«جريمة قتل في أورينت إكسبريس».. كاريزما المحقق تطغى على الغموض

كينيث برانا ممثل وصانع أفلام بريطاني متأثر جداً بمسرحيات ويليام شكسبير، التي نقل بعضها إلى السينما بنجاح. وتأثير شكسبير ظاهر في معظم أفلامه الأخرى.

برانا يضيف إلى سيرته الذاتية فيلماً جديداً من بطولته وإخراجه:Murder On the Orient Express، أو «جريمة قتل في أورينت إكسبريس»، والمقصود القطار السريع الذي كان يربط بين تركيا ولندن في ثلاثينات القرن الماضي.

الأجواء الشكسبيرية

استخدم برانا فيلم 65 مم، وهي الطريقة التي تم بها تصوير فيلم «دنكيرك»، والغرابة أن معظم لقطات الفيلم داخلية، رغم أن هذا النوع مفضل للتصوير الخارجي، وهو الأسلوب نفسه الذي صور به برانا فيلم «هامليت» عام 1996. الأجواء الشكسبيرية ربما تنفع مع فيلم برانا السابق «سندريلا» أو اقتباسات المسرحيات، لكنها لا تنسجم دائماً مع أجواء تحقيق في جريمة قتل.

1934

العام الذي نُشرت فيه رواية أغاثا كريستي التي اقتُبس عنها الفيلم.

1974

السنة التي ظهر فيها اقتباس سيدني لوميت للرواية.

الفيلم مقتبس من رواية الكاتبة البريطانية البوليسية الشهيرة، أغاثا كريستي، المنشورة عام 1934. هذا الاقتباس السينمائي الثاني للرواية بعد نسخة سيدني لوميت الكلاسيكية عام 1974، والرابع لو احتسبنا الحلقات التلفزيونية، وبما أن هذا الاقتباس سينمائي فسنكتفي بمقارنته مع نسخة لوميت لاحقاً في هذه القراءة.

يبدأ الفيلم من عند ما يُسمى بحائط المبكى في القدس، ونرى بطل القصة، المحقق البلجيكي الشهير هيركيول بوارو (كينيث برانا)، يستعرض مهاراته في حل جريمة سرقة قطعة أثرية ارتكبها ثلاثة رجال دين من الديانات السماوية الثلاث. بعدها يركب بوارو السفينة إلى إسطنبول التركية، ومنها يركب القطار المتجه إلى لندن حيث تم استدعاؤه.

يقرر بوارو أخذ استراحة على متن القطار، وعندما يتم قتل أحد الركاب تتحول الرحلة إلى إحدى أكثر الجرائم تعقيداً عند بوارو الذي يبدأ تحقيقه عندما يتوقف القطار جراء انهيار ثلجي.

كما الفيلم السابق، يستجوب بوارو المسافرين، ويربط الخيوط ببعضها بعضاً من إجاباتهم إلى أن يتوصل إلى القاتل. الشخصيات التي يستجوبها بوارو هي المبشرة بيلار إسترافادوس (بينيلوبي كروز- وفي الفيلم السابق كانت النجمة السويدية الراحلة إنغريد بيرغمان)، البروفيسور النمساوي العنصري غيرهارد هاردمان (ويليم دافوه)، كارولين هابارد (ميشيل فايفر في الدور السابق للنجمة الأميركية الراحلة لورين باكول)، ميري دبنهام (البريطانية ديزي ريدلي في الدور السابق لمواطنتها فانيسا ريدغريف)، الأميرة الروسية دراغوميروف (جودي دينش في الدور السابق للراحلة ويندي هيلر)، ومساعدة الأميرة شميدت (أوليفيا كولمان في الدور السابق للراحلة ريتشيل روبيرتس).

جوني ديب في دور رجل الأعمال راتشيت (سابقاً كان ريتشارد ويدمارك)، ومساعده مكوين (جوش غاد في الدور السابق لأنثوني بيركنز)، والكونتيسة إلينا أندرينيه (لوسي بوينتون في الدور السابق لجاكلين بيسيت). وليزلي أودوم في دور جديد بدل شون كونيري في الفيلم السابق، وبالطبع برانا هنا مكان مواطنه ألبرت فيني.

قرار شجاع

جدّد برانا بعض الأدوار بما يجعل هذه النسخة تتناسب أكثر لجمهور اليوم، وذلك بإدخال شخصيات من أصول إفريقية ولاتينية لم تكن موجودة في نسخة لوميت الواقعية في السبعينات. بالإضافة إلى ذلك أخذ برانا استقلالية كاملة في الأسلوب والتصوير والإخراج وحتى السيناريو، ليعطي الفيلم شخصيته المستقلة، وهو قرار شجاع كون فيلم لوميت كلاسيكياً بكل المقاييس، إلا أن برانا لم يتمكن من التفوق على نسخة 1974 ولا حتى مضاهاتها.

