مختصون: العالم فضولي تجاه القضايا العربية
أجمع نقاد ومتخصصون سينمائيون، أن القيمة الفنية وطريقة الدعم والوضع السياسي الراهن من العوامل التي ساعدت الفيلم العربي على أن يحقق على مدى السنوات الأخيرة حضوراً لافتاً في المهرجانات السينمائية العالمية. وأشاروا إلى أن العالم فضولي تجاه قضايا الوطن العربي، خصوصاً بعد التحولات السياسية الكبرى التي شهدتها المنطقة.
«دبي السينمائي»: قال المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي مسعود أمر الله «عندما جاءت فكرة إقامة مهرجان دبي السينمائي التي تزامنت مع أحداث 11 سبتمبر وما حصل بعدها من ويلات في المنطقة وتبني صورة نمطية عن العرب، جاء المهرجان لتكون لغته السينما في محاولة لإيصال الصورة الحقيقية عن العرب، بإيمان أن السينما هي القادرة على تغيير الصور السلبية». وأضاف «وجدنا أن جل المهرجانات السينمائية العربية تركز على الأفلام الأجنبية وتتبناها، ووجدنا نحن في الإمارات أن صورة الدولة التي يعيش فيها 200 جنسية قادرة على أن تقدم المختلف، فعملنا على دعم السينما العربية منذ الدورة الأولى إلى اللحظة، كنوع من تقديم صورة حقيقية عن واقعنا للعالم»، وأطلقنا شعار «ملتقى الثقافات والإبداعات»، جاء هذا عندما كانت السينما الإماراتية مازالت تحبو، لذلك وجدنا في استقطاب السينما العربية طريقا كي نبدأ منه، وأطلقنا المسابقات التي تعنى وتحفز السينمائيين العرب بتقديم المميز، وقال أمر الله مؤسس مسابقة أفلام من الإمارات التي كانت النواة في اطلاق الحركة السينمائية في الدولة، بعد ذلك ارتأينا أن نتوسع في مهمات المهرجات، ونتجه نحو الصناعة، ودعم الانتاجات المشتركة، فخرجنا بفكرة سوق دبي السينمائي وهو السوق الأول للسينما في الوطن العربي، مؤكداً «ومن هنا بدأت علاقتنا مع الغرب، من خلال ترشيحنا لأفلام ذات انتاجات مشتركة لتكون حاضرة في المهرجانات الدولية وحتى للتنافس في جوائز الأوسكار»، مشيراً الى أن كل تلك الخطوات أدت الى تواجدنا وتواجد السينمائيين العرب في جل المهرجانات الدولية، مثل ما حدث بشراكة مع مهرجان كان ضمن مشروع (يذهب الى مهرجان كان) ضمن مقرنا الدائم هناك، وقيامنا باختيارنا للأفلام القصيرة التي نعرضها في دبي السينمائي ليتم عرضها في ركن الفيلم القصير في كان السينمائي. وقال إن «من ضمن الاسهامات ايضا الشراكة مع شبكة المنتجين في كان السينمائي المعنية بتطوير السيناريو». حضور عربي • في عام 1947 شارك فيلم «دنيا» للمخرج محمد كريم في الدورة الأولى من مهرجان كان السينمائي. • أول سعفة ذهبية يحصل عليها فيلم عربي كانت من نصيب الجزائر من خلال فيلم «وقائع سنوات الجمر» للمخرج محمد لخضر حامينا. • الفيلم الفلسطيني «الجنة الآن» للمخرج هاني أبوأسعد يدخل السينما العربية للتنافس في جوائز الأوسكار عام 2006. • العام الفائت 2016 حصل الفيلم التونسي «نحبك هادي» للمخرج محمد بن عطية على جائزتين في مهرجان برلين السينمائي. |
واستطاعت أفلام عربية عدة أن تنافس في جوائز عالمية ضمن المسابقات الرسمية لكبرى المهرجانات، هذا الحضور الذي كان يتذبذب قديماً، ويترك بصمته في حرج، بات اليوم، خصوصاً مع سنوات الربيع العربي، طاغياً ومؤثراً ومنافساً واضحاً وأساسياً في المسابقات الرسمية، وبعد أيام قليلة ستشهد الدورة الـ70 من مهرجان كان السينمائي تنافس الفيلم القصير «رجل يغرق» للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، وسيتم عرض كل من فيلم «على كف عفريت» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، ومن الجزائر فيلم «طبيعة الوقت» للمخرج كريم موسوي في قسم «نظرة ما».
وفي هذا العام فاز الفيلم التسجيلي «اصطياد أشباح» للمخرج رائد أنضوني بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، وهي جائزة تم استحداثها في المهرجان تضاف إلى الجوائز الرسمية.
