بسبب ارتباطنا واهتمامنا بالشخصيات؛ وأبرزها القزم «غولوم»، وهو شخصية مصنوعة بالكمبيوتر، لكن لشدة إتقان صناعته فقد ارتبطنا به عاطفياً؛ وبالتالي صدقناه كأنه واقع، الأمر نفسه ينطبق على أفلام «حرب النجوم» وكل الأعمال الخيالية.
«ديزني» تعيش اللحظة وتحقق أحلام عشاقها بإعادة أعمالها الكلاسيكية بصيغة Live-action أو الحركة الحية، التي بفضلها أصبح ممكناً تجسيد الشخصيات الخيالية من خلال ممثلين حقيقيين تُغطى وجوههم بوضع وجوه الشخصيات عليها كأقنعة بوساطة الكمبيوتر.
التجربة الأولى كانت فيلم «أليس في بلاد العجائب» عام 2010، الذي حقق نجاحاً باهراً متجاوزاً المليار دولار، الثانية جاءت بعد أربعة أعوام بفيلم Maleficent الناجح أيضاً، ثم التجربة الثالثة بفيلم «سندريلا» الرائع في 2015، متبوعاً بـ«كتاب الأدغال»، العام الماضي، الذي أكمل نجاحات «ديزني» الماضية، وهذا العام يأتي فيلم Beauty and the Beast أو «الجميلة والوحش»، أما العام المقبل فسنشاهد فيلم «مولان».
عن الحكاية
تبدأ القصة الكلاسيكية من فرنسا، إذ تدخل ساحرة قلعة أمير (دان ستيفنز من مسلسل داون تاون آبي وفيلم الضيف)، وتعطيه وردة مقابل إيوائها في القلعة للاحتماء من البرد القارس، لكنه يرفض. تقرر الساحرة معاقبته على غروره وتحوله بالسحر إلى وحش قبيح، وتلقي تعويذة سحر على قلعته تحول كل العاملين فيها إلى قطع أثاث ومستلزمات منزلية.
تعطي الساحرة الأمير مرآة سحرية يرى الأحداث المستقبلية من خلالها، وزهرة، لإبطال مفعول السحر على الأمير أن يتعلم كيف يحب الآخر، وأن يبادله الطرف الآخر الحب قبل أن تذبل الزهرة. في حالة الفشل فإنه سيبقى وحشاً إلى الأبد.
بعد أعوام عدة، وفي إحدى القرى، نرى فتاة تدعى بيل (إيما واتسون) تشعر بالضجر من حياتها في القرية، وتبحث عن مغامرة أو تغيير يكسر روتين حياتها، على الجهة الأخرى هناك صياد وجندي سابق يسمى غاتسون (لوك إيفانز) يحاول لفت انتباهها ليتزوجها إلا أنها ترفضه مرات عدة. بيل تعيش مع والدها موريس (كيفن كلاين) الذي يبالغ في حمايتها بسبب فقدانه زوجته عندما كانت بيل طفلة. يخرج موريس في رحلة عمل ويدخل مصادفة إلى قلعة غامضة مهجورة ويجلس لتناول العشاء على طاولة أمامه، وعندما يلاحظ أن كوب الشاي يتحدث يصاب بالذعر، ويهرب من القلعة ويقطف زهرة من الحديقة فيثير انتباه الوحش الذي يحتجزه في زنزانة.
تكتشف بيل اختفاء والدها عندما يعود الحصان وحده إلى القرية، تركب بيل الحصان فيأخذها إلى القلعة حيث تجد والدها محتجزاً، تطلب بيل من الوحش الإفراج عنه مقابل احتجازها هي مكانه. تتطور العلاقة بين بيل والوحش حتى يقعا في الحب.
جماد بلا روح
آخر فيلم لقصة الجميلة والوحش كان بصيغة أنيميشن أو رسوم متحركة عام 1991 (ترشح لأوسكار أفضل فيلم ذلك العام)، أي قبل التحول الذي نقل أفلام الرسوم المتحركة من مرحلة الرسم باليد إلى الرسم بالكمبيوتر، في مستهل القرن الـ21، لكن السؤال هو هل يمكن إعادة تقديم كل عمل في صيغة الحركة الحية؟ الجواب نعم، يمكن ذلك، لكن ليس كل عمل سيظهر مقنعاً.
