مزعج.. وبحاجة إلى صبر
«ميدسومر».. الطقوس الدموية تعكر صفو الطبيعة الخلابة
وصف آري أستر، كاتب ومخرج فيلم Hereditary (وراثي)، الصيف الماضي، وهذا الفيلم Midsommer، هذه النوعية من الأفلام بـ«رعب وجودي». الواقع أنها فرع غريب من صنف الرعب لا نجده في الصالات بشكل اعتيادي. فأفلام الرعب الموجودة في دور السينما تعتمد بشكل كبير على لحظات الفزع المفاجئة الرخيصة، وهذا غير موجود هنا.
يعتمد «ميدسومر»، كما «وراثي»، على ما يمكن أن نطلق عليه أجواء توتر تتكون بشكل تصاعدي حتى الوصول إلى نقطة الذروة. وهذا الأسلوب قد يراه البعض بطيئاً لكنه ضروري للرعب على وجه الخصوص، لأن صانع العمل يريد إدخال المشاهد إلى المزاج العام للفيلم أو أجوائه لو كانت الكلمة أدق.
الفيلمان متعاكسان من ناحية الصورة السينمائية، فالسابق دارت أحداثه في زوايا غارقة في ظلام دامس من منزل، بينما «ميدسومر» جرت أحداثه تحت الشمس مباشرة.
رغم أن «وراثي» كان فيلماً جيداً، فإن ذروته كانت صادمة أكثر من اللازم مقارنة بأجزاء المقدمة والوسط. في «ميدسومر» لا نجد هذا ولا نجد الكثير من الصدمات بل لا توجد أصلاً مفاجآت لأن الفيلم يذهب باتجاه توقعات المشاهد، والسبب أن أستر لا يقصد إخافة المشاهد لكن إزعاجه.
الفيلمان صنعا وفق الأسلوب نفسه وهو انطلاقة بطيئة إلى حد ما، للمحافظة على الغموض ثم إلقاء المفاجآت أو الصدمات واحدة تلو الأخرى إلى كشف الصورة النهائية لما يحدث، والتي تجيب عن الأسئلة التي تدور في ذهن المشاهد.
«ميدسومر» ليس مثل سابقه، قد يخطئه البعض ويظنه كوميدياً، نظراً لوقوع مواقف متناقضة بين أشخاص من ثقافتين مختلفتين، ونقول ربما كان من الأجدر بأستر توظيف منهج أكثر تقييداً في الإخراج لبعض المشاهد.
يبدأ الفيلم بسيناريو مظلم: تفقد داني (فلورينس بيو) عائلتها، عندما تنتحر شقيقتها المصابة بمرض عقلي باستنشاق دخان عادم لسيارتين أطلقته في المنزل وقتلت معها والديها النائمين. يقرر كريستيان (جاك رينور) صديق داني تأجيل انفصالهما ويدعوها للسفر معه إلى السويد مع أصدقائه، لتلبية دعوة صديق سويدي لحضور تجمع منعزل شمال البلاد يمارس منتسبوه طقوساً وثنية غريبة مرتبطة بانقلاب الشمس الصيفي.
يرافق كريستيان وداني صديقا الأول وهما: جوش (ويليام جاكسون هاربر)، ومارك (ويل بولتر). يحل الأميركيون الأربعة ضيوفاً على صديقهم السويدي بيلي (فيلهيلم بلومغرن) في بلاده الواقعة أقصى شمال القارة الأوروبية. وبيلي أصلاً طالب في الولايات المتحدة.
في البداية، تبدو الاحتفالات طقوساً لتعاطي المخدرات والجنس والرقص على أنغام الموسيقى. يوزع أعضاء التجمع أو فلنقل الطائفة الوثنية مواد مخدرة تسبب هلوسات، وتؤثر في العقل وتغير أو تقلب نظرة الشخص تجاه ما يراه.
مثلاً، ترى شخصية أن شعراً كثيفاً نبت على قدميها أو أن الأزهار حولها تتفتح وتغلق وكل هذه خدع بصرية من كاميرا البولندي بافيل بوغورزيلسكي، الذي صور الفيلم السابق أيضاً وبعض المؤثرات الخاصة. بالمنطق ولأن هذا فيلم رعب، تتحول رحلة الأميركيين الأربعة ومعهم شاب وفتاة بريطانيان إلى كابوس، عندما يشاهدون الطقوس الوثنية أمامهم والتي تحوي تفاصيل مقززة فوق احتمال البعض.
