«دمبو» يخفق في التحليق بسبب الحمولة الزائدة
تتألف أغرب الأفكار، وأحياناً أجملها، من عناصر متناقضة، فلو قلنا إن فيلم «دمبو» عن الطائر الذي يطير، فلن يذهب أحد لمشاهدته، لأننا نرى الطيور في السماء يومياً، فما حاجتنا إلى مشاهدتها في فيلم إلا لو كان تثقيفياً. لكن لو قلنا إن «دمبو» عن الفيل الذي يطير فحتماً تلك فكرة غريبة وجميلة، تجمع بين حيوان ثقيل الوزن من المستحيل أن يطير بالمنطق، لكنه يستخدم أذنيه الطويلتين للتحليق.
الشيء نفسه بالنسبة للفأر الطباخ! فهو رمز القذارة ويصنع الطعام النظيف الذي نأكله ونحن مطمئنون، كما شاهدنا في فيلم Ratatouille الشهير، و«الجميلة والوحش» يجمع بين معنى كلمتَي عنوانه، و«سندريلا» بين طبقتَي الفقر والغنى، عن الخادمة التي يقع الأمير في حبها. «دمبو» فيلم أطفال بامتياز، ولن نقول فيلما عائلياً لأنه لن يعجب جميع أفراد العائلة، خصوصاً الذين شاهدوا فيلم الرسوم المتحركة في طفولتهم، مثل كاتب هذا الموضوع.
كما فعل كينيث برانا في «سندريلا» 2015، أخذ المخرج الأميركي، تيم برتون، القصة الأساسية لـ«دمبو» وحدثها بتوظيف ممثلين حقيقيين ومؤثرات خاصة. وبعكس ما فعله بيل كوندون في «الجميلة والوحش» فإن برتون لا يستنسخ قصة «دمبو» بجميع عناصرها، لكنه توسع فيها بتفاصيل زائدة أكثر مما تحتمل.
يبدأ «دمبو» في سيرك الأخوان ميديكي المتجول، في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتحديدا عام 1919، بكل ما يحويه من حيوانات، ومجموعة من المهمشين مجتمعياً، لتقديم عروض ترفيهية في المناطق الريفية.
يجمع السيرك شمل الطفلين ميلي وجو (نيكو باركر وفينلي هوبنز)، اللذين توفيت والدتهما بسبب انتشار وباء الأنفلونزا عام 1918، مع والدهما هولت (كولين فاريل) العائد من الحرب بعد أن فقد يده. يرحب مالك السيرك ماكس ميديكي (المخضرم داني ديفيتو في رابع تعاون مع برتون) بهولت، ويعرض عليه وظيفة دنيا هي راعي فيلة السيرك.
فيلة ماكس الجديدة «جمبو» على وشك أن تلد، وهو بحاجة إلى من يعتني بطفلها الذي يولد غريب الشكل بأذنين طويلتين وكبيرتين. يخيب منظر «دمبو» الغريب آمال ماكس الذي يعاني مصاعب مالية لضعف الإقبال، فيقرر بيع «جمبو» إلى مالكها الأصلي، لكنه يبقي على الطفل الذي يصبح اسمه «دمبو».
بينما يرعى ميلي وجو الطفل، يلاحظان أنه يطير بمجرد تحريكه أذنيه الطويلتين، وعندما يكتشف ماكس ذلك يقرر تقديم الفيل الطفل كنجم لاستعراضه الجديد. يخلق «دمبو» حالة هوس في البلاد، ويجذب اهتمام منظم الأحداث الترفيهية فانديفير (المخضرم مايكل كيتون في رابع تعاون مع برتون وثاني تعاون مع ديفيتو)، الذي يأتي بصحبة راقصته الأوكروباتية كوليت (إيفا غرين في ثاني تعاون مع برتون)، ليفاوض على إمكانية أخذ «دمبو» إلى مدينة الملاهي التي يمتلكها.
