قوي في الدراما.. وباهت بـ «الأكشن»
«ووندر وومان» ينقذ عالم «دي سي» السينمائي
في قراءتنا لفيلم «سوسايد سكواد» (الإمارات اليوم 7 أغسطس 2016)، قلنا إن «أفلام (كابتن أميركا) تدور أحداثها دائماً في وضح النهار، بينما العكس مع أفلام (دي سي) حيث تقع الأحداث غالباً في الظلام، وإذا لم تستدرك وورنر بروس الأمر وتجلب منقذاً مثل نولان، فإن ظلام عالم (دي سي) سيطول».
امرأتان على طرفي نقيض الفيلم يحوي امرأتين على طرفي نقيض: ووندر وومان على جانب الخير، والدكتورة سم على الجانب الشرير، لكنه يهتم بالأولى اهتماماً شديداً ويهمل الثانية إهمالاً شديداً، لكنه رغم ذلك يبقى فيلماً جيداً جداً. - غال غادوت هي أجمل عنصر في الفيلم وهي أفضل في الدراما من مشاهد القتال. - «ووندر وومان» لا يعيد تعريف أفلام هذا الصنف، لكنه محاولة ممتازة للخروج عن المعادلة المهترئة وتجريب جديد.
|
فيلم Wonder Woman أو «المرأة المعجزة» بدّد حالة التشاؤم الشديدة التي أحاطت بعالم «دي سي» السينمائي، منافس عالم «مارفل» السينمائي، خصوصاً بعد الإخفاقين الشديدين للفيلم الغبي «باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة» وفيلم «سوسايد سكواد» العام الماضي، وأعاد المياه إلى مجاريها ولو بشكل مؤقت.
ذكرنا في مرات سابقة في هذه المساحة أننا سئمنا من أفلام الأبطال الخارقين والوحوش.. أصبحنا نشعر بالإرهاق الشديد منها، خصوصاً أنها أصبحت تكرر بعضها، وتستخدم جملاً مختصرة في الحوارات، وتعتمد على الزعيق والضجيج، ما يسبب صداعاً شديداً بدلاً من أن يعطي قيمة ترفيهية.
عمل مختلف
فيلم «ووندر وومان» أتى مختلفاً ومخالفاً للمتعارف عليه في هذه النوعية من الأفلام، وسنأتي على ذكر التفاصيل لاحقاً. القصة تبدأ في يومنا هذا، إذ نرى في باريس سيدة أعمال اسمها ديانا برينس (غال غادوت) تتسلم صورة لها تعود إلى الحرب العالمية الأولى من مؤسسة بروس وين (أي مؤسسة باتمان)، وتبدأ بسبب الصورة في تذكر طفولتها من خلال مشاهد استرجاعية (فلاش باك).
حسب المشاهد نرى ديانا ذات الأعوام الثمانية (ليلي أسبيل) نشأت على جزيرة تسمى ثيميسكيرا - أرض الأمازونيين - ولا نعلم إن كانت جزيرة لها جغرافية غابات الأمازون البرازيلية أم إنها قطعة من الأمازون التي نعرفها في عرض البحر! لا يهم. الطفلة ديانا تحلم بأن تكون محاربة أمازونية كنظيراتها (الجزيرة تحكمها وتعيش فيها نساء ولا وجود للرجال). والدة ديانا الملكة هيبوليتا (كوني نيلسون) تمنع طموح ابنتها وتخبرها كيف أن آريس ملك الحرب أفسد البشرية وألهمها الحروب، وعاث في الأرض فساداً.
تعصي ديانا الآن ذات الـ 12 عاماً (إميلي كاري) أوامر والدتها، وتطلب من عمتها أنتيوب (روبن رايت) تدريبها. تكبر ديانا أثناء التدريب وتتحول إلى شابة مقاتلة محترفة (غادوت)، تسقط طائرة على ساحل الجزيرة يقودها الطيار ستيف تريفور (كريس باين) الذي تنقذه ديانا، ويتبين أنه هارب من الألمان الذين يغزون الجزيرة إلا أن كتيبتهم المحدودة عددياً تلقى حتفها أمام جيش الأمازونيات.
المعركة لم تكن بلا خسائر فادحة عند الأمازونيات، إذ تقتل العمة أنتيوب في محاولتها حماية ديانا. أثناء استجوابه يكشف ستيف أنه جاسوس لقوات التحالف في الحرب العالمية الأولى، وأنه اخترق منشأة أسلحة سرية تابعة للإمبراطورية العثمانية يديرها جنرال ألماني يدعى إيريخ لوديندورف (داني هستون) وسرق منها معلومات.
