«سبايدر مان: العودة إلى الوطن».. التطور التقني يطغى على سعة الحيلة

حتى أفلام الأبطال الخارقين (سوبرهيروز) تمر بمرحلة اهتراء المعادلة وتحتاج إلى تجديد لكن السؤال: كيف التجديد؟ ومن المؤهل لهذه العملية الصعبة والإبداعية في الوقت ذاته؟ الإجابة عن السؤالين تستحق إجراء دراسة لكننا هنا في هذه العجالة سنجيب عنها من خلال خبرة المشاهد المتمرس.

لا لقطة واحدة ترسخ في الذاكرة.

الفيلم لا يحتوي لقطة واحدة ترسخ في الذاكرة، ولمن يقول إن لقطة تسلق الرجل العنكبوت النصب التذكاري في واشنطن كانت الأفضل، فإننا نقول إن إيثان هانت (توم كروز) تسلق برج خليفة بشكل أروع وحابس للأنفاس في فيلم «بروتوكول الشبح»، دون مؤثرات خاصة.

- التجديد يكون بوضع شخصيات الأبطال الخارقين في قالب غير الذي اعتدناه

- يمكن القول إننا أصبنا بالتخمة من كثرة أفلام الأبطال الخارقين منذ بداية القرن 21

التجديد يكون من خلال وضع شخصيات الأبطال الخارقين في قالب جديد غير الذي اعتدناه، أما المؤهل فغالباً صناع أفلام جاؤوا من السينما المستقلة، ولدينا أمثلة على ذلك ففيلم «لوغان» الذي شاهدناه مطلع العام كان من إخراج جيمس مانغولد الذي برع في أفلام «ويسترن» وفعلاً وضع «لوغان» في القالب ذاته، وكان تغييراً جيداً.

والشهر الماضي شاهدنا «ووندر وومان» في قالب فيلم تاريخي وهو من إخراج باتي جنكنز التي صنعت الفيلم الشهير «وحش» عام 2003، واليوم يأتينا Spider Man: Homecoming أو «الرجل العنكبوت: العودة إلى الوطن» من إخراج جون واتس (مخرج Cop Car أو دورية الشرطة) الذي يغير القالب، لكن ليست كل عملية تجديد محصنة ضد السلبيات.

الفيلم عبارة عن جزأين، الأول عن صبي مراهق منعزل اجتماعياً وغريب الأطوار يكافح صعوبات فترة المراهقة ويحاول التمسك ببرنامج تدريبي في مؤسسة «ستارك للصناعات»، والثاني عن إحدى أكثر الشخصيات شعبية في «مارفل سينماتيك يونيفيرس» أو عالم مارفل السينمائي وهي سبايدر مان.

العودة إلى الوطن قصد بها أن الشخصية عادت إلى عالمها الطبيعي بعد اتفاق «ديزني» و«سوني بكتشرز» على تقاسم الشخصيات، خصوصاً أن حقوق الشخصية اشترتها «سوني» قبل إطلاق عالم مارفل، وكذلك الحال بالنسبة لشخصيات «إكس من» المملوكة لـ20 سنشري فوكس.

حسناً فعل الفيلم عندما تجنب الدخول في جزئية أصل الشخصية التي اهترأت، وبدأ من حيث انتهى فيلم «كابتن أميركا: حرب أهلية» الذي كان بيتر باركر/‏‏‏‏‏الرجل العنكبوت (توم هولاند) يوثق أحداثه بهاتفه الذكي على شكل مذكرات فيديو. الرجل العنكبوت هنا صنع بدلته في المنزل وقرر محاربة الجريمة في الحي، وبذلك أصبح نجم «يوتيوب».

باركر لديه خالة ترعاه تُدعى ماي (ماريسا توماي) وصديق مقرب، لكنه مزعج اسمه نيد (جيكوب باتالون). باركر يتوه تماماً ويرتبك عندما يتعلق الأمر بالتعرف إلى فتاة، لكنه يخفي حباً لفتاة اسمها ليز (لورا هاريار) ويتجاهل من تحبه، وهي ميشيل (زندايا) وهي الأقرب إليه.

يظهر توني ستارك/‏‏‏‏‏آيرون مان (روبرت داوني جونيور) بين الفينة والأخرى ليعطي باركر بعض النصائح والإرشادات، خصوصاً أن الأول جند الثاني في فيلم «حرب أهلية» لينضم لفريق آفنجرز. ستارك يعطي باركر بدلة رجل عنكبوت مجهزة بأحدث تقنية تتحدث إليه كما نظام سيري في هواتف آي فون (بصوت جينيفر كونولي)، ويسلمه إلى رجل اسمه هابي (جون فافرو) ليكون مسؤولاً عنه لأن ستارك يظن أن باركر ليس مستعداً تماماً للانضمام لفريق آفنجرز.

على الجهة الأخرى وبعد معركة نيويورك (أحداث حرب أهلية) أسس ستارك والحكومة الفيدرالية وزارة «الحد من الأضرار»، ما تسبب في خسارة مالك شركة حفريات اسمه أدريان توومز (مايكل كيتون) عمله، فيقنع توومز زملاءه في الشركة بالحفاظ على تقنية شيتوري -التي وجدوها في الموقع الذي طردتهم منه الحكومة- لاستخدامها في أجندة إجرامية.

