يعزّز الدراما.. ويهمّش «الأكشن»

«الحرب من أجل كوكب القردة».. أفضل أفلام الثلاثية على الإطلاق

صورة

ذكرنا في مرات سابقة أن هوليوود تعيش حالة استثنائية في هذا العقد، تميزت بالإفلاس الفكري الشديد، وكانت أفلام هذا الصيف خير دليل على ذلك لشدة ردائتها، من «حراس المجرة 2»، الغارق في التكرار، إلى خيوط «رجل العنكبوت» البالية الباعثة على النوم، وكل ما بينهما رديء، ما عدا «ووندر وومان».

الثالث والأخير

الفيلم هو الجزء الثالث والأخير من الثلاثية الجديدة، التي انطلقت في بداية العقد مع «نهوض كوكب القردة»، متبوعاً بـ«فجر كوكب القردة» في 2014، وهذا الفيلم، والثلاثية الجديدة تمثل أحداثاً تسبق السلسلة الأولى، التي انطلقت عام 1968 من بطولة تشارلتون هستون، واستمرت حتى أول السبعينات، ثم أعيد صنع الفيلم عام 2001.


هو فيلم مجدّد بشكل مبهر ورائع، ولو أن عملية التجديد تناقض تماماً كل سمات السينما العصرية.

كل الأفلام المعنية في الفقرة السابقة تدخل ضمن تسمية «بلوكباستر»، أي أفلام حدثية ذات ميزانيات ضخمة، صارت سمة هذا العقد وسمة للصيف منذ أربعة عقود. بكلمات أبسط، هي أفلام عن حدث واحد بسيط، وكل ما نراه ردات أفعال الشخصيات على الحدث، مع مزيج من الدمار ومشاهد «أكشن» سريعة وضجيج. مع تكرار هذه المعادلة اهترأت سينما «البلوكباستر»، وأخفقت مجموعة أفلام كان أهمها «المومياء» فنياً، و«الملك آرثر» فنياً وتجارياً، و«المتحولون» الأردئ، الذي شهد انخفاضاً شديداً في عائداته مقارنة بالأجزاء السابقة.

هذا معناه أننا بحاجة إلى عملية تجديد، وهي كما ذكرنا سابقاً، إخراج الشخصيات من القالب الذي اعتدنا مشاهدتها فيه في الصنف ذاته، ووضعها في قالب جديد، مثل إخراج «لوغان» من قالب الأبطال الخارقين، ووضعه في قالب (ويسترن) أي رعاة البقر، وهو ما حدث مع «ووندر وومان» في قالب تاريخي، و«سبايدر مان» في قالب أفلام المراهقين، ولو أن الأخير عولج درامياً بشكل سيئ.

فيلم اليوم هو أيضاً «بلوكباستر» War for the Planet of the Apes أو «الحرب من أجل كوكب القردة»، وهو فيلم مجدّد بشكل مبهر ورائع، ولو أن عملية التجديد تناقض تماماً كل سمات السينما العصرية، وسنفصّل هذه النقطة لاحقاً.

الفيلم هو الجزء الثالث والأخير من الثلاثية الجديدة، التي انطلقت في بداية العقد مع «نهوض كوكب القردة»، متبوعاً بـ«فجر كوكب القردة» في 2014، وهذا الفيلم، والثلاثية الجديدة تمثل أحداثاً تسبق السلسلة الأولى، التي انطلقت عام 1968 من بطولة تشارلتون هستون، واستمرت حتى أول السبعينات، ثم أعيد صنع الفيلم عام 2001.

نرى القرد الذكي سيزار (أندي سيركيس) وعشيرته تخوض حرباً ضد قاعدة عسكرية بشرية تُسمى (ألفا أوميغا). بينما تختبئ عشيرة القردة في غابة يعرض سيزار السلام على البشر لو تخلوا عن فكرة الإغارة على القردة وقتلها.

تزداد الأمور تعقيداً عندما تنضم قردة عدة إلى القاعدة العسكرية، بعد تشكيكها في أسلوب قيادة سيزار للقردة، وخوفها من ملاحقته لها وقتلها، لاعتبارها منشقة خائنة. يعلم سيزار أن (ألفا أوميغا) يديرها كولونيل غامض وقاسي القلب (وودي هاريلسون)، فيقرر نقل القردة إلى صحراء مجاورة اتقاء لشر الكولونيل، خصوصاً أن أحداث سان فرانسيسكو

(قصة الجزء السابق) مازالت في الذاكرة.

قبل الخروج بيوم واحد، يشن رجال (ألفا أوميغا) هجوماً على القردة، ما يسفر عن مقتل زوجة سيزار كورنيليا وابنه الأكبر بلو آيز، ولم يبق من عائلة سيزار أحد سوى ابنه الأصغر كورنيليوس. يترك سيزار ابنه في رعاية صديق، ويقرر الذهاب لمواجهة الكولونيل.

