«العالم الجوراسي: المملكة الساقطة» يقاوم الانقراض رغم الكليشيهات والتناقضات
عندما شاهد العالم فيلم Jurassic Park، أو «الحديقة الجوراسية» عام 1993، الذي أخرجه الأسطورة، ستيفن سبيلبيرغ، انبهرت الجماهير وصناع الأفلام، بمستوى المؤثرات الخاصة التي تمتع بها الفيلم، وكان لتلك المؤثرات أثر عظيم في الكثير من الأفلام التي أتت لاحقاً، فمثلاً، جورج لوكاس أيقن أن بإمكانه إعادة حرب النجوم مرة أخرى إلى السينما، وستانلي كوبريك عكف على تطوير فكرة فيلم «ذكاء اصطناعي»، التي سلمها لسبيلبيرغ قبل وفاته، وبيتر جاكسون استغلها في صناعة «ملك الخواتم».
عنيف.. بلا نقطة دم الفيلم عائلي بامتياز، ورغم عنفه لا تظهر فيه نقطة دم واحدة، يبدأ سريعاً ويتثاقل في المنتصف ثم يتشتت في النهاية، إذ يتحول إلى مجموعة أفلام أخرى، رعب، أو مهمة مستحيلة، سمِّ ما شئت! رغم ذلك من غير المستبعد أن يحقق الفيلم نجاح الجزء السابق، وإن تم ذلك فسيبقى عالم الديناصورات الجوراسي بعيداً عن الانقراض رغم رداءته. الأفلام السابقة صوّرت الديناصورات كمخلوقات شريرة بينما الإنسان الضحية، لكن هذا الفيلم يعكس الحالة.
|
نجاح «الحديقة الجوراسية» وتخطيه حاجز المليار دولار (لم يكن عادياً أبداً في التسعينات لأي فيلم أن يتخطى ذلك الرقم)، كان بسبب وجود سبيلبيرغ على كرسي الإخراج، فهو الوحيد الذي يتقن مزج الخيال العلمي مع الإثارة، ومؤثرات خاصة مبتكرة، في فيلم موجّه لكل أفراد العائلة، كيف لا وهو المبدع صانع Jaws «الفك المفترس» عام 1975، وIT (المخلوق الفضائي) عام 1982.
خرج جزآن من رحم «الحديقة الجوراسية»، أولهما عام 1997 بعنوان «العالم المفقود» وأيضاً من إخراج سبيلبيرغ، والثاني عام 2001 تولى إخراجه جو جونستون، ولم يحقق النجاح المطلوب. طوت استوديوهات يونيفيرسال ملف «الحديقة الجوراسية» إلى أن جاء المخرج الأميركي، كولين تريفورو، بعد أكثر من عقد، وعرض رؤيته التي ارتكزت على فكرة غير مكتشفة من الفيلم الأصلي.
وافق سبيلبيرغ على الفكرة، وأعطاه الضوء الأخضر لصناعة ذلك الفيلم بعنوان Jurassic World أو «العالم الجوراسي» عام 2015، الذي أعاد تقديم السلسلة بشخصيات جديدة، لكن بقيت معظم تفاصيل فكرة الفيلم مستعارة من أول جزء.
نجح «العالم الجوراسي» بصورة لم يتوقعها أحد، وكسر هو الآخر حاجز المليار دولار، ما دفع «يونيفرسال» إلى الطلب من تريفورو التخطيط لجزأين آخرين، أحدهما هذا الفيلم Jurassic World: Fallen Kingdom أو «العالم الجوراسي: المملكة الساقطة»، والآخر بلا عنوان حتى اللحظة وسيطرح بعد ثلاثة أعوام.
إنقاذ الديناصورات
تبدأ أحداث الفيلم بعد ثلاثة أعوام من نهاية الفيلم السابق، في ليلة ماطرة على جزيرة إيسلا نوبلار، حيث موقع متنزه العالم الجوراسي المهجور بسبب ما حدث في الجزء السابق، نرى مجموعة مرتزقة يستخدمون غواصة للحصول على الحمض النووي من ديناصور هجين ميت في بحيرة المنتزه.
نرى نقاشاً بين العالم أيان مالكوم (جيف غولدبلم) ولجنة من الكونغرس الأميركي حول إمكانية إنقاذ جزيرة إيسلا نوبلار من البركان الذي يهددها والديناصورات التي تعيش فيها، أو أن تترك تلك المخلوقات لتواجه موتها.
ثم نرى كلير (برايس دالاس هاورد) المديرة السابقة للمنتزه التي تحولت إلى ناشطة في مجال حماية الديناصورات، مع فرانكلين (جستس سميث) خبير التقنية في المتنزه ووزيا (دانييلا بانيدا) الطبيبة البيطرية.
يرفض الكونغرس إنقاذ الديناصورات؛ فتصاب كلير بالإحباط حتى يتصل بها بنجامين لوكوود (جيمس كرومويل)، الشريك السابق لجون هاموند، في اختراع تقنية استنساخ الديناصورات من الفيلم الأول عام 1993.
