مشاهد بهلوانية مكثّفة.. وقصة غائبة

عصابة صعاليك تنقذ العالم في «السريع والغاضب 8»

صورة

هناك أربع حقائق على القارئ معرفتها، أثناء مشاهدة فيلم The Fast and the Furious 8 أو «السريع والغاضب 8». أولاً: اللامنطق انتقل من مشاهد الحركات البهلوانية إلى القصة. ثانياً: أفلام الخيال العلمي والأبطال الخارقين تصبح واقعية جداً، مقارنة بهذا الفيلم. ثالثاً: هذا الفيلم يمكن مشاهدته دون حوارات. رابعاً: فين ديزل لا يحسن التمثيل.

نعيش زمناً أصبح منطق ألعاب الفيديو يسيطر فيه على الكثير من الأفلام السينمائية، التي تدور أحداثها في عالم هي تريد إخبارنا بأنه عالمنا، ولا تشير إلى أي عالم خيالي قد تكون الجاذبية الأرضية منعدمة فيه، حتى نتقبل بعض ما يحدث، على الأقل.

شخصيات خارقة لا تتألم

شخصيات الفيلم لا تتألم ولا تنجرح ولا يصيبها مكروه، رغم تدهور السيارات والانفجارات التي تتعرض لها، ونجزم لو أن بطلاً خارقاً مثل كابتن أميركا وفريقه تعرضوا لحوادث مماثلة لأصبحوا معاقين!

فين ديزل.. سيئ جداً

فين ديزل لا يحسن التمثيل، وكل اعتماده على عضلاته، ولو فكر هذا الرجل في خوض تجربة الدراما، ستضطر الأكاديمية الأميركية للعلوم السينمائية إلى تغيير كل معاييرها لتتوافق مع قدراته! بكلمات أخرى، أداء ديزل سيئ جداً، ومن الأفضل له ولنا أن يبقى في هذا الصنف من الأفلام، فالذوق العام ليس بحاجة إلى المزيد من الهبوط.

لا شك في أن سلسلة «السريع والغاضب»، تعد إحدى أنجح سلسلات الأفلام في التاريخ، والدليل أننا نشاهد الجزء الثامن من مجموعة اشتهرت بأنها محصنة ضد النقد، بمعنى أنها ناجحة رغم أنها غير ملتزمة بإرضاء النقاد.

حتى الآن حققت إيرادات هذه السلسلة ما يقارب أربعة مليارات دولار، والجزء السابق وحده حقق ملياراً ونصف المليار. من أسباب نجاح السلسلة، اعتمادها صيغة لاقت إقبالاً في كل دول العالم، وصنعت مشاهد حركة (أكشن) تجاوزت حدود الخيال الجامح، وكذلك تركيزها على موضوع أهمية العائلة والصديق والزوجة والأبناء، وهو موضوع سيلاقي قبولاً في أي مجتمع.

خيانة

القصة - عفواً لا توجد في الفيلم قصة جادة تستحق الاهتمام - تتناول موضوع خيانة دوم توريتو (فين ديزل) لفريقه، بعد إجباره على ذلك من قبل امرأة شريرة من طراز شريرات أفلام جيمس بوند، تدعى سايفر (الجنوب إفريقية تشارليز ثيرون).

تحتجز سايفر عائلة توريتو (زوجة سابقة وابن) رهائن على طائرتها، وبالطبع يضطر فريقه أو عصابة الصعاليك إلى التصدي للخطة الشريرة، وإعادة توريتو إلى العائلة أو العصابة، سمها ما شئت!

تلك هي القصة! عفواً نسينا الجزء المهم وهو أن تلك الشريرة تريد السيطرة على العالم! المخرج إف غاري غراي يحاول التركيز على صراع العواطف بين توريتو وفريقه، وعلى أهمية العائلة طبعاً، بينما لا يبدو أن أعضاء الفريق يتعاملون بجدية مع الموقف باستثناء ليتي (ميشيل رودريغيز)، زوجة توريتو الجديدة.

وازن المخرج انتقال دوم إلى اللعب في الجهة المضادة لفريقه، بجلب ديكارد شو (جيسن ستاثم)، الذي لعب دور شرير في الأجزاء السابقة، وزجّه مع الفريق ليساعدهم على تخليص توريتو من ورطته (ألم نقل إنه منطق ألعاب كمبيوتر)؟!

لوك هوبز (دواين جونسون) في دور الشرطي المتعاطف مع العصابة، الذي يتم توريطه وزجه في السجن قبل أن يقرر الخروج بطريقته ومزاجه، وبتعاون غير مقصود مع عدوه اللدود شو! وربما يكون مقصوداً!

