«كينغز».. بداية واعدة تصطدم بمعالجة ركيكة ورومانسية مفتعلة
فيلم Kings يبدأ بصورة صادمة وواعدة قبل أن يتشعب ويضيع في طرق جانبية لا تمت للمنطق بصلة. الفيلم يستمد اسمه من رودني كينغ، الأميركي من أصل إفريقي الذي تعرّض لضرب مبرح من قبل أفراد شرطة لوس أنجلوس عام 1991، وكذلك من المناضل مارتن لوثر كينغ دون ذكر اسم الأخير.
فيلم لا يستحق وقتكم الثمين بيري طوال الفيلم تفعل التالي: إما تحضّر الطعام وتنادي الصبية لتناوله، أو تضع يدها على وجهها وتقول بانفعال شديد: «يا إلهي»! لا يوجد شيء مقنع في هذا الفيلم رغم واقعيته، وحتى أفلام الأبطال الخارقين الخرافية مقنعة أكثر منه. حتى لو كان هذا الفيلم الوحيد المعروض في الصالات، فننصح بالانصراف عنه، هذا فيلم ركيك ولا يستحق وقتكم الثمين.
90 دقيقة فقط، مدة الفيلم الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان تورنتو السينمائي العام الماضي. |
الفيلم يوظّف سياق قصتين حقيقيتين عن العنصرية. القصة الأولى عن فتاة مراهقة من أصل إفريقي تدخل محل بقالة مملوك لكورية، تأخذ عصير برتقال، وتضعه في جيبها ثم تتجه حيث الدفع والنقود في يدها.
تتهم المرأة الكورية المراهقة بالسرقة وتمد يدها وتمسكها من قميصها وتشدها إليها، تدافع الفتاة عن نفسها وتلكم المرأة الكورية التي تخرج مسدساً وتطلق رصاصة على رأس الفتاة من الخلف وهي تهم بالخروج فتقتلها. تلك كانت واقعة مقتل المواطنة الأميركية ذات الـ15 عاماً لاتاشا هارلنز في 16 مارس عام 1991.
تحكم قاضية على المرأة الكورية بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ، فتخرج حرة. يثور المجتمع الإفريقي في أميركا على حكم القاضية البيضاء، ويتهم الدولة بالعنصرية.
القصة الثانية حدثت قبل الأولى بأسبوعين؛ أي في الثالث من مارس من العام نفسه، عندما أوقفت الشرطة سائق التاكسي رودني كينغ بسبب تجاوزه السرعة وأبرحه أربعة ضباط ضرباً. صور أحد سكان الحي الواقعة وأرسل الشريط إلى قناة إخبارية، ما تسبب في فضيحة لشرطة لوس أنجلوس. ألقي القبض على الضباط وأحيلوا إلى المحاكمة لكن تمت تبرئتهم، وهو ما تسبب في احتجاجات وأحداث شغب يوم 29 أبريل عام 1992.
كل هذه القصص
ما نشاهده في «كينغز» قصة أمّ من أصول إفريقية تُدعى ميلي (هالي بيري - حائزة جائزة أوسكار أفضل ممثلة لعام 2001 عن فيلمMonster’s Ball). تعيش في منزلها الذي ترعى فيه ثمانية أطفال من عرقها، وجارها رجل إنجليزي أبيض يُدعى أوبي (جيمس بوند أو عفواً.. دانيال كريغ)، وأما خلفية قصة ميلي فهي محاكمة الضباط الأربعة ثم تبرئتهم التي فجرت أحداث الشغب ونشاهدها من خلال صور تقارير إخبارية أرشيفية.
هذا الفيلم، الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان تورنتو السينمائي العام الماضي، هو الأول باللغة الإنجليزية للمخرجة التركية - الفرنسية دينيز غامزي إرغوفين، التي أخرجت الفيلم التركي Mustang المترشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي لعام 2015، لكن «كينغز» متخبط مشتت بين لقطات أرشيفية وقصص حب غير مقنعة.
