«غرفة الهروب».. لعبة الإثارة والغموض تضيع في ضجر المألوف
ربما تصلح فكرة فيلم Escape Room «غرفة الهروب» لبرنامج تلفزيون الواقع، ومن المعروف أنها لعبة تنفذها شركات متخصصة في البرامج الترفيهية، لكن عندما تتحول إلى فيلم سينمائي، يكون عنصر المبالغة مطلوباً حتماً كي يهتم الجمهور، وتبنّي آلة هوليوود لفكرة الفيلم ليس مستغرباً، خصوصاً في ظل حالة الإفلاس المستمرة، منذ بداية العقد الحالي، ولا نرى نهاية لها في الأفق.
بالنسبة للمشاهد المتمرس ينتهي الفيلم عند الدقيقة 40، لأن كل ما يحدث بعدها يبدو مألوفاً جداً، لدرجة أن الانشغال بالهاتف الذكي قد يكون عامل تسلية أكثر من الفيلم! أما بالنسبة للمشاهد ذي الخبرة لكن الأقل تمرساً فقد يصمد حتى الدقيقة 70، قبل أن يعي خدعة صناع الفيلم الرخيصة، لتحويل فكرة مستهلكة جداً إلى سلسلة سينمائية.
يهدم نصف الساعة الأخيرة من الفيلم كل ما جاء قبله، ويغرق هذا الفيلم المنخفض الميزانية في حماقة لم تكن ظاهرة قط في بدايته. كل الآمال والتوقعات بظهور مفاجأة قد تضيف شيئاً أو تغير قليلاً في مجرى القصة، المعاد تدويرها عشرات المرات، تتبدد باختفاء الشخصيات من الشاشة واحدة تلو الأخرى!
ليست مفاجأة لو ذكرنا أن الشخصيات تموت مثل أي فيلم رعب - من نوعية Slasher أو الذباح - شاهدناه في الـ40 سنة الماضية. وكل ما عليك هو تخمين أي شخصية هي التالية في لعبة مقارعة أفخاخ الموت، إنما بلا دماء. ولزيادة الطين بلة، فإن «غرفة الهروب» لا ينتهي، بل يتوقف ويرفع لافتة تقول: لديَّ المزيد، لكن في الجزء الثاني، الذي نتوقع منكم دفع ثمن تذاكره!
وبالطبع سيدر الفيلمان أرباحاً طائلة، بسبب طبيعة النهاية التي تثير فضول المشاهد، وتعطي فكرة عما سيحدث لكن دون الكشف عن التفاصيل من جهة، وبسبب الميزانية المنخفضة من جهة أخرى، وهذه تضمن إيرادات عالية حتى في حالة الإخفاق.
في السنوات الأخيرة، أصبحت غرف الهروب لعبة ذات شعبية كبيرة، مجموعة أشخاص محبوسون في غرفة يحاولون حل ألغاز تكشف لهم طريق الخروج. بالطبع هناك عامل الزمن (عادة ساعة واحدة)، وسيد اللعبة الذي يعرض حلولاً عندما يستعصي الأمر على اللاعبين. واللعبة لها مستويات تصل أحياناً إلى مراحل متقدمة من التعقيد. وهذه النقطة الأخيرة تحديداً تشكل انطلاقة هذا الفيلم الذي أخرجه آدم روبيتيل (إنسيدياس: المفتاح الأخير).
يقدم النص ست شخصيات عمومية، سماتها وخلفياتها السطحية تكفي ليعرف المشاهد نقاط قوتها وضعفها. الشخصية الرئيسة افتراضاً هي طالبة جامعية تدعى زوي (تيلر راسل)، ذكية جداً لكنها انطوائية، ويطلب منها معلمها أن تقدم على فعل شيء مخيف.
تجد زوي صندوق أحجيات على عتبة بابها، وعند حل الأحجية تجد دعوة خاصة لحضور لعبة غرفة الهروب. ينضم إليها جيسن (جاي إليس) سمسار أسهم، وبين (لوغان ميلر) موظف مخازن، وأماندا (ديبرا آن وول) جندية في الجيش خدمت في العراق، وتعاني اضطراب ما بعد الصدمة، ومايك (تيلر لابين) سائق شاحنة، وداني (نيك دوداني) مدمن لعبة غرفة الهروب.
