دوين جونسون ليس بطلاً
«مشاجرة مع عائلتي».. أداء السينما يتفوق على تمثيل المصارعة
كما هو معروف، أو ربما غير معروف، فإن المصارعة الحرة لا تعد رياضة بالقانون الرياضي، أي إنها تدخل في خانة الترفيه أكثر من الرياضة، لأنها تعتمد على نص مكتوب وحركات مرسومة، ونتيجة محددة مسبقاً، وليس التنافس بين المصارعين أو حتى جدارتهم.
وهذه الحقيقة لا يجب أن يساء فهمها، بأن يقال إن المصارعة رياضة مزيفة مثلاً، فهناك فرق بين التزييف وتحديد النتيجة مسبقاً، فالأول غش، والثاني مبني على قرار ترفيهي بحت، بكلمات أخرى، كأننا نشاهد فيلماً سينمائياً معروفة نهايته منذ أن كان نصاً على الورق.
لو وضعت الحقيقة أعلاه في ذهنك ربما ستتذوق أكثر مشاهدة فيلم Fighting With My Family «مشاجرة مع عائلتي»، ولن تشاهده بالطبع لأنك رأيت نجم المصارعة الأميركي الشهير، دوين جونسون، المعروف باسم «ذا روك»، في الفيديو الترويجي للفيلم (تريلر)، أو لأن صورته على ملصق الفيلم. صحيح أنه منتج لكنه لا يظهر سوى لدقائق وليس بطلاً كما توحي الحملة التسويقية الضعيفة للفيلم.
في هذا الفيلم الكوميدي، وهو سيرة ذاتية كذلك، نرى البريطانية سارايا (فلورينس بوغ) بطلة المصارعة الحرة الترفيهية المعروفة لدى عشاقها باسم بيج. قبل أن تحصل على عقدها الرابح في البطولة الكبرى للمصارعة بالولايات المتحدة، نرى بيج أصغر فائزة في المصارعة النسائية الترفيهية بعمر 21 عاماً، حيث نشأت في عائلة تعشق المصارعة في نورويتش بإنجلترا.
قصة العائلة في هذا الفيلم مقتبسة من مادة الفيلم التسجيلي «مصارعون: مشاجرة مع عائلتي» عام 2012، لكن هذا الفيلم يبدو مفصلاً بعناية ليتطابق مع مواصفات الأفلام الكوميدية، وتالياً ليحوز رضا عامة الجماهير، إلى حد ما كما يحصل مع أفلام الملاكمة وغيرها من الرياضات في السينما.
الكاتب والمخرج، ستيفن ميرشانت، يعتمد على بث مشاعر حقيقية من قصته وشخصياته، وما ساعد ميرشانت على ذلك وجود ممثلين بحجم لينا هيدي (نجمة لعبة العروش) في دور الأم جوليا، ونيك فروست في دور الأب ريكي نايت، واللذين يولدان نوعاً من الدفء في القصة كأب وأمّ تمكنا من تحويل المصارعة الحرة إلى عمل تجاري عائلي، وإن كان ليس مربحاً بالدرجة المطلوبة.
ابنهما الأكبر في السجن، لكنّ الاثنين الآخرين زاك (جاك لودن) وبيج مشاركان تتملكهما حماسة كبيرة في الصالة الرياضية المملوكة للعائلة، وكذلك في المدرسة التدريبية. زاك وبيج يتملكهما حلم نجومية المصارعة الحرة الترفيهية، وهذه النقطة تحديداً هي التي يعوّل عليها صناع الفيلم لمداعبة أحلام الجمهور.
يُدعى زاك وبيج إلى اختبار أداء تحت إشراف مدرب ساخر غير مكترث بمشاعر المشتركين يدعى هاتش (فينس فون)، ويوضح للمشاركين في الاختبار أن الأمر أكثر من مجرد قوة جسدية، وملابس جذابة وشخصية مميزة وسيناريو آسر لتحقيق النجاح، الأمر حسب هاتش يتطلب العامل صعب الاتفاق على تسميته، لكنه شخصياً يسميه الشرارة. بعد انتهاء التجارب، يقرر هاتش أن بيج الوحيدة التي تمتلك الشرارة المطلوبة للتأهل للمرحلة التالية.
