«ذا هاوس».. فكرة واعدة ومعالجة مخيبة
لم نتوقع أبداً أن نصل إلى هذه الدرجة من اليأس تجاه الأفلام المعروضة في صالات السينما، ففي الماضي كنا نسأل عن الأفلام الجيدة المستحقة المشاهدة، واليوم أصبح السؤال: «هل هناك فيلم بشخصيات بشرية دون وجود وحوش؟ أو هل هناك أفلام واقعية دون ذرة خيال جامح؟».
عمل ترفيهي فيلم «المنزل» ويا ليت اسمه كان «كازينو المنزل»، (ربما يكون كذلك عندما تنضج الفكرة بشكل أفضل في دراما جادة)، عمل ترفيهي، ليس أفضل فيلم قدمه فاريل أو بولر، ولا هو الأسوأ، هو مجرد فيلم يحتوي على مجموعة قفشات جيدة في مواقف غير مكتملة، لكنه يبقى خياراً أفضل لو نظرنا إلى أفلام الوحوش التعيسة، التي حلّت في صالات العرض في الأسابيع الماضية.
- «لم نتوقع أبداً أن نصل إلى هذه الدرجة من اليأس تجاه الأفلام المعروضة». - «الفيلم ليس جيداً، لكنه ترفيهي، ويبدو واعداً من ناحية الفكرة التأسيسية».
|
كلمة خيال في حد ذاتها أصبحت سلبية، ففي الماضي كانت تعني إبداعاً، لكنها اليوم صارت مدخلاً لشخصيات مصنّعة بالكمبيوتر تافهة لا وزن لها ولا معنى، وهذا هو حال سينما القرن 21!
اليوم وبعد الإخفاقات المتتالية لأفلام الوحوش والانحطاط، مثل: «قراصنة الكاريبي 5» و«الملك آرثر» و«المومياء» و«المتحوّلون»، أفاقت هوليوود على حقيقة إخفاقاتها، وأدركت أن الجمهور سئم منها، وقد تكون بداية ترك هذه الموجة الساقطة والبحث عن بديل جيد.
وحتى يصلنا البديل المنشود، فإننا اليوم نشاهد فيلم The House أو «المنزل» وهو فيلم كوميدي، لا نقول فيلم عظيم ولا حتى جيد، وسينما الكوميديا منهارة أصلاً، لكن يبقى أفضل من كل أفلام الوحوش، لأننا نريد مشاهدة بشر نتشارك معهم في الشكل والصفات.
كيت (أيمي بولر) وسكوت (ويل فاريل) يعيشان في مدينة صغيرة وسعيدان بقبول ابنتهما أليكس (رايان سيمبكنز) في جامعة مرموقة، الجامعة كلفتها عالية، لكن مجلس المدينة يعطي منحة دراسية للطالب الأول كل عام، وتغطي المنحة سنوات الدراسة الجامعية الأربع.
لكن هذا العام يعلن رئيس المجلس بوب (نيك كرول) أنهم ينوون بناء حوض سباحة، ولا توجد لديهم أموال للمشروع سوى تلك المخصصة لمنحة الطالب المتفوق! عندها يدعو بوب أعضاء المجلس إلى التصويت قائلاً: «هل تريدون استثمار الأموال في مشروع تستفيد منه كل المدينة أم تريدون إعطاءها لشخص واحد يستفيد منها لوحده؟»، وبالطبع يصوت المجلس ضد المنحة.
هنا يدرك سكوت وكيت حجم الورطة التي وقعا بها، خصوصاً أنهما لم يدخرا أي شيء لمستقبل ابنتهما. لكن ذلك لا يمنعهما من إلغاء رحلتهما إلى لاس فيغاس مع صديقهما فرانك (جيسن مانتسوكاز) المدمن على لعب القمار، الذي هجرته زوجته رينا (مايكلا واتكنز) بسبب إدمانه وقذارته.
يلعب سكوت وكيت القمار في فيغاس ثم يخسران، وتلهمهما الخسارة في فكرة إنشاء نادي قمار صغير سري في منزل فرانك، يستغلانه لكسب أموال كافية لإرسال أليكس إلى الجامعة، وفي الوقت نفسه تسديد ديون فرانك، حتى لا يصادر منزله، وبالتالي تقتنع زوجته بالعودة إليه.
فيلم «المنزل» ليس جيداً، لكنه ترفيهي بما فيه الكفاية. الفيلم يبدو واعداً من ناحية الفكرة التأسيسية، لكنه لا يُحسن دفعها في الاتجاه الصحيح. الفكرة ذات شقين، الأول: الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعوائل ذات الدخل المحدود في الولايات المتحدة، والثاني: أزمة ديون طلبة الجامعات في أميركا.