يُبلغ لوكوود كلير برغبته في إنقاذ تلك المخلوقات، ويطلب منها الاتصال بمروض الديناصورات السابق أوين (كريس برات) ليساعدها، ويكتشف الجميع لاحقاً أن مساعد لوكوود متورط في مؤامرة مع المرتزقة لحيازة الديناصورات، وبيعها في مزاد لمستثمرين دوليين.
لا جديد
الفيلم الخامس الذي أخرجه الإسباني، جي إيه بايونا، لا يأتي بأي جديد ليضيفه إلى السلسلة، وحقيقة.. الفيلم يقلب معادلة كل الأفلام السابقة، لكنه يفتقد القصة بشكل مثير للشفقة، كل الأفلام السابقة صوّرت الديناصورات المستنسخة كمخلوقات شريرة مفترسة بينما الإنسان هو الضحية، لكن في هذا الفيلم تصبح الديناصورات هي الضحية والإنسان هو الشرير.
الفيلم مليء بالتناقضات ويعاني غباء، ولن نقول انعدام منطق، في النص الذي شارك تريفورو مخرج الجزء السابق في كتابته، على اعتبار أن فكرة الفيلم، عن استنساخ مخلوقات منقرضة، لا منطقية أصلاً، وضرب من الخيال الجامح. التناقض الأول هو كيف تمكن عالمان من إقناع مستثمر (أحداث الفيلم السابق) بإنشاء متنزه ديناصورات في جزيرة، ولم ينتبها لوجود بركان في الجوار؟ كيف وافق المستثمر وخالف قاعدة «رأس المال جبان»؟ التناقض الثاني في مشهد هروب كلير وفرانكلين في المركبة الكروية الزجاجية، من اندفاع الديناصورات الهاربة من حمم البركان، وسقوطهما في البحر. كيف خرجا من دون أي إصابات ولا ندبة ولا حتى خدش واحد؟ ربما ربطا حزام الأمان! وبعد أن أنقذهما أوين، كيف ظهرت كلير تحديداً في المشاهد التالية بثياب نظيفة وشعر مرتب ومكياج يليق بعروس!
التناقض الثالث، في مشهد ميسيه، حفيدة لووكوود، التي تهرب ثلاث أو أربع مرات من مساعد جدها تارة، أو من الديناصورات كما يهرب سبايدرمان بالقفز على أسطح البيوت، وعمرها لا يتجاوز 10 أعوام!
تناقض رابع، كيف تدور أحداث الفيلم بأكمله في بيت لوكوود الكبير نوعاً ما، لكنه ليس قصراً يتمتع بالمساحة المطلوبة لإيواء مخلوقات ضخمة مثلاً، ويخبئ فيه مساعده ديناصورات ويعرضها للبيع في مزاد أمام مستثمرين عالميين من دون علم الحكومة الأميركية والكونغرس! تناقض خامس، في مشهد تختبئ كلير وأوين من ديناصور يلاحقهما في البيت خلف تمثال لديناصور (مشهد الاختباء كليشيه مكرر في كل أفلام الحديقة الجوراسية وأجملها مشهد الجزء الأول)، يقفز الديناصور من الأرض ليحل فوق التمثال ولا يشعران به رغم حجمه الضخم، لكن عندما يهربان ويقفز مجدداً إلى الأرض ليلاحقهما فإن المشهد بأكمله يهتز بسبب القفزة! تناقض سادس، مشهد لديناصور في غرفة تحوي معدات قابلة للانفجار، بمجرد أن تضطرب المعدات قليلاً، نرى الديناصور يهرب خارجاً من الغرفة التي تنفجر بعد خروجه مباشرة! كيف عرف؟ الفيلم لا يشير أبداً إلى احتمال ذكاء الديناصورات إنما يصورها كبهائم مفترسة! كلما يتعرض أوين لخطر الموت يتدخل ديناصور لحمايته، المشهد يتكرر من أول فيلم، وهنا تكرر ثلاث مرات على الأقل. هناك مفاجأة تتعلق بشخصية ميسيه المقحمة في القصة، ولا ندري ما فائدتها في فيلم ديناصورات. في السابق، كان مشهد الفتاة تصرخ ورفيقها يتحلى بالشجاعة يعتبر نمطياً، هوليوود خلطت الأوراق كثيرا أخيراً، وأصبحت الفتاة الشجاعة (نتحدث عن شخصية زيا) والشاب (فرانكلين) هو الذي يصرخ ذعراً، حتى بعد خلط الأوراق المشهد لايزال نمطياً!
لو اعتبرنا أن سبيلبيرغ من القلائل جداً في هوليوود (إلى جانب جيمس كاميرون) الذين يعرفون كيف يوظّفون المؤثرات الخاصة لخدمة القصة، فإن كل مخرجي أفلام هذه السلسلة أخفقوا في فهم هذه النقطة، وفعلوا العكس.