«شبح في الصدفة» يفجر جدل تبييض الأدوار في «هوليوود»
بمجرد أن انتهت هوليوود من تهنئة نفسها على فوز فيلم «مونلايت» بجائزة أوسكار أفضل فيلم، أخيراً، والدفاع عن نفسها ضد أي اتهام بالتقصير في تمثيل الأقليات، الذي أثاره الأميركيون من أصول إفريقية، لعدم فوز ممثليهم وأفلامهم بأي جوائز رفيعة في آخر عامين، فإن الجدل يتجدد مرة أخرى بعرض فيلم Ghost in the Shell أو «شبح في الصدفة»، الذي يعيد التساؤل الماضي نفسه مع تغيير كلمة واحدة، السؤال في الماضي كان: هل عند «هوليوود» مشكلة مع الأفارقة الأميركيين؟ وأصبح الآن هل لدى «هوليوود» مشكلة مع الآسيويين الأميركيين؟
احتجاجات لن تتوقف حتى «إشعار موت» الاحتجاجات على تبييض الأدوار لن تتوقف عند «الشبح في الصدفة»، وستجبر صناع الأفلام على التفكير مرتين قبل اتخاذ قرار إسناد أي دور من عرقيات أخرى إلى ممثلين أميركيين. نكتب هذه السطور بينما بثت «نيتفليكس»، الأسبوع الماضي، مسلسلاً أميركياً مقتبساً من مسلسل «مانغا» ياباني بعنوان Death Note أو «إشعار موت»، بطله الممثل الأميركي نات وولف.
ملاحم تاريخية جرت في بلاد العرب، مثل فيلم Exodus أو «الخروج»، وفيلم «ملوك مصر»، لم يكن ضمن طاقمها ممثل عربي. |
المشكلة المقصودة هنا، هي: لماذا تختار «هوليوود» ممثلين بيضاً في أدوار من المفترض - في وجهة نظر البعض - أن تكون لممثلين من أصول آسيوية، كما هي الحال مع فيلم «شبح في الصدفة»، المقتبس أصلاً من رسوم متحركة ياباني «مانغا».
لو نظرنا إليها كمشكلة، فإنها تمتد إلى العرقيات الأخرى كالعرب، فملاحم تاريخية جرت في بلاد العرب مثل فيلم Exodus أو «الخروج» وفيلم «ملوك مصر»، لم يكن ضمن طاقمها ممثل عربي. وقبل ذلك فإن فيلم «أمير فارس: رمال الزمن» 2010، كان بطله جيك ييلنهيله ممثل أميركي من أصول إسكندنافية. وروني مارا أدت دور تايغر ليلي في فيلم «بان»، وبينيديكت كمبرباتش الإنجليزي أدى دور «خان» الهندي في فيلم «ستار تريك»، وفي بداية هذا العام كان مات ديمون في بطولة فيلم صيني بعنوان «السور العظيم»، وفي نوفمبر الماضي شاهدنا تيلدا سوينتون الإنجليزية في فيلم «د. سترينغ» في دور كان من المفترض أن يكون لآسيوي حسب القصص المصورة من عالم مارفل، وقبله اعتذر المخرج كاميرون كرو لإعطاء الأميركية إيما ستون دوراً من المفترض أن يكون لآسيوية في فيلم «ألوها».
اعتراضات
قرار منح بطولة «شبح في الصدفة» إلى الأميركية سكارليت جوهانسون أثار الجدل مجدداً، بعد طرح الفيلم الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة واليابان، واتهمت الأقلية الآسيوية في الولايات المتحدة هوليوود بـ«بتبييض الأدوار»، أي تفضيل البيض على العرقيات الأخرى في تمثيل أدوار يفترض أن تكون للأقليات. الاعتراضات كانت واضحة في مطلبها من خلال عبارة: «الدور كان يجب أن يذهب لممثلة يابانية».
في «د. سترينغ» كانت المشكلة في دور شخصية «ذا إنشنت وان» وهو في القصص المصورة الأصلية معلم روحانيات يتمتع بقوى خارقة، ويعيش في جبال الهيمالايا في النيبال له لحية بيضاء وأصلع، بينما في الفيلم أسند الدور إلى تيلدا سوينتون التي حلقت رأسها وظهرت بصلعتها كذلك لكن دون اللحية. اختيار سوينتون أثار عاصفة احتجاج من ممثلين آسيويين في هوليوود كان أبرزهم مارغريت تشو التي عبرت عن احتجاجها برسالة بريد إلكتروني أرسلتها إلى سوينتون، وتسربت في ما بعد، قالت فيها: «إن قصصنا تروى من قبل ممثلين بيض مراراً وتكراراً، ولا نعلم كيف نتأقلم مع هذا الأمر؟».