أعطى برانا الفيلم لمسات شكسبيرية تمثلت في أداء أقرب إلى مسرحي أو استعراضي، خصوصاً في المشاهد الأخيرة، بينما نسخة لوميت الكلاسيكية التزمت الواقعية.

برانا أعطى بوارو سمات غريبة الأطوار، وجعله مهووساً بالسيطرة، وكانت سمات جيدة لكنها وضعت في إطار كوميدي أكثر من نفسي، ربما كانت في الرواية الأصلية ولم يستخدمها لوميت الذي تمتع نصه بحوارات جيدة جداً افتقدها برانا.

أدخل برانا لحظات تشويقية ومطاردة حول القطار المتوقف وسط الانهيار الثلجي، لكنها ظهرت مقحمة أكثر من طبيعية، بينما اكتفى لوميت بحوارات مدعومة بلقطات استرجاعية، ولم يخرج من القطار، ونتيجة لذلك كان سلساً أكثر من برانا. تفوُّق برانا على لوميت كان شكلياً فقط، وتمثل في التصوير واختيار زوايا الكاميرا لإبراز تفاصيل المكان الضيق أصلاً.

هذا النوع من الأفلام يعتمد على مركزية القصة في دفع الأحداث، أي أن التطورات تحدث فقط عند العثور على أدلة الجريمة وليس بقرارات الشخصيات.

الفيلمان يعتمدان كذلك على مفاجأة المشهد الأخير الذي يواجه فيه بوارو المسافرين، ويراجع إجاباتهم عن أسئلته ليكشف الصادق من الكاذب منهم، وتالياً يكشف القاتل ومعاونيه، وهنا في هذه النقطة تحديداً تفوّق لوميت وأخفق برانا بشدة، إذ لم يتردد الأول في إعادة بناء مشهد الجريمة كاملاً بكل تفاصيله حتى لو تخطى الفيلم الساعتين، بينما اختار برانا وضع المشهد الأهم في إطار قالب ميلودرامي مسرحي أضعفه كثيراً ونزع عنه الواقعية وأدخله في أجواء شكسبيرية لا تنسجم مع جو المشهد.

إضافة إلى ذلك؛ فإن إعادة بناء برانا لمشهده الأخير ضعيفة، وبعثرت تفاصيل مهمة، ولم تكشف بوضوح علاقة كل شخصية بالضحية، ولم تشرح الدوافع بشكل وافٍ، وربما هذا ما فطن إليه لوميت منذ أربعة عقود، فلجأ إلى إعادة المشهد بتفاصيله كي لا يضيع شيء.

تركيز برانا في المشهد الأخير كان على جانب واحد، وهو كاريزما المحقق، وعلى حساب كشف الغموض وهو الأهم، مشهد جلوس كل الشخصيات في نفق على طاولة كأنهم مدعوون على عشاء، ووقوف المحقق أمامهم كان مسرحياً استعراضياً لأسباب فنية تتعلق بالتصوير.

عن الأداء

من ناحية الأداء ربما يكفينا أن نقول: إن فيلم لوميت حاز ستة ترشيحات أوسكار، كان اثنان منها للأداء، خصوصاً أداء ألبرت فيني الاستثنائي (أداء برانا جيد لكن لا يضاهي تمثيل مواطنه)، والسويدية بيرغمان التي فازت بأوسكار أفضل ممثلة في دور مساعد.

ولعلنا نذكر هنا كيف صُدم عشاق السينما عام 1975 بفوز بيرغمان عن دور مؤلف من ثلاث لقطات فقط، بينما لم يفز فيني الذي ظهر في 90% من لقطات الفيلم. ومنذ ذلك الحين أُطلق عليها لقب النجمة التي فازت بثلاث جوائز أوسكار عن أفلامها الخطأ أو الأقل أهمية.

بشكل عام، فيلم لوميت يمهّد جيداً ويحافظ على مستوى التشويق حتى النهاية، بينما فيلم برانا يبدأ جيداً لكنه يتباطأ ويفقد الزخم بحلول النهاية. هذا الاقتباس لم يكن ضرورياً، خصوصاً أن التغييرات طفيفة وضعيفة، لكن الفيلم أشار صراحة إلى جزء ثانٍ، وهو ما أكده برانا في حال نجح هذا الفيلم.

 

الأكثر مشاركة