يوظف الضوء والظلام في رسم كل مشهد
«صناعة أنابيل».. المدرسة القديمة تهيمن على سينما الرعب الحديثة
من أطرف ما حدث في هوليوود هذا العام أن استوديوهات يونيفرسال التي أعلنت - بكل ثقة - إطلاق عالمها الخاص باسم «العالم المظلم»، صُدمت بسقوط فيلم الافتتاح «المومياء» في شباك التذاكر الأميركي، رغم وجود النجم توم كروز في بطولته.
سؤال محيّر يبقى سؤال محيّر: لماذا دعا مولينز الراهبة شارلوت والأطفال اليتامى للإقامة في منزله وهو يعلم أنه مسكون، وأن هناك احتمالات كبيرة لتعرضهم لأذى، خصوصاً أنه نفسه قد حبس الدمية المسكونة؟ رغم ذلك فقد أعاد التاريخ نفسه ثلاث مرات في سينما الرعب الحديثة، إذ تفوقت ثلاثة أفلام هي أجزاء تالية على نظيراتها الأصلية: «ذا كونجورينغ 2» تفوق على الأول، و«ويجا.. أصل الشر» تفوق على سابقه، واليوم «صناعة أنابيل» تفوق على جزئه السابق. أنابيل الدمية جامدة طوال الفيلم لكن رغم ذلك فهي مخيفة أكثر من نظيرتها تشاكي. المخرج نجح في مخالفة التوقعات بأجزاء كثيرة وألغى لحظات الإفزاع المزيفة. |
الطرافة أن «يونيفرسال» خططت، ثم أعلنت، وانهار كل شيء أمامها. من جهة أخرى، تأتي «وورنر بروس» بفيلم Annabelle: Creation أو «صناعة أنابيل» الذي يعد الفيلم الرابع في سلسلة أفلام The Conjuring التي انطلقت عام 2013، ليأخذ مكانه الطبيعي بكل سلاسة ويشكل عنصراً مكملاً لعالم سينمائي ربما بتخطيط لكن دون إعلان. المتتبع لأخبار هذا الفيلم سيجد أن «وورنر» خططت لصنع فيلم لكل شخصية برزت بقوة في تلك السلسلة، وبعد «أنابيل» هناك خطة لطرح فيلم «الراهبة» الصيف المقبل، وما الراهبة سوى الشيطان المرعب فالاك الذي ظهر في الجزء الثاني من «ذا كونجورينغ».
قصة الدمية
فيلم «صناعة أنابيل» عن قصة الدمية التي ظهرت في «ذا كونجورينغ» في الصندوق الزجاجي، حيث يحتفظ بها الزوجان إد ولورين وورين كتذكار من قضية استحضار أرواح شريرة (أحداث حقيقية وقعت في سبعينات القرن الماضي). وكان هناك «أنابيل» عام 2014 الذي حقق نجاحاً تجارياً ضخماً من ميزانية منخفضة بلغت ستة ملايين دولار.
«أنابيل» كان فرعاً من «ذا كونجورينغ» أكثر من مقدمة وفيه إشارة إلى الزوجين وورين، دون الربط المباشر مع السلسلة الأم، لكن «صناعة أنابيل» يروي قصة الدمية، وتقع أحداثه في أربعينات/ خمسينات القرن الماضي، ونهايته هي المشهد الأول من فيلم «أنابيل» السابق؛ أي إن الدائرة تكتمل بالربط المباشر. بكلمات أخرى ليس جزءاً تالياً إنما أحداث ما قبل البداية.
عام 1943 يفقد صانع الدمى ساميول مولينز (آنثوني لاباليا) وزوجته إيسثر (ميراندا أوتو) ابنتهما ذات الأعوام الخمسة أنابيل نتيجة حادث سيارة، وبعد 12 عاماً في 1955 يفتح الزوجان بيتهما ليؤويا راهبة تدعى شارلوت (ستيفاني سيغمان) وست فتيات بعد إغلاق مأوى الأيتام الذي كن مقيمات فيه.
في الليلة الأولى تخرج جانيس (تاليثا بيتمان) وهي فتاة يتيمة مصابة بشلل الأطفال من غرفتها على عكاز، وتدخل غرفة ابنة مولينز المتوفاة التي فتحت بطريقة غامضة، رغم تحذير مولينز للفتيات بتجنب تلك الغرفة، لكن دون فضول جانيس لا يتأسس الفيلم، وتدخل الأخيرة الغرفة المحرمة، وفيها تجد دولاباً تفتحه لتجد دمية تجلس داخله، وبمجرد فتح الدولاب يخرج الكيان الشرير لينقض على الفتيات. يتضح في ما بعد (ولا نقصد إفساد مفاجأة هنا بل هذه الجزئية مكررة في كل أفلام الرعب الحديثة)، أن الزوجين مولينز جلبا شيطاناً خطأ عندما حاولا الاتصال بروح ابنتهما، وهذا بالضبط ما يحدث في كل أفلام «إنسيدياس».