«الإمارات اليوم» تستطلع في هذا التحقيق آراء خبراء في دعم صناعة الفيلم العربي من منتجين وموزعين ومديري مهرجانات عربية ودولية، حول المعايير التي تؤهل ليشارك الفيلم العربي في مهرجانات دولية، وما دور شركات الإنتاج في ذلك، وكذلك شركات التوزيع، هل الوضع العربي الراهن من الناحية السياسية هو السبب وراء حماس مبرمجي الأفلام في المهرجانات الدولية لاختيار الافلام في المسابقات الرسمية أو عرضها في الأروقة الأخرى؟
عن المعايير
في عام 2016 على سبيل المثال لا الحصر أطلق عليه عام السينما العربية، لما حصدته إنتاجات عربية متنوعة من أعرق الجوائز والترشيحات، مثل ما حدث مع الفيلم التونسي «منحبك هادي» للمخرج محمد بن عطية، الذي اقتنص دبين في مهرجان برلين السينمائي الدولي، والعام نفسه مع الفيلم القصير الفلسطيني «رجل يعود» للمخرج مهدي فليفل، الذي حصل على الدب الفضي للفيلم القصير.
«لا توجد معايير موحدة لمشاركة الأفلام عموماً في أي مهرجانات دولية، وليس فقط الأفلام العربية».. هذا ما قاله مدير ومؤسس شركة MAD Solutions ومركز السينما العربية المحلل السينمائي علاء كركوتي، الذي أضاف: «طبعاً هناك معايير فنية تختلف من مهرجان لآخر، ومن مرحلة زمنية للسينما لأخرى، لكن اتجاه مبرمجي كل مهرجان، الاتجاهات السياسية، التأثر بالمناخ الاجتماعي العام، دعم سينما ناشئة حتى لو كان فيلمها ضعيفاً، كل هذا يلعب دوراً في اختيار الأفلام»، مشيراً إلى أن «هناك أسماء صناع السينما المعروفين الذين لديهم تاريخ في المشاركة بالمهرجانات والجوائز، وبالتالي المعيار هنا اسمهم وليس مستوى فيلمهم كما لوحظ في كثير من الاختيارات أحياناً».
مدير عام الهيئة الملكية الأردنية للأفلام جورج دافيد فوجد، يرى أن المعايير نفسها التي تنطبق على الأفلام العالمية تنطبق على الأفلام العربية، وليس هناك سبب في التمييز، موضحاً «السينما العربية قادرة على أن تتنافس مع أكبر وأهم الأفلام العالمية والمهرجانات التي تعير اهتماماً خاصاً للأفلام الهادفة، ذات المحتوى، وليس بالضرورة الأفلام ذات الميزانية العالية التي قد تفتقدها الأفلام العربية».
واسترسل مدير المهرجان الاسكندنافي السينمائي الدولي في فنلندة غطفان غنوم في شرح آلية قبول الأفلام: «تختلف معايير قبول الأفلام بالنسبة للمهرجانات الدولية على اختلاف جنسية الأفلام، ولا يستثنى من ذلك الفيلم العربي»، موضحاً «الاختلافات عادة تتوزع بين التقني والفني، بين الموضوعي والذاتي، أما بالنسبة للشروط التقنية فهي كما جرت العادة تتوافق عادة وطرق عرض الأفلام في دور السينما المخصصة وأجهزة العرض، بالإضافة لضرورة تحقيق الأفلام السوية التقنية الملائمة بالنسبة للصوت والصورة بشكل حتمي»، منتقلاً في حديثه للشروط الفنية، تعنى الكثير من المهرجانات بما تعالجه الأفلام من قضايا مهمة حسب سياسة المهرجانات لكل دورة سنوية أو شهرية وبما يتوافق مع اسم الدورة وهدفها، «لذلك قد لا تقبل الكثير من الأفلام المهمة والتي لا تنسجم مع بقية الأفلام المرشحة للعروض، لأن الشق الفني لا يتنازل أيضاً عن سوية تنفيذية جيدة على مستوى التمثيل والإخراج والسيناريو للأفلام الروائية وعلى مستوى المعالجة للوثائقيات، وهذا يعود كما هو معلوم تقديرياً للجان المختصة بالتحكيم»،مشيراً الى أن «الظرف الموضوعي يفرض عادة تسجيل الأفلام عبر طرق نظامية ودفع رسوم التسجيل وتقديم بيانات كاملة للأفلام مع بروموهات وأفيشات تستلزم من المتقدم استكمالها ضمن أوقات التسجيل المتاحة حصراً. ويخضع كل فيلم تم تسجيله لشروط المهرجان المتفق عليها والتي تذكر عادة في صفحات المهرجانات الرسمية».
