الحزن يطغى على الثنائي الكوميدي «ستان وأولي»
كثيراً ما نتحدث عن نجوم السينما، الذين يتخفون تحت طبقات من «الميك آب»، والأطراف الاصطناعية، إلى درجة يصعب جداً معها التعرف إلى وجوههم.
لو لم نقرأ في الأخبار الفنية أن كريستيان بيل جسد شخصية ديك تشيني في فيلم «نائب»، لما عرفناه أثناء مشاهدة الفيلم، الأمر نفسه ينطبق على غاري أولدمان في دور ونستون تشرشل، في فيلم «أحلك ساعة»، أو تيلدا سوينسون في دور رجل في «سسبيريا»، أو حتى مارغو روبي في «ميري ملكة الاسكتلنديين».
وبالنسبة لفيلم «ستان وأولي»، وهو سيرة ذاتية حزينة عن الثنائي الكوميدي الشهير لوريل وهاردي، فإن الممثل جون سي رايلي أمضى أربع ساعات يومياً على كرسي «الميك آب» لتحويله إلى الأميركي أوليفر هاردي. لكن الأمر لا ينطبق بالضرورة على شريكه في الفيلم ستيف كوغان، الذي قيل إنه أمضى دقائق فقط، ليتم تحويله إلى الإنجليزي ستان لوريل.. ما يضفي صدقية كبيرة على الفيلم.
الفيلم، وهو من إخراج جون إس بيرد، خالٍ من الإضافات غير الضرورية، ويركز على جزئية واحدة من حياة الثنائي، هي جولة بريطانيا التي قاما بها عام 1953، بعد عقدين من حقبة الثنائي الذهبية.
يبدأ الفيلم بلحظات من حياة الثنائي في 1937، عندما كان لوريل وهاردي يتمتعان بشعبية منقطعة النظير في هوليوود، ويصنعان أفلاماً ناجحة، واحداً تلو الآخر، لصالح استديوهات هال روش (يجسد روش الممثل داني هيوستن ابن المخرج الأميركي الأسطورة جون هيوستن، وهو أخ غير شقيق للممثلة الشهيرة أنجليكا هيوستن، تجسيداً رهيباً، رغم قصر مدة ظهوره على الشاشة).
في الحقيقة.. رايلي وكوغان يمثلان دورين مزدوجين لكل منهما، الأول دور الثنائي البائس المضحك أمام الكاميرا. لوريل هو الأبله المتعثر، وهاردي في دور الغبي الذي يظن أنه يفعل أشياء مهمة في الحياة، وينتهي به الأمر كنكتة.
في الواقع، أي خلف الكاميرا نراهما شخصيتين مختلفتين: لوريل هو الطموح الذكي الذي يفكر بعقلية رجل الأعمال، بينما هاردي هو الحالم الذي يعجز عن إخفاء نقاط ضعفه. وعندما يعملان كفريق، فإننا نرى سحراً أمام الكاميرا، وصديقين أو شريكين خلفها.
ننتقل إلى نيوكاسل إنجلترا عام 1953، ونرى لوريل وهاردي يصلان إلى فندق متواضع، ما يدل على أنهما يعانيان ضعف الإقبال على عروضهما. الثنائي هنا وصل إلى منتصف العمر لكليهما، ونراهما في جولة موسيقية استعراضية، أو أحياناً يشاركان في كرنفالات وحفلات عشاء، وحتى كمُحكّمين في مسابقات ملكات جمال! بينما لوريل يحاول تأمين التمويل لمشروعهما السينمائي، الذي يأملان أن يعود بهما إلى الواجهة مجدداً.
على المسرح أداؤهما ممتاز، رغم تناقص الحضور، وحتما مشهد المقاعد الفارغة مؤلم لكل المشاهير، الذين يقدمون عروضاً حية بمن فيهم لاعبو كرة القدم، ونرى ذلك جلياً في عيون البطلين الحزينة، والتي تحاول إنكار الواقع المؤلم أمامها.
في الوقت نفسه، نرى هاردي يعاني مشكلات صحية بسبب الزيادة الكبيرة في وزنه، يلهث ويعرق حتى يغمى عليه جراء نوبة قلبية، بينما لوريل بالكاد يخفي الحزن الظاهر في عينيه، كلما تذكر أن الجماهير الأصغر سناً، أو الجديدة، لا تعرف أن هذا الثنائي الكوميدي العملاق كان يوماً ما الأعظم في العالم.
