«كين».. هجين أصناف تخلّ بالتوازن وتصدع السياق
«كين» أغرب فيلم في دور السينما هذه الأيام التي تختتم فصل الصيف لعام 2018. من المستحيل تحديد صنف معين لفيلم Kin أو «قريب» (بمعنى قرب عائلي)، فهو هجين غريب من مجموعة واسعة من الأصناف السينمائية التي لا تلتحم بالضرورة مع بعضها بعضاً، لأسباب عدة سنأتي على ذكرها لاحقاً هنا.
«كين» من إخراج التوأمين الأستراليين، جون وجوش بيكر، واقتباساً من فيلم قصير أخرجاه عام 2014 بعنوان Bag Man، يبدأ بلقطة صبي يدعى إيلاي (مايلز ترويت) من ذوي البشرة السوداء، يدخل في مستودع خردة ويرى حطاماً وجثثاً هامدة ويهرب، ثم يعود ليجد أداة غريبة جداً تشبه - إلى حد كبير - أورغ كاسيو الموسيقي، فيأخذها معه إلى المنزل.
إيلاي يعيش مع والده بالتبني هال (دينيس كويد)، وأخوه جيمي (جاك رينور) الخارج من السجن، والغارق في ديون لمصلحة عصابة من العنصريين. يعاني إيلاي من قسوة والده الذي يطالبه بالعمل لمصلحته مادام أنه غير قادر على الذهاب إلى المدرسة. وعند خروج جيمي من السجن يطلب من والده مبلغاً كبيراً من المال لتسديده للعصابة، وعند رفض الأب يقرر جيمي سرقة أموال والده من الخزانة وتسليمها إلى العصابة.
عند اكتشاف الأب الأمر ومواجهته ابنه في حضور العصابة، يقتل زعيم العصابة تيلر (جيمس فرانكو) الأب، ويحدث عراك شديد يتمكن جيمي خلاله من استعادة الأموال وقتل بعض أفراد العصابة، ثم الهروب وأخذ أخيه إيلاي في رحلة من مدينة ديترويت الأميركية حيث يعيشون، إلى ولاية أيداهو في عمق الغرب الأميركي.
ربع ساعة
لم نفسد شيئاً، فما ذكرناه سابقاً هو ربع الساعة الأولى من الفيلم الذي يتحول إلى مطاردة كبيرة تتخللها مشاهد كثيرة، ربما يتذكر المشاهد المتمرس منها أفلاماً سابقة مرت عليه.
هو فيلم جريمة، إذ يحوي جريمتَي سطو مسلح، وجرائم قتل عدة، ومشهد اقتحام سجن. وهو فيلم طريق، إذ يحوي مطاردة من أول الفيلم إلى آخره بداخلها مطاردة أخرى! وهو فيلم خيال علمي، إذ إن الأداة الغريبة التي تشبه آلة أورغ كاسيو الموسيقية، التي يجدها إيلاي في المستودع عبارة عن سلاح: رشاش أو مدفع قذائف محمول - سمِّه ما شئت - يخرج منه شعاع مدمر يفجر أي شيء أمامه، سواء كان بشراً أو حائط إسمنت مسلحاً. وهناك شخصان من عالم آخر يرتديان ملابس سوداء ويغطيان رأسيهما بخوذة تشبه خوذة دارث فيدر من «ستار وورز»، ويدخلان إلى عالم البشر عبر بوابة زمنية أو مكانية، النقطة غير واضحة.
كثرة الأفكار
لو جزأنا الفيلم سيكون لدينا التالي:
مشهد البداية ودخول إيلاي إلى مستودع مدمر به جثث، يعطي انطباعاً قوياً أنه من قصص ما بعد نهاية العالم.
مشهد خروج جيمي من السجن ومشاجرته اللفظية مع والده وصعوبة تأقلمه مع الوضع الجديد، يوحي بشدة بأن الفيلم دراما عائلية بامتياز، خصوصاً مشهد تورطه مع العصابة. في الوقت نفسه الجزئية تذكّر بموجة الأفلام الكئيبة التي ظهرت في سبعينات القرن الماضي، عن الجنود الأميركيين المسرّحين من الجيش، والعائدين من جحيم فيتنام، ليجابهوا وضعاً مريراً في بلادهم، وبطالة حولتهم إلى مجرمين. وكذلك الموجة ذاتها في العقد الماضي عن الجنود العائدين من العراق.