جائزة الفوز في اللعبة 10 آلاف دولار، ومن المرحلة الأولى يعي اللاعبون أن الموت هو نتيجة لأي قرار خطأ، وليس هناك أي مجال للخروج سوى الانتهاء من اللعبة التي يكتشفون أنها مغشوشة. غرفة الهروب ينطلق بشكل جيد في البداية ويستحوذ تماماً على اهتمام المشاهد من المرحلة الأولى من اللعبة، عندما تتحول غرفة الانتظار إلى فرن يشوي اللاعبين.
بالانتقال إلى المرحلة التالية وهي الجليد، يبدأ الفيلم بالتباطؤ واللعب على المألوف، بمحاولة خلق صراع بين المتنافسين لا يستمر طويلاً، ثم يوازن بين القرارات الفردية والجماعية للاعبين مع عرض مشاهد سريعة جداً، مثل ومضات عن خلفيات بعضهم، خصوصاً زوي وأماندا.
لكن كل ذلك يضيع سدى بموت شخصية في مرحلة الجليد، والمشكلة أنها شخصية لو استمرت لربما كان هذا فيلماً أفضل، ثم تموت شخصية أخرى في المرحلة الثالثة وهكذا دواليك. وهذا يعكس أن روبيتيل لا يميل للمخاطرة، ويفضل البقاء في منطقة الأمان واللعب على ما هو مألوف أو يظنه سيرضي المشاهدين، وهذا ما ضيع إثارة اللعبة وغموضها. وبدل أن يستخدم المخرج خبرات شخصياته لحل الألغاز، فإنه يلجأ إلى أخطاء الماضي ليبرر أخطاء جديدة سترتكبها أو لإثارة صراعات بينها.
فكرة أفخاخ الموت في الأفلام ليست جديدة إطلاقاً، وشاهدناها في أفلام Saw «المنشار» الشهيرة في العقد الماضي، وشخصيتها الشريرة قاتل الأحجيات، وهي أفلام تفننت في استعراض أدوات تعذيب لشخصياتها، وكان سبب اندفاع جماهير ذلك العقد لمشاهدتها هو عرضها لأفكار جديدة لتلك الأفخاخ، أكثر من مجرد مشاهدة عمليات تعذيب.
ومن المعروف أيضاً، وقد ذكرنا هذا الكلام في هذه المساحة سابقاً، أن سلسلة أفلام المنشار استغلت الحرب على الإرهاب التي شنتها واشنطن، إبان حقبة بوش الابن، لتحقيق شعبيتها الهائلة حيث كانت الأجزاء المتلاحقة آنذاك أفلام الساعة. وبالعودة إلى هذا الفيلم الذي من الواضح أنه مستلهم من تلك السلسلة، فإن من الصعب الفصل بين أفخاخ الموت التي يعرضها، وتلك التي شاهدناها في أفلام المنشار من حيث الفكرة، ويجوز أن نقول رغم عدم استنساخه تلك الأفخاخ، فإنه لم ينجح في عرض أفكار تتسم بالإبداع باستثناء غرفة الفرن.
هناك فخ آخر يبدو مثيراً للاهتمام شكلاً لكنه فقير مضمونا، هو غرفة بلياردو مقلوبة، تحوي صندوق موسيقى يصدح بأغنية واحدة بصوت عالٍ، وبشكل متكرر. وسقف الغرفة أو عفواً أرضيتها بما أنها مقلوبة يتشقق باستمرار.
المشهد ممل، لأن المشاهد يعرف من سيموت فيه، لكن تبقى نقطة مثيرة للاهتمام، وهي تسلق أماندا لسقف/ أرضية الغرفة كبهلوان في سيرك، ومن الواضح أن جسم الممثلة رشيق جداً، وليس جسم مجندة من المفترض أن تكون مفتولة العضلات قليلاً! لا يهم، نصيحة للمشاهد المتمرس: ابحث عن فيلم آخر.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
لعبة ترفيهية، لكن عندما تتحول إلى فيلم سينمائي، يكون عنصر المبالغة مطلوباً حتماً، كي يهتم الجمهور.
كل الآمال والتوقعات بظهور مفاجأة تضيف شيئاً أو تغير في مجرى القصة، تتبدد باختفاء الشخصيات واحدة تلو الأخرى.
«غرفة الهروب» لا ينتهي، بل يتوقف ويرفع لافتة تقول: لديَّ المزيد، لكن في الجزء الثاني الذي نتوقع منكم دفع ثمن تذاكره!