لا مقارنة
لا تصح مقارنة «ذا كونجورينغ» بـ«أنابيل»، كما لا تصح المقارنة بين فيلم «العراب» و«القداس الأسود» مثلاً، فالأول في الحالتين ملحمي، والثاني متوسط المستوى متأثر بالأول.
المخرج السويدي ديفيد ساندبيرغ (أخرج لايتس آوت نهاية صيف العام الماضي محققاً نجاحاً غير متوقع دون حملة إعلانية) اعتمد على التكتيكات نفسها لرائد سينما الرعب الحديثة الأسترالي جيمس وان، ببناء المشهد تدريجياً قبل إطلاق المفاجأة.
ساندبيرغ المتأثر بوان اعتمد على منهج المدرسة القديمة، أو العودة إلى الأساسيات بتوظيف النقيضين: الضوء والظلام في رسم كل مشهد، وهي الفكرة الأساسية لفيلم «لايتس آوت»، وقد كان منهج المدرسة القديمة هذا سبباً رئيساً لنهضة سينما الرعب الحديثة منذ عام 2010 بعد أن ركدت في التسعينات وعقد الألفية الجديدة.
ساندبيرغ يرسم كل مشهد بعناية ودقة؛ فيضع جانيس مثلاً في الطرف السفلي الأيسر من إطار الصورة، ويملأ المساحة المتبقية بظلام دامس، هذا التكتيك يضفي رهبة شديدة على المشهد، ويضع المشاهد في الموقف نفسه مع الشخصية، فعينا أي مشاهد لن تركز على ما تفعله الشخصية، وإنما ستذهب إلى الظلام لتتفحصه، وهذا ما يريد ساندبيرغ أن يحققه. الظلام بالنسبة لأي إنسان هو المجهول، وهو يخشى ما لا يعرفه، فلا نعرف ما الذي يقع وراءه ولا نريد أن نعرف، نريد فقط الابتعاد عنه والبحث عن أقرب بقعة ضوء. ساندبيرغ يدرك هذه الرغبة البشرية في الهروب من الظلام فيضع المشاهد فيه لإحداث التوتر والقلق في قلبه. يكرر ساندبيرغ العملية في كل مشهد تقريباً مع جانيس وغيرها لكن بطرق مختلفة وبدرجات ظلام متفاوتة، وعندما تكون هناك بقعة ضوء خافتة في الخلفية يحرك ساندبيرغ عناصر معينة بإحداث حركة خفيفة يعلم هو تماماً أن عين المشاهد تتبعها، ولا تركز على ما يحدث في مركز الإطار مع الشخصية الرئيسة.
هناك هدوء شديد مصاحب للظلام، براعة ساندبيرغ تتركز في تحويل الهدوء من عامل استرخاء إلى عامل توتر، فكلما كان هناك هدوء وشخصية قريبة من بقعة مظلمة، أراد المشاهد أن يخرج مع الشخصية إلى أقرب مكان به حركة بشر تفادياً لأي مفاجأة.
لا جديد
ساندبيرغ ليس بارعاً هذه المرة في إضافة جديد إلى الصنف، كما فعل في «لايتس آوت»، فكل تركيزه على صنع تفاصيل المشهد أكثر من التركيز على رسم شخصيات الكيانات الشيطانية. وان مثلاً ربط فيلم «إنسيدياس» بذلك الشيطان المرعب ذي الوجه الأحمر، وربط «ذا كونجورينغ» بشخصيات مرعبة كان أبرزها الشيطان فالاك في ملابس راهبة.
أنابيل الدمية جامدة طوال الفيلم لكن رغم ذلك فهي مخيفة أكثر من نظيرتها تشاكي، تلك الدمية المسكونة التي تطارد وتذبح البشر في سلسلة أفلام «تشايلدز بلاي». أما بقية شخصياته في هذا الفيلم فهي نسخ كربونية من شخصيات وان.
رغم عدم تمكن ساندبيرغ من تجنب كليشيهات الرعب الشهيرة (سيارة تتعطل فجأة عند محاولة شخصية تشغيلها للهروب أو أبواب تغلق فجأة بعد دخول شخصية إلى غرفة) فإنه نجح في مخالفة التوقعات في أجزاء كثيرة من الفيلم، بالإضافة إلى إلغاء لحظات الإفزاع المزيفة أو الرخيصة ووضع مشاهد إفزاع كلها أصلية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news