تسافر بيج إلى فلوريدا وتنخرط في معسكر تدريبي قاسٍ يوصلها إلى مرحلة تبعد عن الاستسلام خطوة واحدة. ينهشها انعدام الثقة في النفس جراء الجاذبية التي تتمتع بها المتدربات الأخريات، وتحطمها التعليقات حول مظهرها وشخصيتها، من هاش والآخرين، داخل الحلبة وخارجها.
في هذه الجزئية يبرز أداء بوغ، التي تنتقل من طبقة إلى أخرى من المشاعر، وكلها مُقنِعة. فالقسوة الخارجية تتحطم تدريجياً ليتبين الضعف الداخلي للشخصية، وهذا الضعف بدوره يخبئ إجابة سؤال مهم: مَن بيج بالضبط؟ وكيف يمكنها بث نسخة حقيقية من نفسها في رياضة تتطلب نوعاً من التمثيل أو الإيهام؟
في خضم كل هذا، يعود زاك المحطم نفسياً جراء رفض كل محاولاته المتكررة للانضمام لشقيقته، إلى بلدته ويحاول استكمال حياته، والنظر في أي طريق يسلك بعد تحطم حلمه. لودن (قدم أداء جيداً في دنكيرك وميري ملكة الأسكتلنديين) يبث مشاعر مختلفة قليلاً عن بوغ، فهو يشعر بالعار نتيجة إخفاقه في التأهل علماً بأنه كان مقنعاً أكثر من شقيقته في تجارب الأداء.
تدريجياً يتقبل زاك حقيقة فقدان الحلم الوحيد الذي راوده، ولسنا بحاجة إلى القول إن نجاح شقيقته الصغرى لم يخفف أبداً من حالته النفسية. يتلاقى المحطمان في أحد أقوى مشاهد الفيلم وأكثرها صدقية، عندما تظهر علاقتهما في أوضح صورة، وفي المشهد يقول زاك: أشعر بالعار عندما تسرق شقيقتي الحلم الوحيد الذي انتظرته منذ كان عمري 13، وترد عليه بيج: لم أسرق شيئاً، هكذا قوانين اللعبة، هي التي سرقت حلمك.
أكثر مشهد مضحك كان لقاء عائلة زاك وبيج مع عائلة خطيبة زاك، حيث أدى المخرج ميرشانت دور والد الفتاة، نرى لقاء عائلتين من الطبقة الكادحة، الأولى تستخدم لغة شوارعية في الحديث والثانية أكثر تعليما وتمدناً، تختار الصمت وامتصاص صدمات الكلمات النابية التي تتلقاها، المخرج هنا يعتمد على إظهار ردود أفعال عائلة كريستين خطيبة زاك، ليعكس ورطة الموقف الذي وقعت فيه. بعد هذا المشهد تحديداً، يظهر أكبر تحدٍّ لميرشانت وهو: كيف يبرز المسار التقدمي للشخصية الرئيسة في صناعة أو رياضة تعتمد على الاتفاق المسبق على نتائجها؟ جزء من الحل الذي يوجده ميرشانت هو عدم إهمال شخصية زاك عندما يفقد حلمه، وفي الوقت نفسه زيادة جرعة الدراما في الجزئية التي تظهر ضعف بيج، خصوصاً من خلال تعليقات هاتش ومقارنته بينها وبين الأخريات. مشهد آخر يدعم سيناريو ميرشانت في إظهار ضعف بيج، هو وقوفها مرتعبة في الحلبة قبل مواجهتها حاملة اللقب أمام جماهير غفيرة.
طريف جداً الفرق في أداء الممثلين بين المصارعة الحرة والسينما، إذ تطلب الأمر من بيج أن تكون نفسها دون تقمص شخصيات أخرى، بينما بوغ غادرت شخصيتها لتغوص في أعماق بيج النفسية أمام الكاميرا. بكلمات أخرى، أداء السينما تفوق على تمثيل المصارعة.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
الفيلم يبدو مفصلاً بعناية ليتطابق مع مواصفات الأفلام الكوميدية وليحوز رضا عامة الجماهير.
المصارعة الحرة لا تعدّ رياضة بالقانون الرياضي، أي إنها تدخل في خانة الترفيه أكثر من الرياضة.
الكاتب والمخرج، ستيفن ميرشانت، يعتمد على بث مشاعر حقيقية من قصته وشخصياته.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news