سكوت مكنيري يتفوق في الأداء

آرنولد شوارتزينيغر ينجز نصف المهمة في «آفترماث»

صورة

هناك حقيقة في السينما، هي أن الممثل الذي يشتهر من خلال عضلاته يخفق في أداء أي دور درامي، والعكس ليس بالضرورة صحيحاً، أي إن الممثل الذي يشتهر في الدراما ينجح غالباً في أدوار الحركة التي تتطلب عضلات مفتولة.

الدراما عصية على «المبيد»

شوارتزينيغر حاول، وقد يستمر في المحاولة في الاتجاه نفسه، لكن سيظل محدود القدرات التمثيلية، قد نراه جيداً ومقنعاً إلى درجة ما لكن حتماً لن يكون رائعاً (ولم يكن كذلك في أفلام الحركة من الثمانينات إلى 2015)، لأنه شاء أم أبى فإن الدراما هي ما لا يحسن صنعه.


2002 : وقعت مأساة أوبرلينغين، عندما اصطدمت طائرة ركاب بأخرى للشحن في المجال الجوي لمدينة أوبرلينغين الألمانية؛ ما أسفر عن مقتل 71 شخصاً، معظمهم أطفال.

قد تكون هناك استثناءات في الحالتين؛ لكن نتحدث عن تلك الحقيقة كسمة غالبة. آرنولد شوارتزينيغر، أو آرني، أو المبيد، لم ينجح في أدوار الحركة التي اعتاد وعوّدنا عليها في حقبة ما بعد السياسة (حاكم كاليفورنيا من 2003-2011). في 2015 قرر خوض الدراما في فيلم «ماغي» عن أب يعيش صراعاً نفسياً بعد إصابة ابنته بفايروس يحولها إلى زومبي، لكن الفيلم أخفق رغم محاولات شوارتزينيغر الجادة لإعطاء أداء جيد.

اليوم يعود شوارتزينيغر من جديد بدور شبيه في فيلم Aftermath أو «ما بعد الحادثة» عن أب يفقد أسرته في كارثة اصطدام طائرتين، وهو المقتبس عن قصة حقيقية عرفت باسم «كارثة أوبرلينغين»، عندما اصطدمت طائرة ركاب روسية بطائرة شحن في المجال الجوي لمدينة أوبرلينغين الألمانية عام 2002؛ ما أسفر عن مقتل 71 شخصاً، معظمهم أطفال. بعد عامين من الحادثة قتل موظف برج المراقبة طعناً حتى الموت من قبل والد إحدى ضحايا الطائرة.

من ألمانيا إلى أميركا

الفيلم يضع القصة في عام الحادثة نفسه، لكن ينقلها من ألمانيا إلى كولومبوس بولاية أوهايو الأميركية، إذ نرى رومان (شوارتزينيغر) عامل بناء ينتظر وصول عائلته المؤلفة من زوجته وابنته الحامل. يذهب رومان إلى المطار، ويسأل عن موعد وصول الرحلة، فتأخذه موظفة المطار إلى غرفة مجاورة لتبلغه بالخبر المفجع.

على الجهة الأخرى، نرى موظف برج المراقبة جيك (سكوت مكنيري) يودّع زوجته كريستينا (ماغي غريس في دور جديد لا يتم اختطافها فيه!) وابنه، قبل الذهاب إلى عمله. جيك وحده في برج المراقبة عندما يتركه زميله لأخذ استراحة في غرفة مجاورة، ويدخل عليه موظفو الصيانة لإصلاح نظام الاتصال المعطل فيتعرض للتشويش وتقع الكارثة. الفيلم لا يركز على تفاصيل التحقيق أبداً، وإنما يفضّل التركيز على آثار الكارثة على الشخصيتين رومان وجيك. تتم تبرئة جيك، ويقدم استقالته، وينتقل للعمل في وكالة سفريات لعدم قدرته على الاستمرار في برج المراقبة بسبب الشعور بالذنب.

رومان غاضب من شركة الطيران، ولا يبدو مهتماً بالتعويض المادي بقدر اهتمامه بالحصول على اعتذار من الشركة التي تحاول الحفاظ على سمعتها بعد الكارثة بالاستعانة بمحامين والتوصل إلى تسويات مادية مع عائلات الضحايا، بينما جيك يصاب بالاكتئاب الشديد، ويتفق مع زوجته على انفصال مؤقت عن عائلته، والانتقال للعيش في مدينة أخرى.