هناك قصتا حب، الأولى ثلاثية بين صبيين وفتاة، والثانية بين نجمي الفيلم بيري وكريغ، وهما مقيدان إلى عمود إنارة، هناك أيضاً قصة مراهقين يستكشفون حياتهم الرجولية الجديدة، وينفذون عمليات نهب في ظل أحداث الشغب، وقصة رابعة عن ميلي وحياتها مع الصبية الثمانية، السؤال: أين نركز وسط كل هذه القصص؟
شخصية كريغ لا معنى لها، فهو يظهر غاضباً في البداية، ويطلق رصاصاً في الهواء ويهدد جارته وعائلتها الممتدة، ثم نراها تنظر إليه نظرات رومانسية وتحلم بدخوله إلى حياتها، ويتحقق حلمها عندما يراها مصادفة في الشارع بعد أن أطلقت الشرطة سراحها بعد توقيف مؤقت، فتركب معه السيارة!
دور شوارعي
حقيقة، ما الذي أحضر جيمس بوند إلى هذا الفيلم؟ كريغ مهما ظهر في دور شوارعي فهو لن يمحي بسهولة صورة العميل السري البريطاني جيمس بوند، التي تقمصها أربع مرات منذ 2006 والخامسة العام المقبل.
بيري لا تبدو كامرأة من أصول إفريقية تأوي صبية في منزلها، وتعاني عنصرية المجتمع، لكنها في الحقيقة نجمة سينمائية هي الأخرى ووجهها ظهر جميلاً في الفيلم وجسمها متناسق وأساساً هي لا تصلح للدور لأنها خليط بين العرقين الأبيض والإفريقي، وملامحها آسيوية من شبه القارة الهندية، ربما ووبي غولدبيرغ ستكون مقنعة أكثر.
في النصف ساعة الأولى من هذا الفيلم الممتد لـ90 دقيقة فقط، تظهر بيري ورفيقها كريغ في لقطتين أو ثلاث، ثم يختفيان تماماً ويتم التركيز على الصبية، ثم بعد ذلك يعود النجمان لتقاسم الشاشة، ويبدو لنا أن إرغوفين لم تكن حاضرة في غرفة المونتاج مع المونتير، وتركت الحبل على غاربه.
في فن المونتاج هناك تكتيك معين عادة لا يكتب في السيناريو، يضع فيه المخرج أو المونتير لو كان بارعاً ويفهم مخرجه، لقطات صامتة لبطل الفيلم وهو يفعل شيئاً ما في المواضع التي يعلم أن التركيز سينتقل فيها بشكل كامل إلى جزئيات أخرى، والغرض منها عدم تغييب البطل عن الذهن بشكل كامل فينساه المشاهد، ويظهر لنا أن إرغوفين لا تفهم هذا التكتيك.
تجربة أداء
تجاه نهاية الفيلم مشهد غاية في الركاكة عندما تركب ميلي السيارة مع أوبي ويذهبان لإقناع الصبية بعدم المشاركة في نهب أحد المتاجر في فوضى الشغب. في المشهد يشهر شرطي مسدسه في وجه ميلي وأوبي ويقول: «أنتما بالضبط ما كنت أحاربه طوال حياتي، لدي شارة شرطي وألبس بدلة عسكرية، وسأضعكما في السجن».
سؤال: هل يقصد الشرطي أنه أمضى حياته يحارب رجلاً أبيض وامرأة من أصول إفريقية يلبسان ثياباً عادية ويشبهان نجمين سينمائيين؛ أحدهما جيمس بوند! ويحاولان إيقاف مجموعة صبية من التعرض لمتاعب؟
دعونا نتجاوز هذه النقطة على أساس أنه لم يعلم بنيتهما، وشاهد «الكلبشات» في يد ميلي؛ فاشتبه في أنها هاربة، لكن نريد طرح سؤال آخر: أي نوع من رجال الشرطة يرتدي شارة ويلبس بدلة عسكرية ويعلن أنه يفعل ذلك كما يظهر على الشاشة، ثم يقول سأضعكما في السجن؟ أليست تلك بديهة، وإن هذا ما يرتديه رجال الشرطة؟ ثم هل هو بحاجة لقول إنه سيضعهما في السجن؟ نحن نعلم يقيناً أنه رجل قانون وليس طباخاً ولا راقصاً في سيرك!
سؤال آخر: كيف وضعت إرغوفين هذا المشهد الركيك الذي كتبته بنفسها في الفيلم؟ نتصور أن المشهد هو تجربة أداء لهذا الممثل الذي أدى دور الشرطي، ولا يصلح لأي شيء آخر، ووضعته المخرجة لملء المساحة الزمنية فقط.