عودة إلى عملية التجديد التي تناقض سمات سينما القرن 21 المعتمدة على المؤثرات الخاصة، ورقمنة السيناريو، أي بجعله أقرب إلى لعبة فيديو، كما حدث في «الملك آرثر»

و«المتحولون»، فإن عملية التجديد في هذا الفيلم عادت إلى أساسات الصناعة عن طريق تعزيز العوامل التالية:

الأول، تقليل الحوارات قدر الإمكان، وإفساح المجال للكاميرا والموسيقى للمشاركة في سرد القصة. وما ساعد على ذلك هو أن معظم الشخصيات قردة تتحدث بلغة الإشارة، والقصة تروى من وجهة نظرها.

الثاني، تعزيز الدراما، وإلغاء مشاهد (الأكشن) بشكل شبه كامل، حيث لم يكن هناك سوى مشهدان لمعركتي الافتتاح والنهاية.

الثالث، مزج قالبي الويسترن والدراما السياسية بشكل متقن وآسر، وهي صيغة كانت واردة أيام ازدهار سينما (الويسترن الرومانسي)، تحت إدارة الأسطورة جون فورد في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، وعودتها مرة أخرى بقوة في صيغة جديدة آخر الستينات (ويسترن ظلامي) على يد الراحل سام بينكباه.

العوامل الثلاثة كلها كانت سائدة في السينما منذ فجر تاريخها إلى عام 2000، عندما دخل الكمبيوتر والمؤثرات الخاصة وغيرا وجه صناعة الأفلام. وهذه دلالة على أن التخلي عن الصيغ السينمائية السابقة بحجة أن جمهور القرن 21 لا يقبل عليها «ادعاء خاطئ»، فهي جوهر هذا الفن وأساسه.

لا يخلو الفيلم من إشارات إلى أفلام حربية مثل «بلاتوون»، و«الجسر على نهر كواي»، و«القيامة الآن» والكولونيل نفسه، إشارة واضحة جداً إلى الممثل الراحل مارلون براندو، خصوصاً في مشهده الافتتاحي.

المخرج مات ريفز وهو مخرج الجزء السابق، وأيضاً هو الرجل الذي جدّد سينما اللقطات المكتشفة، من خلال فيلم «كلوفرفيلد» عام 2008 أبدع بشدة، من خلال المشاركة في كتابة وإخراج هذا الفيلم الغني متعدد الطبقات. ريفز وازن بحذر بيّن نبرتي الفيلم الجادة والكوميدية بطغيان الأولى، وإدخال الثانية في اللحظات الملائمة دون التعمق فيها.

ريفز كذلك برع كثيراً في تغيير النبرة مرات عدة في مشهد واحد، وهي عملية صعبة ودقيقة لا تحدث إلا تحت إدارة مخرج متمكن من أدواته، خصوصاً طريقة إدخال الموسيقى على المشهد (تاريخياً برع فيها الراحل ويليام وايلر في فيلمي الرسالة 1940، والثعالب الصغيرة 1941). تميز الفيلم بموسيقى جميلة من تأليف مايكل غياتشينو قلما وجدنا مثلها في (بلوكباستر)، أي أنها عامل مكمل للفيلم، وليست مجرد إضافة.

المؤثرات الخاصة رائعة ومتقنة وأسهمت في إعطاء شخصيات القردة استقلالية كاملة، فالمشاهد سينظر إليها كقردة ذكية (كيانات مستقلة)، وليس بشراً تم تحويلهم إلى قردة بالكمبيوتر.

تنضم إلى القردة فتاة صامتة تُسمى نوفا (أميا ميلر) بسبب إصابتها بفيروس، وترافق القردة في الرحلة لمواجهة الكولونيل. الفتاة انسجمت تماماً مع القردة، لأنها لا تتحدث وهي سمة القردة، ولو كانت ناطقة لأفسدت جزئية كبيرة من الفيلم. من جهة أخرى، فإن مشهد مرافقة الفتاة للقردة يذكر برائعة الويسترن الشهير True Grit (عزم حقيقي) عام 1969، مع اختلاف الدوافع بين الفتاتين في الفيلمين.

احتوى الفيلم على إسقاطات سياسية، وإشارات إلى ويلات الحروب، وموضوع العنصرية، والسور الفاصل بين مجتمعين، ودناءة الانتقام أخلاقياً، وأهمية التضحية لتحقيق هدف الجماعة. شخصية الكولونيل بدأت غامضة وتحولت إلى شرسة في منتصف الفيلم، ثم في المشهد الحواري الوحيد الذي حظي به هاريلسون شرح دوافع الشخصية، بكلمات أخرى، هذا الفيلم لم يضع مشهداً واحداً في حوار سخيف، كما جرت العادة.

تصل ديناميكية القصة إلى مستوى يعكس أن البشر المحتقرين للقردة، حتى لو تفوقوا سيادياً عليها، فإنهم أقل من القردة أخلاقياً وفكرياً. الفيلم يحوي نهاية قوية ومؤثرة وإحدى أقوى النهايات في ثلاثية (بلوكباستر) في التاريخ، وهو مشهد ينظر فيه سيزار إلى الأفق وهو منهك من قسوة الظروف، نظرة تحفر لها مكاناً في الذاكرة لشخصية كافحت في ملحمة، من أجل بقاء عشيرتها. هذا الفيلم تحفة كلاسيكية سيكون حتماً على قائمة أفضل أفلام العام، وهو رائع ويستحق المشاهدة.

تويتر