«بيرد بوكس».. غير متماسك رغم الهَوَس العالمي
«نتفليكس» - ودعونا نتفق أنها شركة تقنية قبل أن تكون شركة ترفيه - خلطت الأوراق في عالم السينما والتلفزيون، فمنذ اقتحامها هذا العالم منذ ستة أعوام، من بوابة الأعمال الأصلية أي التي تمولها الشركة نفسها، وتحملها على منصتها مثل مسلسل «هاوس أوف كاردز»، والكثير جداً من الأعمال التي أتت لاحقاً، باتت تتخذ خطاً جديداً هو صناعة أفلام تعرض في المهرجانات الكبيرة، ثم تعرض لأسبوع أو أسبوعين في السينما، من أجل استيفاء شرط الأكاديمية الأميركية للعلوم السينمائية بأحقية منافستها في الجوائز.
هناك شكوك أن الشركة استخدمت حيلاً تقنية لترويج هذا الفيلم، ووفقاً للمشككين فإن أسلوب انتشار حالة الهوس العالمي بهذا الفيلم لم يكن طبيعياً أبداً، ونتيجة لذلك حقق نسبة عالية جداً بلغت 80 مليون مشاهدة، طبقاً لأرقام الشركة رسمياً.
يبدأ فيلم Bird Box أو «صندوق الطيور»، وهو من أحدث إنتاجات نتفليكس الأصلية، بامرأة تدعى مالوري (ساندرا بولوك)، تلقي تعليمات مشددة على طفلين، وتخبرهما بأنهما ذاهبان في رحلة خطرة جداً من خلال التجديف في نهر، التعليمات هي ألا يزيل الطفلان قطعتي قماش تغطيان عيونهما أو أنهما.. سيموتان.
يرجع الفيلم خمسة أعوام في الماضي، لنرى مالوري الحامل، برفقة شقيقتها جيسيكا (سارة بولسون)، تتناقشان في خبر غريب على نشرات الأخبار عن موجة انتحار جماعية تجتاح أوروبا وروسيا، تذهب مالوري إلى موعد مع الطبيبة النسائية لفحص الجنين، وأثناء خروجها ترى امرأة تضرب رأسها في باب زجاجي، فتدرك مالوري أن موجة الانتحار وصلت إلى الولايات المتحدة.
يدب الذعر وتعمّ الفوضى في المدينة، وتهرب مالوري وجيسيكا في السيارة وتتعرضان لحادث، تنجو مالوري من الحادث وتلجأ إلى أقرب بيت إليها، في البيت تجد مالوري مجموعة أشخاص مختبئين يغطون نوافذ المنزل، هؤلاء هم: غريغ (بي دي وونغ)، وتشارلي (ليل هاوري)، ودوغلاس (جون مالكوفيتش)، ولوسي (روزا سالازار).
تتعرض الشخصيات في الفيلم لقوى لها صوت مخيف، أو ربما وحش يصدر شيئاً يدخل عيون البشر ويُحوّلهم إلى مخلوقات مثل زومبي، لذا عليهم تغطية أعينهم طوال الوقت حتى وصولهم إلى منطقة أمان.
ينتقل الفيلم بين خطين زمنيين: الماضي: كيف حدثت القصة منذ خمسة أعوام، والحاضر: رحلة مالوري مع الطفلين، ويلتقي الخطان في النهاية مشكلين دائرة كاملة. من بداية الفيلم إلى نهايته، نؤكد للقارئ رغم الهوس العالمي، أن الجديد الوحيد في الفيلم هو اسم «نتفليكس» في خانة المنتج!
روَّج البعض أن الحيلة التي وظفتها نتفليكس (تمتلك 139 مليون مشترك عالمياً) لترويج الفيلم، تشبه حيلة الساحر على الجمهور، فإذا كان الساحر يخدع بصرياً، فإن نتفليكس استخدمت الإنترنت مستفيدة من كونها شركة تقنية في المقام الأول، ولا تلام على الحيلة كفكرة بقدر ما تلام على الأسلوب، وفق كلام هؤلاء.
وفق تفسير المشككين وأنكرت الشركة ذلك، فإن نتفليكس وظفت روبوتات افتراضية على الشبكة نشرت معلومات عن الفيلم من خلال حسابات وهمية، وهذه الروبوتات تنتشر وتعمل بسرعة فائقة لا يتخيلها البشر.