شركات التوزيع
عروض متنوعة لأفلام عربية في قسم البانوراما في برلين السينمائي العام الفائت مثل الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة»، والفيلم المصري «آخر أيام المدينة»، وغيرهما من الأفلام، وتم افتتاح قسم «نظرة ما» في مهرجان كان السينمائي العام الفائت ايضاً بالفيلم المصري «اشتباك» للمخرج محمد دياب، وهذا يعتبر سابقة في تاريخ المهرجان، كثيرة هي الاشارات التي تدل على اهتمام المهرجانات الدولية بحضور الفيلم العربي.
وعن دور شركات الانتاج والتوزيع في دعم الفيلم العربي وايصاله للعالمية، قال السيناريست والمنتج صاحب شركة «فيلم كلينيك» محمد حفظي، الذي ساهم بإنتاج أفلام عربية تم عرضها حول العالم وشاركت في مسابقات عالمية مثل فيلم «اشتباك» الذي افتتح قسم «نظرة ما» في الدورة الفائتة من مهرجان كان السينمائي «المعيار الأهم هو جودة الفيلم بمستوى عناصره من كتابة واخراج وتمثيل، بالطبع هناك عوامل تفضل بعض الأفلام على الأخرى في حالة تقارب مستواها، خصوصاً اسم وتاريخ المخرج، مؤكدا «بالطبع الانتاج المشترك ووجود موزع عالمي قوي يفيد الفيلم ويزيد من فرصته في المشاركة في المهرجانات الكبرى، حيث نجد أن معظم الأفلام التي شاركت في المهرجانات الكبرى مثل (كان) على سبيل المثال هي أفلام أنتجت بالمشاركة مع فرنسا ولديها موزع عالمي من الشركات الفرنسية».
وأكد كركوتي أن «دور شركات الإنتاج والتوزيع أيضاً ليس لها معيار واحد، الأمر مرتبط بالفيلم ومدى نجاحه في تقديمه بشكل لائق للمهرجان المطلوب»، موضحاً أن «الشكل اللائق يعني إعطاء خلفية وافية (في حال عدم المعرفة بالموضوع)، أو أن تكون الشركات متأكدة من مستوى الفيلم أولاً سينمائياً، ومعرفة اتجاهات كل مهرجان ثانياً».
وضع الوطن العربي
غنوم أكد أن كل ما سبق وتم ذكره في المحاور السابقة قد يتم تجاوزه إن كانت الأفلام المرشحة حاملة لقضية راهنة قد تهم الجمهور بشكل كبير، «وهذا فعلاً ما حدث بالنسبة لكثير من الأفلام العربية التي عرضت خلال الأعوام المنصرمة في مهرجانات عالمية تتفاوت أهميتها»، فالمهرجانات تعنى كذلك بمسألة الترويج لنفسها وأحد أهم أساليب هذا الترويج هو استقطاب عروض الأفلام الحساسة، خصوصاً العروض الأولى، متمنياً أن تكون الأفلام العربية في السنوات المقبلة محققة لسويات فنية وتقنية جديرة بالمنافسة. ويرفض كركوتي أن يكون الوضع العربي الراهن السبب هو الرئيس أو الوحيد لاختيار المبرمجين لأفلام عربية، لكن هناك أسباب كثيرة، منها التواجد العربي عموماً بشكل أكبر في أسواق هذه المهرجانات. وأضاف «أصبح هناك آلاف المهرجانات سنوياً التي تعرض عشرات الآلاف من الأفلام، وأصبحت سمة الاكتشاف رئيسة لدى أي مهرجان عريق أو وليد، كما أن معظم موضوعات الأفلام العربية تعتبر جذابة جداً، لأنها مرتبطة بالحياة الاجتماعية والسياسية التي تعد مثيرة للاهتمام بالنسبة للجمهور الأجنبي».
واعتبر دافيد «أن ما بات يعرف بالربيع العربي ساهم في استحداث موجة سينمائية جديدة وجيل جديد من السينمائيين ولغة سينمائية مختلفة في العالم العربي، لكن من المجحف القول إن الوضع السياسي واهتمام الغرب بالعالم العربي هما العاملان اللذان يدفعان المبرمجين إلى إدراج أفلام عربية في المسابقات، بل أعتقد أن الفضل يعود لإبداع السينمائيين الجدد وتناولهم قضايا راهنة بطريقة مبتكرة وبلغة سينمائية جديدة». وقال نائب المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي أحمد شوقي «بخلاف مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي يحرص فعلاً على تواجد السينما العربية ضمن برنامجه، فإن هذا التواجد في مهرجانات أخرى موازٍ لتواجد أي سينما أخرى كالسينما الرومانية أو البلغارية أو الصربية على سبيل المثال لا الحصر»، مؤكداً «نظرياً المعايير هي الجودة الفنية، لكن بناء على الممارسة والمراقبة كناقد سينمائي فإن القضايا المهمة والسياسية تحكم بشكل كبير على الاختيارات، خصوصاً بعدالربيع العربي».