يمكننا القول إننا أصبنا بالتخمة من كثرة أفلام الأبطال الخارقين منذ بداية القرن 21، وهو سبب موجات التجديد التي تحدثنا عنها في بداية هذا الموضوع، كما يمكننا القول إن ستة أفلام لشخصية الرجل العنكبوت في 15 سنة، ثلاثة في العقد الماضي ومثلها في العقد الحالي أقرب إلى تخبط منه إلى إبداع.

قد يكون هذا الفيلم هو الأفضل منذ أفلام الرجل العنكبوت التي صنعها سام ريمي مع بطله توبي ماغواير في العقد الماضي، خصوصاً الفيلم الثاني عام 2004، وقصة إخفاق فيلم ريمي الثالث فنياً معروفة أنها بسبب تدخلات الاستوديو في رؤيته الفنية. ثم جاءت أفلام مارك ويب وبطله أندرو غارفيلد (2012-2014)، التي أصبحت درساً في كيفية تجنب صنع أفلام الرجل العنكبوت.

لكن دعونا ننظر إلى صيغة الفيلم بشقيها، هذا الفيلم هو الأقرب إلى المصدر الأصلي وهو القصص المصورة، وهو يضع بطلاً خارقاً في قالب أفلام مراهقين كتلك التي ازدهرت موجتها في ثمانينات القرن الماضي. الفيلم ينجح في شق الصبي المراهق المنعزل اجتماعياً، حيث إن البطل هولاند يظهر بوجهه الطفولي وصوته الرقيق جداً وسلوكه الخجول متناسقاً تماماً مع خط القصة هنا. لكن عندما يتحول إلى الشق الثاني وهو الرجل العنكبوت يُحدث خللاً شديداً في النبرة فيتحول إلى رجل عنكبوت أبله لا وزن له صوته مضحك بل صبي عنكبوت وليس رجلاً، وكل حركاته نحفظها عن ظهر قلب ولا يحاول استعراضها بشكل جديد، وربما السبب أن هولاند فاقد الكاريزما، ونقول ذلك رغم أن منتج الفيلم كيفن فايغي صرح بأن هولاند أفضل ممثل جسد الشخصية إلى اليوم. كل من شاهد الفيلم امتدح قدرة الفيلم على التأقلم في قالب أفلام المراهقين أو موجة «جون هيوز» كما تسمى، لكن دعونا نكون واقعيين، سام ريمي فعلها كذلك في العقد الماضي بطريقة أفضل من هذا الفيلم، وسنثبت ذلك: ألم يكن رجل العنكبوت مغرماً بميري جين (كريستين دنست) في ذلك الفيلم، وكلاهما مراهق؟

هل نسي الناس تلك اللقطة الأيقونية التي يظهر فيها الرجل العنكبوت متدلياـً بقدميه منقلباً رأساً على عقب في مشهد حواري رائع مع ميري جين تحت المطر؟ وهي لقطة تنشر في كل صحيفة أو مجلة أو موقع إلكتروني يتحدث عن أفلام الرجل العنكبوت.

الفيلم لا يحتوي لقطة واحدة ترسخ في الذاكرة، ولمن يقول إن لقطة تسلق الرجل العنكبوت النصب التذكاري في واشنطن كانت الأفضل، فإننا نقول إن إيثان هانت (توم كروز) تسلق برج خليفة بشكل أروع وحابس للأنفاس في فيلم «بروتوكول الشبح»، دون مؤثرات خاصة. يوظف الفيلم مفاجأة مبتذلة حيث يظهر شرير الفيلم كيتون في مكان لا يتوقع باركر أن يراه فيه، وهو مشهد رخيص كأنه مستلهم من مسلسل مكسيكي أو تركي يدعو إلى الضحك من شدة سخافته! من لمسات الفيلم التجديدية البدلة الإلكترونية التي يعطيها ستارك لباركر وهي شبيهة جداً ببدلة آيرون مان، نعم نقول لمسة تجديد جيدة ومواكبة للتطور التقني لكنها ضيعت عاملاً يمتاز به صبي العنكبوت وهو سعة الحيلة! فهو معتمد عليها تماماً، وبالتالي لو خلعها فإن أي صبي آخر يستطيع ارتداءها وتقمص الدور نفسه! (ربما على ستارك تحديثها بخاصية كلمة المرور في الفيلم المقبل)! بكلمات أخرى، الفيلم لا يوضح حدود قدرات الرجل العنكبوت دون بدلته، وإذا استغنى عنها هل سيفقد بعض قوته؟ كيتون جسد شرير الفيلم بصورة رائعة رغم قلة المشاهد، وهو بذلك يعود إلى عالم أفلام القصص المصورة (كوميكس)، الذي دخله عام 1989 عندما جسد شخصية باتمان (الرجل الوطواط)، الطريف أن كيتون عاد في هذا الفيلم بشخصية تطير مستخدمة جناحين، وكانت عودته إلى السينما بقوة عام 2014 بعد ركود طويل من خلال شخصية بيردمان أو الرجل الطير.

الأكثر مشاركة