الفيلم لا يبالي بالشقين ويعرض المشكلة في إطار كوميدي يفقد اتزانه أحياناً لصالح تهريج سخيف، قبل أن يعود إلى الكوميديا مجددًا. ربما كان هذا الفيلم سينجح أكثر لو كان دراما جادة كون الفكرة التأسيسية تشكل هماً ثقيلاً على كاهل العائلات، وهذا ما فعله فيلم الويسترن العصري الرائع Hell or High Water أو «مهما كلف الأمر»، الذي شاهدناه العام الماضي.
المخرج أندرو جاي كوهين يخلط مجموعة أفكار هي أساساً جيدة، لكنها في معالجة كوهين تبدو مرتبكة، أو كما يقال يعجز عن إمساك النص جيداً فتتسرب الأجزاء من قبضته. هناك مثلاً فكرة عداوة الجيران التي تترجم على شكل مشهد ملاكمة يستغله فرانك وسكوت وكيت، لكسب الأموال من الرهانات على المقاتلين، وهو كفكرة جيد جداً (بالطبع يذكر بفيلم نادي القتال)، لكن كمعالجة وتنفيذ فقد هيمن عليه التهريج، ما جعله سخيفاً وضعيفاً.
هناك أيضاً مشهد تحوّل سكوت من رجل هادئ وديع إلى جزار يقطع بالمصادفة يد اللاعبين الغشاشين في الكازينو المنزلي، ثم تحوّل فجأة إلى رجل عصابة يتعاطى المخدرات مع زوجته ويراقب روّاد الكازينو، الفكرة هنا جيدة والإشارة واضحة إلى فيلم «كازينو» الشهير لمارتن سكورسيزي، خصوصاً في اللقطة التي تقف فيها كيت بكامل أناقتها بجانبه (الإشارة هنا إلى النجمة شارون ستون في كازينو). أيضاً في المشهد نفسه ينتقد سكوت الطعام المقدم إلى الزبائن (إشارة أخرى إلى روبرت دينيرو في كازينو). كل هذه الإشارات مقبولة وهي جيدة، لكنها أفقدت «المنزل» التوازن والنبرة، لأنها لا تمزج بهذه الطريقة، أو كما يقال بحاجة إلى أن تطبخ على نار هادئة حتى تنضج. هناك كذلك فكرة اكتشاف أليكس لما يفعله والداها من أجلها، وهي لو كانت في دراما جادة لاستمتعنا بالأداء، من خلال صراع الشخصية مع نفسها ومبادئها لقبول أو رفض ما يحدث، وأيضاً صدمة شرطي المدينة في اكتشاف ذلك النادي السري، الذي يدار تحت أنفه مباشرة. كل هذه المشاهد تأتي تباعاً دون مقدمات أو تأسيس أو هدف. قد يقول شخص إن الفيلم كوميدي، وبولر وفاريل ممثلا أدوار ارتجالية أصلاً وليسا بحاجة إلى نص وحوارات لحفظها، ونقول إن الارتجال ليكون مقنعاً بحاجة إلى تأسيس، وإلا فإن تلك المشاهد ستبقى مجرد أفكار ترفيهية، لكنها غير مقبولة ولا مقنعة، لأنها تفتقد وجود الأرضية وهي السيناريو.
بدخول جيريمي رينر في دور زعيم العصابة يختل توازن الفيلم بشدة بين الجدية والتهريج، والنتيجة أن المشاهد هو الذي سيعيش صراعاً مع نفسه لقبول هذا النوع من المبالغة الشديدة، في إبراز تهديد تشكله شخصية واحدة على بقية الشخصيات، وهو تهديد لا تستحقه الشخصية، ولا يستطيع الفيلم دعمه، لأنه فقد صدقيته بسبب الاختلال الشديد والجنوني في النبرة. فيلم «المنزل» ويا ليت اسمه كان «كازينو المنزل»، (ربما يكون كذلك عندما تنضج الفكرة بشكل أفضل في دراما جادة)، عمل ترفيهي، ليس أفضل فيلم قدمه فاريل أو بولر، ولا هو الأسوأ، هو مجرد فيلم يحتوي مجموعة قفشات جيدة في مواقف غير مكتملة، لكنه يبقى خياراً أفضل لو نظرنا إلى أفلام الوحوش التعيسة، التي حلّت في صالات العرض في الأسابيع الماضية.