عموماً قد لا يعتبر الكثيرون ذلك عيباً، لأن السلسلة عودتنا تبديل الأدوار منذ انطلاقتها، فكانت هناك عصابة من متسابقي السيارات، وبينهم مخبر من الشرطة ينقلب على رؤسائه، وينضم إلى العصابة، فترسل السلطات رجلاً آخر فينقلب هو الآخر وينضم إلى العصابة! لا نقصد إعادة سرد الأحداث بقدر ما هي محاولة لإثبات منطق اللامنطق، الذي توظفه السلسلة منذ انطلاقتها عام 2001، والمقتبسة من موضوع عن سباقات الشوارع نشر في مجلة فايب.

تنقل لأجل الترويج

السيناريو ينتقل بسرعة الرصاصة من دولة إلى أخرى، يبدأ بمقدمة في كوبا؛ ثم يقفز إلى نيويورك وروسيا، كل ذلك لتعزيز ترويج الفيلم في الأسواق العالمية.

تايريز غيبسون ولوداكريس لا عمل لهما تقريباً سوى إلقاء النكات في الأوقات الحرجة، لأن معظم سيناريو الإنقاذ ملقى على عاتق هوبز وشو وبدرجة أقل ليتي. كورت راسل ممثل جيد جداً لكن مشاهده محدودة جداً، وهيلين ميرين في دور والدة شو تظهر في مشهدين لإلقاء نكات، وتفسر بعض النقاط التي ظنها صناع الفيلم غامضة. تشارليز ثيرون أو «الإمبراطورة فيوريوسا» نسبة لدورها الجميل في رائعة جورج ميلر «ماد ماكس»، لا تفعل شيئاً في هذا الفيلم، فهي في طائرة تصدر أوامرها الشريرة وتعيد إصدارها! وحتماً سنتذكر أن هذا الفيلم لم يحسن استغلالها أبداً، بقدر أننا لن نتذكر دور سكوت إيستوود فيه!

غياب المنطق

«السريع والغاضب 8» أو «ذا فيت أوف ذا فيوريوس»، حسب العنوان البديل المستخدم في الولايات المتحدة، فيلم يطلب منا الاستمتاع بمشاهده الاستعراضية البهلوانية، ولا نمانع في ذلك لكن لماذا لا يكون ذلك بقليل من المنطق؟ لأي صانع أفلام الحق في توظيف خياله لكن الخيال الجامح بحاجة ماسة إلى سياق كي يكون مقبولاً؛ وإلا فإن الفيلم سيتحول إلى مجموعة مشاهد كرتونية كما حدث هنا!

أولاً: كيف يمكن لوزير الدفاع الروسي حمل حقيبة السلاح النووي لبلاده في شوارع نيويورك؟ وعندما يفقدها لا يكترث أحد، ولا تهتم واشنطن ولا موسكو بالأزمة، ولا نرى قوات خاصة ولا جيوشاً ولا حتى مؤتمراً صحافياً واحداً لشرح ما سيتم عمله! طبعاً لأن العالم معتمد على عصابة لإنقاذه!

ثانياً: لماذا تنتظر الحكومة الروسية حتى تصل الحقيبة إلى الإرهابيين، ولا تفكر في تغيير الشفرة الخاصة بالسلاح، كما هو الإجراء المتبع في هذه الحالة؟

ثالثًا: هناك مشهد لديزل يقود سيارة بسرعة تتجاوز 200 كيلومتر في الساعة ليلحق بطائرة، ويدخل في مخزنها من الخلف، كيف كان يقود بتلك السرعة الجنونية ثم يدخل المخزن في المشهد التالي بسرعة منخفضة جداً دون الحاجة إلى فرامل؟!

رابعاً: كيف انتقل الفريق إلى روسيا بسياراتهم وأسلحتهم، لقتال إرهابيين استولوا على قاعدة عسكرية من الحكومة الروسية؟ بالطبع موسكو نائمة - حسب الفيلم - ولا تكترث!

خامساً: كيف يستطيع رجل دفع توربيدو غواصة بيديه، وتحويل مساره لضرب العدو؟ حتى كابتن أميركا الخارق لن يصدق عينيه لو شاهد تلك اللقطة!

سادساً: كيف تمكن متسابق سيارات من تضليل صاروخ حراري، وجعله يلتف ويعود لضرب مصدره؟!

سابعاً وأخيراً: هل نحن بحاجة إلى عصابة متسابقي سيارات أو صعاليك شوارع، لتثقيفنا عن أهمية القيم العائلية؟! حوارات الفيلم مبتذلة جداً وبائسة، وليست هناك حاجة للحوارات أصلاً، فكل جملة تقولها شخصية تكررها شخصية أخرى، فلو قالت سايفر سأطلق عليهم صاروخاً، يظهر هوبز في المشهد التالي ليكرر: لقد أطلقت علينا صاروخاً، كأن كاتب الحوار يعلم أنه ليس لديه شيء مهم يكتبه، أو فلنقل كأننا نسمع حوارات مجموعة لاعبين مشتركين في لعبة على شبكة الإنترنت!

تويتر