رغم أن الفيلم عن أشهر ثنائي كوميدي في السينما «لوريل وهاردي»، لكن المخرج يتعمد تسمية الفيلم باسميهما الأولين «ستان وأولي»، وإذا كان العالم يعرفهما كلوريل وهاردي، فإنهما يعرفان بعضيهما بعضاً باسم ستان وأولي، وهي إشارة إلى علاقة الصداقة والألفة بينهما. كما يشير الاسم إلى أن الفيلم قصة الثنائي «الشخصية» أكثر منها سيرة مهنية لهما.
الفيلم ليس ساخراً مثل «نائب»، وكلاهما سيرة ذاتية، لكنه يبث نبرة حزن شديدة، كأن المخرج بيرد، والكاتب جيف بوب، يوجهان سؤالاً إلى المشاهد: كيف ستشعر لو لم تعد قادراً على ممارسة شغفك؟
اختيار رايلي للدور غريب إلى حد ما، فالرجل معظم أدواره ساخرة، باستثناء دوره في «ماغنوليا»، ودوره في «الأخوان سسترز»، الدور ليس مجرد تقليد جسدي، بل أداء رجل قرر جسده الانتقام من أسلوب حياته في شبابه. أقوى لحظات شخصية هاردي عجزه عن مجاراة الزمن، فالرجل الذي نراه في 1953، حيث تدور معظم أحداث الفيلم، لا يتمتع بأي حيوية مقارنة بمشاهده القصيرة عام 1937، باستثناء لقطات العروض الكوميدية والراقصة.
أداء كوغان لا يقل عن شريكه، والممثلان يتمتعان بانسجام استثنائي على الشاشة، لدرجة أننا نصدق أنهما - أي رايلي و كوغان - عملا معاً عقدين من الزمن، وليس مجرد هذا الفيلم فقط. لوريل، وهو المسؤول عن كتابة نصوص الأفلام وتأليف النكات والقفشات، لا يتوقف عن اقتراح أفكار جديدة لتطوير أدائه من خلال أداء هاردي، أي يبتكر حركة مضحكة من استغلال حركة شريكه. أي كأننا نرى حركة شد وجذب بين الاثنين، وهذا تحديداً ما يمنح عروضهما عامل الأصالة.
في مشهد يشكل ذروة شهرتهما، نرى لوريل يجند هاردي، للمطالبة بزيادة في الأجر من روش، خصوصاً أن هاردي غارق في الديون، بسبب رهاناته الأخيرة في سباقات الخيول.
أقوى مشاهد الفيلم كان صامتاً، إذ نرى لوريل خارجاً من مكتب أحد الاستوديوهات في بريطانيا، بعد رفض طلبه تمويل فيلم، وأثناء مشيه في الشارع يمر بملصق إعلاني حطم قلبه، وقلب كل من يمر بالتجربة نفسها، ملصق الثنائي الكوميدي الجديد آنذاك «أبوت وكوستيلو»، الذي سحب بساط الشهرة والجماهير من «لوريل وهاردي». ينظر لوريل إلى الملصق بأسى شديد، ثم يمضي في طريقه.
يذكر أن شهرة «لوريل وهاردي» انطلقت آخر عشرينات القرن الماضي، إلى أن غربت شمسهما في منتصف الأربعينات، وقتها بزغ نجم «أبوت وكوستيلو» في آخر الثلاثينات، وأفل في منتصف الخمسينات.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
أقوى مشاهد الفيلم كان مشهداً صامتاً: نرى لوريل خارجاً من أحد الاستوديوهات، بعد رفض طلبه تمويل فيلم.. ويمرّ بملصق إعلاني حطَّم قلبه، وقلب كل من يمرّ بالتجربة نفسها.
إذا كان العالم يعرفهما كلوريل وهاردي، فإنهما يعرفان بعضيهما باسم ستان وأولي، وهي إشارة إلى علاقة الصداقة والألفة بينهما.
1937
العام الذي شهد شعبية منقطعة النظير لـ لوريل وهاردي في هوليوود، وصنعا أفلاما ناجحة.