سوينتون ردت قائلة إن كتّاب فيلم «د. سترينغ» أخبروها بأنهم تعمدوا تجنب تنميط الدور حيث تظهر الشخصية الشرق آسيوية في دور معلم عجوز أو حكيم منذ عقود، أو امرأة آسيوية غامضة وشريرة، فقرروا كسر النمطية بتغيير جنس الشخصية إلى امرأة (وهو كذلك جزء من الجدل المتعلق بمسألة التنويع العرقي) وجعلها من أصول أوروبية تعيش في آسيا. وأضافت سوينتون أنها لا تفهم سبب الجدل، خصوصاً أن مواطنها من أصول إفريقية تشيويتيل إيجيوفور ومواطنها الآخر من أصول صينية بينيديكت وونغ كانا أيضاً في الفيلم، وتساءلت: أين تبييض الأدوار في فيلم متنوع عرقياً؟
أزمة التنميط
جزء من مشكلة التنميط في شخصيات القصص المصورة، أنها كتبت منذ عقود بعيدة، عندما لم يكن لدى مؤلفيها الأميركيين أي وعي أو دراية عن أهمية وحساسية مسألة التنميط. فكما وجد د. سترينغ التنوير في الهيمالايا، تحول توني ستارك إلى آيرون مان في فيتنام في القصة الأصلية، لكن في الاقتباس السينمائي وضعه المنتجون في الشرق الأوسط تماشياً مع الظروف السياسية في العقد الأول من القرن الحالي.
مهندس أفلام مارفل كيفن فايغ، قال في ظل الجدل الحاصل: «من المهم ألا نشعر كمنتجين بأن الطاقم كله من البيض الأوروبيين، وكذلك من المهم وضع حسابات الأسواق الأخرى خارج أميركا كالسوق الصينية التي تفضل البيض على الشخصيات الآسيوية. ففي (آيرون مان) حاز بن كينغيسلي دور شخصية صينية شريرة، وفي (باتمان: نهوض فارس الظلام) أسندت شخصية رأس الغول العربية إلى الممثل ليام نيسون. وكل هذه القرارات كانت من المنتجين كي لا تفهم في الثقافات الأخرى على أنها تنميط».
وكي يكون النقاش عادلاً؛ كان هناك نقض لعملية تبييض الأدوار أو«نقيض البديل الأسود» عندما تم منح ساميول إل جاكسون - وهو ممثل من أصول إفريقية - دور شخصية نيك فيوري في أفلام «كابتن أميركا» وهي شخصية بيضاء في القصص المصورة، وكذلك إسناد شخصية ديدشوت البيضاء في القصص المصورة إلى ويل سميث وهو ممثل من أصول إفريقية في فيلم «سوسايد سكواد»، والكثير من الأمثلة الأخرى.
جمهور فيلم «شبح في الصدفة» لم يُبدِ أي اعتراض على وجود سكارليت جوهانسون في البطولة حسب وسائل إعلام أميركية ويابانية، بل كانت شريحة كبيرة منهم سعيدة بمشاهدة جوهانسون على الشاشة، وقالت تلك الشريحة إنها تفضل مشاهدة جوهانسون على مشاهدة ممثلة يابانية. الشريحة نفسها فضلت قصة الفيلم الأميركي على القصة الأصلية، وقالت إنها شعرت بأنها شاهدت فيلماً جديداً عن شخصية معروفة في الثقافة اليابانية.
مخرج مسلسل الرسوم المتحركة الياباني الأصلي «مانغا» مامورو أوشي لم يُبدِ اعتراضاً كذلك وقلل من أهمية الجدل، قائلاً: إن «الشخصية أصلاً روبوت (سايبورغ) وليست إنسانة يابانية». وأضاف: «في المسلسل الياباني لم يكن شكل البطلة يابانية فعيناها دائريتان وشعرها أحياناً بنفسجي أو أسود، ولون عينيها يراوح بين الأزرق والبرتقالي».
في المسلسلات اليابانية عموماً ليس هناك اهتمام بالتفاصيل العرقية، الشخصيات تكون شقراء وذات عيون زرقاء، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنها أوروبية أو غير يابانية في تلك الثقافة. بالإضافة إلى أن المكان الذي تقع فيه أحداث المسلسل هو هونغ كونغ في المستقبل وليست اليابان.
من جهة أخرى، كان هناك اعتراض أن الفيلم الأميركي لم يناقش مسألة جوهرية في المسلسل الأصلي، وهي سؤال عن هوية البطلة التي تتساءل: أين تقع الروح؟ وهو التساؤل نفسه الذي طرحته سلسلة أفلام The Matrix أو المصفوفة المستلهمة أصلاً من «شبح في الصدفة».
في نهاية المطاف ومن ناحية تسويقية، إن العالم يريد أن يشاهد وجهاً مألوفاً ومعروفاً وسكارليت جوهانسون لها معجبون في كل قارات العالم، بينما أي ممثلة يابانية لن تكون معروفة إلا في بلادها، وحتى هذه الحقيقة مشكوك فيها؛ إذ تبين أن الجمهور الياباني خصوصاً، والآسيوي عموماً، يفضل مشاهدة ممثلة عالمية معروفة، وليس بالضرورة أميركية على ممثلة يابانية.