الأخطر أن في تلك المنشأة تعمل عالمة عبقرية تسمى دكتورة سم (الإسبانية إيلينا أنايا) وهي كيميائية تعكف على صناعة نوع جديد مميت من غاز الخردل. إيماناً منها أن آريس خلف هذه الحرب والحروب الأخرى، تقرر ديانا مخالفة والدتها، وتطلب مرافقة ستيف إلى لندن في رحلة البحث عن آريس وقتله ليعم السلام في العالم.
صيغة موفقة
نعود إلى النقطة التي توقفنا عندها سابقاً، وهي أن «ووندر وومان» مختلف في صياغته الحالية عن كل أفلام الأبطال الخارقين التي نعرفها خصوصاً للمشاهد المتمرس، فلو نظرنا إلى الفيلم نظرة متفحصة سنجد أنه يحتوي على دراما حرب وسياسة، وجزء رومانسي كوميدي (علاقة ديانا وستيف)، وعنصر أفلام الحقب التاريخية (مشاهد لندن).
كل هذه العناصر صنعت صيغة موفقة، وأسهمت بشكل جيد في تقريب المشاهد من الشخصية والدخول إلى عالمها، لأنها أقرب إلى الواقع منه إلى خيال جامح ومخلوقات فضائية ووحوش وزومبي وغيرها من عناصر لا نتمكن من التآلف معها. إضافة إلى كون الشخصية امرأة تدفعها فظائع الحرب، خصوصاً قتل وتشريد النساء والأطفال في تكوين قرار تدخلها لإيقاف المأساة، إذ إن قرارها عاطفي واستراتيجي في الوقت ذاته.
مشهد معركة الكتيبة الألمانية وجيش الأمازونيات جرى في وضح النهار، وهو كسر للنمط المتعارف عليه في معارك عالم «دي سي» التي تجري غالباً ليلاً.
الآن نأتي إلى التناقضات، ولا نقصد منها أن نقلل من شأن الفيلم، ولكن لابد من إبراز بعضها، الفيلم لا يخفي توجهاته التي تصب في اتجاه استقلالية المرأة، وعدم حاجتها إلى رجل، بل إن ديانا نفسها بلا أب، ولا نريد الخوض في هذه النقطة - أي تكوين الشخصية - لأنها مرتبطة بالأساطير والفلسفة اليونانية الإغريقية القديمة حسب الشرح في بداية الفيلم.
لكن عودة إلى استقلالية المرأة، وعدم حاجتها إلى رجل كي تعيش وليست بحاجة إلى الإنجاب كي تستمر، فهي جنس مستقل ولا تنتمي إلينا كبشر! وهذا سبب أنها تحتفظ بشبابها رغم مرور آلاف السنين عليها! (مرتبط بجزئية تكوينها حسب الأساطير). حتى إن والدتها تقول لها في مشهد: «احذري الرجال فإنهم لا يستحقونك»! التناقض حدث بدخول ستيف تريفور الذي جلب معه عامل رومانسية لا مفر منه، وبالفعل يقع الاثنان في الحب في منتصف الفيلم الذي يضرب بتوجهاته عن استقلالية المرأة، وعدم حاجتها إلى رجل عرض الحائط!
دليل آخر على التناقض في النقطة ذاتها عندما قدمت سكرتيرة ستيف نفسها إلى ديانا، وقالت إن وظيفتها أن تفعل ما يأمرها ستيف به، فترد ديانا: «في موطني هذا يسمى عبودية!»، ثم في المشهد التالي والذي بعده نرى أن ديانا في حاجة إلى ستيف وتأتمر ببعض أوامره!
قد يجادل أحد ويقول إن التناقض حدث نتيجة تطور سلوك شخصية ديانا، لكن حتى لو أقررنا بذلك فإن ما ينقص التطور في سلوكها مشهد يصور الصراع النفسي للشخصية أثناء التطور في الفيلم، فلا أحد ينشأ على قيم تربوية ويغيّرها في لمح البصر.
مخرجة الفيلم باتي جنكنز (أخرجت فيلم الوحش عام 2003 الذي حازت عنه النجمة تشارليز ثيرون جائزة أوسكار أفضل ممثلة) تبدع فيما تحسن (الدراما والرومانسية) وتخفق فيما لا تحسن (مشاهد قتال الشخصيات الخارقة)، إذ جاءت لقطات القتال باهتة ومتوسطة وليست بقوة وزخم مشاهد قتال أفلام «كابتن أميركا».
جنكنز - القادمة من السينما المستقلة - اعتمدت على أسلوب تكرار إبطاء اللقطة وتجميدها في مشاهد قتال ووندر وومان وهو أسلوب كان قديماً عندما رأيناه في «ثورات ميتريكس» عام 2003.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news