علاقة الصداقة التي نشأت بين جيمي وإيلاي والراقصة ميلي (زو كرافيتس)، هي كليشيه مهترئ عن راقصة ذات قلب كبير تساعد بطلَي الفيلم، وتترك عملها لتتحرر من عبودية مالك الملهى الليلي. المشهد ذاته يحمل جميع سمات أفلام الويسترن (الكاوبوي)، فهناك رجال يرتدون قبعات مستديرة يلعبون ألعاب طاولات في حانة، وهناك مرعى أبقار خلف المرقص ومَربع بجانبه. مشهد الزج بجيمي وإيلاي في السجن في مركز شرطة بمنطقة نائية، ثم هجوم تيلر وعصابته على المركز لن تخطئه العين المتمرسة، فهذه إشارة واضحة جداً إلى فيلم جون كاربنتر الشهير «الهجوم المسلح على المركز 13» عام 1976. سفر شخصين من عالم آخر عبر بوابة زمنية إلى عالم البشر للبحث عن صبي ليس سوى فيلم جيمس كاميرون الشهير Terminator أو «المدمر»، بجزئيه الشهيرين 1984 و1991. بل إن هناك إشارة صريحة في مشهد نرى فيه إيلاي يلعب لعبة ترمينيتور. حتى فيلم «ميدنايت سبيشال» يحوي سيناريو مشابهاً.
حوار المشهد الأخير يحوي مفاجأة كبيرة لن تقنع أغلب المشاهدين، ويلمح إلى أننا نشاهد قصة أصل شخصية بطل خارق. الشخصان المسافران من زمن أو عالم آخر لهما قدرة إيقاف الزمن، وتغيير مسار رصاصة أو تفاديها.. نعم «ذا ميتريكس».
«كين» يريد أن يكون سلسلة، ولا مشكلة في ذلك، لكن مدته لا تسمح بكل تلك التفاصيل، أو ربما تسمح بها لكنّ كثيراً منها لم يأخذ وقته ليتطور وينضج. مثلاً قصة الراقصة ميلي مع مالك الملهى الليلي، بحاجة إلى عمق لنفهم لماذا علينا أن نتعاطف معها؟ ولماذا قررت الهروب مع أول شابين صادفاها؟ كيف كان رئيسها يضطهدها ويجبرها على البقاء معه؟ هل هددها بالقتل مثلاً؟
تكتم جيمي على مقتل والده، وإخفاؤه الأمر عن إيلاي طوال الفيلم وكأن شيئاً لم يكن، غير مقنعين إطلاقاً، خصوصاً أن جيمي لم يحزن رغم أن المقتول والده وأمام عينيه. مشهد الحوار بين إيلاي والشخصين من عالم آخر، يحوي تفاصيل غزيرة كان الأجدر بالأخوين بيكر تصويرها في مشهد أو حتى فيلم مستقل، بدلاً من زجها في حوار سردي جعله هراء حتى الخيال العلمي لا يشفع له. «كين» غير متوازن الإيقاع بسبب كثرة الأفكار، سواء على صعيد الفيلم بأكمله، أو حتى على صعيد المشهد الواحد. فمثلاً، ينسى الأخوان بيكر الشخصين من العالم الآخر ولا نراهما إلا في لقطات متباعدة جداً، ما أفسد عامل التشويق في الفيلم، وضيعهما من سياق القصة. كذلك، عندما تهجم عصابة تيلر على مركز الشرطة، ويتم تطويقه من القوات الخاصة و«إف بي آي»، تحدث معركة رهيبة داخله بين جيمي وإيلاي، وسلاحهما الفتاك ضد عصابة تيلر، في تلك المعركة ينسى الأخوان بيكر شخصية تيلر رغم أنه زعيم العصابة، ويختفي من المشهد كله تقريباً، رغم أنها معركته!
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
لا تَلُم نفسك
لو شعرت بأنك مشتت أثناء قراءتك هذا الموضوع فأنت لا تُلام، ومشاهدة الفيلم لن تفيدك في استيضاح الأمور، لأن ما ستشاهده يعاني تشتتاً في مواطن عدة، وغير واضح الفكرة. عدم وضوح الفكرة يعني أن الفيلم ضعيف، رغم احتوائه على لحظات جيدة ولقطات مسلية إلى حد ما، ومشاهد أكشن عالية الحرفية تنفيذاً وأداء، خصوصاً الممثل الجديد في الساحة، مايلز ترويت، لكن السياق العام يعاني تصدعاً.
سفر شخصين من عالم آخر عبر بوابة زمنية لعالم البشر، للبحث عن صبي، ليس سوى فيلم جيمس كاميرون الشهير «المدمر».
«كين» يريد أن يكون سلسلة، ولا مشكلة في ذلك، لكن مدته لا تسمح بكل تلك التفاصيل.