بدأ «دمبو» كقصة أطفال كتبها الزوجان هيلين أيبرسون وهارولد بيرل عام 1939، اشترت ديزني حقوقها وحولتها إلى فيلم رسوم متحركة منخفض الميزانية، صدر عام 1941، بسبب خسائرها جراء إخفاق فيلم ميكي ماوس الشهير Fanatasia عام 1940، ذي التكاليف العالية، الذي لم يحقق الأرباح المرجوة بسبب تعطل عمليات توزيع الأفلام في أوروبا جراء الحرب العالمية الثانية. لكن «ديزني» عوضت خسائرها بعد الحرب.
كان «دمبو» ولايزال من أكثر أفلام ديزني حضوراً في الذاكرة، خصوصاً لأجيال ما قبل التسعينات، وهو أكثر فيلم موجّه للأطفال من مجموعة أفلام ديزني في تلك الفترة. في هذه المعالجة الجديدة، التي تأتي ضمن تسونامي من أفلام الحركة الحية Live action، التي أطلقتها «ديزني» بداية العقد الحالي، والتي تجمع بين شخصيات أنيميشن بالكمبيوتر وممثلين حقيقيين، فإن برتون أحدث تغييرات راديكالية عدة.
التغيير الأكبر إلغاء الحيوانات الناطقة ووضع شخصيات بشرية مكانها، مثلاً ميلي وجو أخذا مكان الفأر تيموثي من الفيلم الأصلي. والثاني إلغاء الأغاني وإضافة 50 دقيقة من التفاصيل الجديدة إلى الـ64 دقيقة الأصلية للفيلم الأول.
اشتهر برتون بأفلام عن شخصيات غريبة الأطوار أو مهمشة مجتمعياً، أبرزها «إدوارد سزرهاند» 1990 و«إيد وود» 1994 و«أليس في بلاد العجائب» 2010، أو البطريق في فيلم «باتمان يعود» 1992. هنا يضع برتون «دمبو» في الخانة نفسها، أو فلنقل إن برتون لم يبتعد عن منطقته بالتركيز على شخصية تحاول التكيف مع حالة الغرابة التي تعيشها من جهة، وتركيزه على خلق عالم من المؤثرات الخاصة من جهة أخرى.
الحالة العاطفية لشخصية دمبو في الفيلم مبنية بشكل كامل على علاقة الصداقة التي تجمع الفيل بالطفلين، والحالة العاطفية في فيلم برتون إجمالاً ضعيفة جداً ولا ترقى لمستوى الفيلم الأصلي، خصوصاً موضوع حنين دمبو للقاء والدته.
من أهم عناصر الفيلم الأول التي يشير إليها برتون في هذا الفيلم، الريشة السحرية، ومشهد مجموعة الفيلة الوردية المتبوع بلقطة دمبو يهز رأسه على اللحن وينظر بابتسامة بريئة.
«دمبو» مليء بتفاصيل زائدة تمنع الفيلم من «التحليق» وتسبّب له حالة بطء شديدة جعلته مملاً إلى حد كبير. تلك التفاصيل سلبت دمبو شخصيته وأصبح الفيل الطائر مهمشاً لمصلحة الممثلين الحقيقيين.
ذرف «دمبو» الأصلي دموع الجماهير، بينما هذا يكتفي بوضع اسم دمبو على فيل يطير في فيلم عن مالك سيرك يعاني مشكلات مالية. يختزل الفيلم بأكمله دمبو في مشاهد فيل يطير فقط، بسبب كثرة التفاصيل التي أضافها برتون، بكلمات أخرى، لو ألغينا دمبو من القصة لكانت لدينا قصة مالك سيرك مثيرة للاهتمام أكثر من قصة فيل يطير، وهذا أكبر خلل أحدثه برتون لسبب واحد بسيط: البشر بالنسبة للبشر أكثر إثارة للاهتمام من الحيوانات!
يذكر أنها المرة الثالثة التي يتقمص فيها داني ديفيتو دور مالك سيرك، بعد أن كان البطريق الذي يقود سيركاً في «باتمان يعود»، وأموس كالوي قائد سيرك في فيلم «سمكة كبيرة»، والفيلمان من إخراج تيم برتون.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
برتون أحدث تغييرات راديكالية على أكثر أفلام ديزني حضوراً في الذاكرة، خصوصاً لأجيال ما قبل التسعينات.
ذرف «دمبو» الأصلي دموع الجماهير، بينما هذا يكتفي بوضع اسم دمبو على فيل يطير.