المشكلة في «الجميلة والوحش»، من إخراج بيل كوندون، ربما تظهر هنا كحالة منعزلة وهي تتعلق بالشخصيات، إذ إنها كلها - باستثناء البطل والبطلة ووالدها وبعض القرويين - عبارة عن قطع أثاث ومستلزمات منزلية ناطقة، أي جماد بلا روح، وهذا لم يحدث في أفلام «ديزني» المماثلة المذكورة آنفاً.
لدينا كوب شاي يتحدث مع والدته، وهي أيضاً كوب! لدينا مقعد صغير كان في الأصل كلباً، ولدينا منضدة وشمعدان وساعة وتمثال كلها ناطقة. مشكلة هذه الشخصيات أننا لا نستطيع الارتباط بها، أو حتى الاهتمام بها لأنها لا تمتلك مشاعر نقرأها من خلال تعابير وجوهها. بكلمات أخرى هي غير واقعية، حتى بمنطق الفيلم، وبالتالي غير مقنعة لنا.
هناك مشهد للبطلة واتسون تستمع إلى حديث وغناء تلك الشخصيات التي تعد لها طعاماً وتقدم استعراضاً راقصاً أمامها على طاولة الطعام، بقدر ما كانت المؤثرات الخاصة جميلة ومتقنة إلا أن النتيجة هي مشهد ميت! لسببين: واتسون صامتة وتبتسم فقط، وتلك الشخصيات تثرثر وتغني ولا فرق لو كنا نشاهدها أو نكتفي بالاستماع إليها لافتقادها ميزة التعبير بالوجه.
المفارقة الطريفة والغريبة أن هذه العقبة تظهر هنا فقط في ظل استخدام هذه التقنية المتطورة، لكن التقنية القديمة تغلبت عليها، وبإمكانكم مشاهدة مقاطع من نسخة الرسوم المتحركة؛ أي الفيلم السابق عام 1991 على الـ«يوتيوب»، للتأكد من الفرق. هناك مشهد لكوب الشاي الطفل يتحدث مع والدته، وهي الكوب الآخر، فتقول له: عندما تكبر ستتمكن من فعل كذا.. مشكلة هذا المشهد أن الأم مصنوعة بطريقة تبين أنها شقيقته الكبرى، وما نراه هو عينان جميلتان لفتاة حسناء، وليس أماً تظهر على تقاسيم وجهها علامات التقدم في السن.
مشكلة أخرى تتعلق بشخصيات أكواب الشاي، أن ما يتحرك هو العينان فقط، وليس وجهاً كاملاً، وهذا عيب تصميمي في شكل الشخصية، إذ لا يبدو أن صانعها قد بذل أي جهد لإقناع المشاهد بجودة العمل. المشكلة نفسها تنطبق على جميع قطع الأثاث الناطقة، وأسوأها كانت المنضدة والساعة، وبدرجة أقل التمثال الذي له هيئة إنسان، لكن أيضاً لا تعابير وجهية.
مشكلة العينين الزرقاوين
نأتي إلى الوحش، مشكلة هذا المخلوق، بعكس بقية الشخصيات، ليست في طريقة صناعته بقدر ما هي في نسيان أو إهمال تغيير معالم الإنسان منه، فما هذا الوحش الذي يتمتع بعينين زرقاوين تشع براءة وجمالاً؟! إنها بالتأكيد عينا الوسيم دان ستيفنز، وليستا عيني وحش من المفترض أن يبدو قبيحاً! ثم بمجرد أن وقع الاثنان في الحب، وتم إبطال السحر تحول الوحش إلى الأمير الوسيم، لكن هنا مشكلة أيضاً، وجه الأمير الوسيم ممل جداً مقارنة بوجه الوحش، ذي العينين الزرقاوين، الذي كسب تعاطفنا أكثر من قطع الأثاث الميتة الحية!
أغاني الفيلم القديمة المجددة عادية جداً، والجديدة ضعيفة، شخصية جوش غاد سخيفة وليس لها أي داعٍ.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news