التركيز على شخصيتين

الفيلم من كتابة خافيير غولون (كتب فيلم «عدو» عام 2013، وهو أحد أغرب الأفلام في هذا العقد). الفيلم جيد لكن كان بالإمكان أن يكون أفضل. هناك نقاط تثير الاهتمام في هذا الفيلم، أولاً ملصق الفيلم يستخدم صورة شوارتزينيغر فقط، وذلك مفهوم، إذ إن المبيد العجوز ليس بحاجة إلى تسويق، لكن عند مشاهدة الفيلم نلاحظ أن التركيز على شخصيتين: رومان وجيك، الأول حزين وغاضب، والثاني حزين ومصدوم ويشعر بالذنب الشديد رغم التبرئة.

ثانياً، ما كان يفترض أن يكون فيلم شوارتزينيغر أصبح فيلم مكنيري، وهذا خلل وليس توازناً، والسبب أن مكنيري ممثل جيد جداً رغم عدم حصوله على بطولات مطلقة، بينما المبيد محدود القدرات التمثيلية في الدراما، ويمكن القول إن هذه أرض جديدة بالنسبة له. منذ بداية الفيلم يتفوق مكنيري أداءً على شوارتزينيغر، بل يطمسه تماماً، خصوصاً أن مكنيري يؤدي دوراً به نوع من التعقيد (حزين، غير مصدق، مصدوم، يشعر بالذنب) بينما شوارتزينيغر رجل غاضب فقط. وهنا نعود إلى فقرة الافتتاح حين ذكرنا أن ممثل العضلات يعاني في أدوار الدراما، وهو بالضبط ما يحدث لشوارتزينيغر الذي حاول المخرج الإنجليزي، إليوت ليستر، مساعدته، ولم يوفق كثيراً.

لا نقول إن أداء شوارتزينيغر كان ضعيفاً، بل كان جيداً إلى حد ما، وعلينا وضع حقيقة أن الرجل كالذي يحاول خوض تحديات جديدة، وهذا شيء يستحق الاحترام. الحل لإصلاح هذا الخلل هو الغوص أكثر في حياة الشخصيتين، فنحن لا نعلم أي شيء عن رومان وعائلته، ولا يوجد مشهد استرجاعي واحد (فلاش باك) واضح بتفاصيله عن حياة رومان وعائلته. الأمر نفسه ينطبق على جيك، فلا نعلم شيئاً واحداً عنه وعن عائلته قبل وقوع الكارثة. كل ما نراهما يفعلانه هو أداء مهامهما الوظيفية أو الجلوس حزينين. ولو ضربنا مثالاً جيداً لما يجب أن يكون عليه الفيلم فسنذكر فيلم «مانشستر على البحر»، الذي عرّفنا على كل شيء عن شخصياته قبل الفاجعة وبعدها.

مكنيري يحتفظ بالأفضلية

«آفتر ماث» قد يكون فيلماً أفضل لو أخرجه خبير أفلام الشخصيات التي تعاني فاجعة فقدان عزيز وصاحب ثلاثية الموت المكسيكي، أليخاندرو غونزاليس إيناريتو. شوارتزينيغر جيد، بينما مكنيري ممتاز، وكما تصطدم الطائرتان في الجو وتقع الكارثة، فإن الفيلم يتجه ببطء نحو صدام محتوم بين الشخصيتين ليحاكي أحداث القصة الحقيقية، لكن الخلل يستمر إلى النهاية وهو أن مكنيري يحتفظ بالأفضلية.

شوارتزينيغر يؤدي دوراً يتطلب الكثير من الصدقية، وهو يعلم أنه يفتقدها لأسباب كثيرة؛ منها ماضيه الحافل بأفلام الحركة الدموية، والحوارات المختصرة بشدة في شكل جمل منفردة، ولن نذكر لهجته الثقيلة لأنه تغلب على هذا العائق بجعل رومان مهاجراً أوروبياً (إسقاط على نفسه). ولا ننسى أن مادة الفيلم ثقيلة درامياً على المبيد الذي لا يستطيع توظيف عضلاته هذه المرة، وإنما أداءه، وهنا كما حدث في «ماغي» فإن الرجل أنجز نصف المهمة لنقص خبرته.

تويتر