ورجح هؤلاء أن الشركة قد دفعت لشركات لصنع تلك الروبوتات من أجل تسويق الفيلم. وبعد أقل من شهر على طرحه أعلنت نتفليكس عن أكثر من 45 مليون مشاهدة في سبعة أيام. لو افترضنا صحة هذا الكلام فنحن أمام أسلوب تسويقي جديد لفيلم لم يسبق نتفليكس أحد إليه. والشركة أعلنت أن صاحب الحساب الذي يشاهد 70% من الفيلم على منصتها يدخل ضمن هذا العدد الضخم.
فيلم «بيرد بوكس» من إخراج الدنماركية سوزان بير (أخرجت الفيلم الدنماركي بعنوان «ما بعد الزفاف» المرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2006، وفيلم «في عالم أفضل» (الحائز أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2010)، وكتابة إريك هايسرر (كتب فيلم Arrival المرشح لجوائز هو الآخر عام 2016 )، يجمع صنف الرعب بأحداث نهاية العالم.
يتألف الفيلم من مشاهد كثيرة من أفلام سابقة إلى درجة أن المشاهد المتمرس قد يصاب بالتشتت لأن مشاهد الأفلام السابقة ستشغل ذاكرته أكثر من الفيلم نفسه. هناك مناطق تقاطع كثيرة بينه وبين فيلم A Quiet Place «مكان هادئ» الذي شاهدناه العام الماضي، ورغم أن «بيرد بوكس» مقتبس من رواية جوش مالرمان التي صدرت قبل فيلم «مكان هادئ»، لكن سينمائياً الفضل يعود للأخير في تقديم فكرة جديدة غير مألوفة كلياً.
وإذا كان «بيرد بوكس» عن قوى/ وحش تؤثر في البشر بصرياً، فإن «مكان هادئ» عن وحوش تعتمد على الصوت في تتبع البشر وقتلهم.
يتقاطع الفيلم أيضاً مع Blindness أو «عمى» الصادر عام 2008، وفكرته مشابهة، ويتقاطع مع فيلم إم نايت شايملان البائس The Happening، الصادر أيضاً في 2008، وهو عن قوى شريرة في الهواء تقتل البشر.
هذا من ناحية الفكرة، أما تمثيلاً، فإن بولوك تقدم أداء جميلاً، لكن ألم يكن هذا أيضاً أداءها في فيلم Gravity «جاذبية» عام 2013؟ أليس «بيرد بوكس» و«جاذبية» دراما صراع على البقاء بطلتهما امرأة تحاول النجاة بنفسها من مأزق؟
لصنع فيلم رعب جيد، هناك ثلاثة قوانين يجب تطبيقها: الأول: صنع جو يغمس المشاهد في الفيلم، بير أخفقت إلى حد ما في هذا، وقدمت لنا فيلم رعب نظرياً بعيداً تماماً عما يجعله محسوساً يعيشه المشاهد لحظة بلحظة مثل «مكان هادئ».
الثاني: الغموض، أحسنت بير بعدم المبالغة في شرح من أين أتت قوى الشر/ الوحش، لكنها قصَّرت وحجبتها تماماً عن المشاهد، بكلمات أخرى، هل يفترض أن نخاف نحن المشاهدين من الهواء؟ ثم إن هناك نوعين من المتأثرين بقوى الشر/ الوحش لم تشرح المخرجة كيف تقرر تلك القوى تحديد النوعين: الأول يتحول إلى زومبي، والثاني يشجع البشر على فتح أعينهم ومشاهدة ذلك الشيء الجميل حسب وصفهم والذي لا نراه! هذه علامة تشتت تشير إلى خلل في الاقتباس، أو أن بير لا تحسن صنع فيلم رعب متماسك.
بالنسبة للقانون الثالث: افتقد الفيلم كثيراً من التشويق لصالح الدراما، وذلك مفهوم لأن بير تريد استغلال قدرات نجمتها بولوك، وتقديم شخصية غنية تتطور بشكل كامل من بداية الفيلم إلى نهايته، لكن هذا القرار أضر الفيلم جزئياً، خصوصاً أن أفلام الرعب لا تحتاج إلى نجوم.
يبقى تساؤل أخير بخصوص عنوان الفيلم، صندوق الطيور يحوي طيوراً تستخدمها البطلة كنوع من نظام الإنذار. السؤال: ماذا عن القطط والكلاب الأليفة، ألا يمكنها استشعار الخطر؟!
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
فيلم رعب نظري تماماً، وهذه علامة تشتت تشير إلى خلل في الاقتباس، أو أن بير لا تحسن صنع فيلم رعب متماسك.
افتقد الفيلم كثيراً من التشويق لصالح الدراما، لأن المخرجة أرادت استغلال قدرات نجمتها بولوك، لكنَّ هذا أضرّ بالفيلم، لأن أفلام الرعب لا تحتاج إلى نجوم.