مثلما أن «وراثي» مستلهم من كلاسيكية رومان بولانسكي «روزميريز بيبي» عام 1968، فإن «ميدسومر» أيضاً مستلهم من كلاسيكية روبن هاردي «ذا ويكر مان» عام 1973. وبالطبع ليست الإعادة المهزلة التي ظهر فيها نيكولاس كيج عام 2006، والتي تبرأ منها هاردي نفسه.
«ميدسومر» و«ذا ويكر مان» يشتركان في الطقوس الوثنية الدموية، ورغبة تلك الطوائف في استقطاب زوار من الخارج. الفيلمان يتناولان الحياة الجنسية لأتباع الطائفة، الأول يتناول الموضوع من ناحية توثيقية، أما الثاني فاكتفى بإبراز السويدية الحسناء آنذاك بريت إيكلاند لإيصال الفكرة.
يعاني «ميدسومر» إيقاعه، فهو بطيء قياساً على مدته (147 دقيقة) لكنه ليس مملاً بالضرورة. منهاج أستر بتوظيف البطء مفهوم هنا وهو استحواذ أجواء القصة على انتباه المشاهد. يجمع الفيلم بين نقيضين: الطبيعة الخضراء الخلابة المهدئة للنفوسن والطقوس الوثنية الدموية المرعبة.
يعتمد أستر على اللقطات العريضة لأنه يصور في الطبيعة، وتالياً يبرز جماليات الصورة خصوصاً المشاهد من الأعلى التي تظهر التشكيلات البشرية المتناسقة لأعضاء الطائفة أثناء أدائها طقوسها الراقصة. في الوقت نفسه فإن اللقطات العريضة تخدم غرضاً آخر هو إبراز ضعف الشخصيات أمام الخطر الماثل أمامها، والذي لا تراه لأنه متمثل في الطقوس الوثنية نفسها.
بينما تعطي المؤثرات الخاصة المستخدمة في تصوير الهلوسة الإحساس المطلوب، فإن مشاهد الدم لم تكن كلها بمستوى التأثير نفسه. أول لقطتين ولا داعي لوصفهما كانتا مزعجتين لدرجة أن المشاهد ذا الإحساس المرهف قد يخرج من الصالة أو يغطي عينيه.
لكن مشاهد الدم في نهاية الفيلم كانت كرتونية إلى حد بعيد، لأن الجثث بدت مثل دمى شمعية يسيل منها سائل أحمر، كأنها جثث من أفلام رديئة الجودة من الستينات والسبعينات.
هذا ثاني فيلم لأستر، الذي يصف نفسه بمهووس أفلام رعب، يتناول فيه التأثير الإجرامي لمعتقدات دينية لأفراد طائفة في سلوكهم، وثاني فيلم مستلهم بشكل مباشر من كلاسيكية، وثاني فيلم عن امرأة تفقد عضواً من أسرتها في حادث، وثاني فيلم ينقلب على سخف نهايات هوليوود السعيدة بنهايته القاتمة.
أحياناً، أقوى اختبار لفيلم رعب غير تقليدي ليس إخافته الجمهور، بل في إزعاجه لهم بترسيخ مشاهده في أذهانهم. «ميدسومر» يحقق علامة كاملة في هذا الجانب، وهو أفضل من الكثير من أفلام الرعب التي تستحق سلة المهملات بدل عرضها في الصالات، مثل الإصدار الحديث والأردأ من دمية تشاكي القاتلة، و«أنابيل تعود إلى المنزل»!
كلمة أخيرة: إذا رغبت في مشاهدة فيلم رعب غير تقليدي، فهذه هي ضالتك، لكن تحلَّ بالصبر، وستكافأ في النهاية.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
أفلام الرعب الموجودة في دور السينما تعتمد بشكل كبير على لحظات الفزع المفاجئة الرخيصة، وهذا غير موجود هنا.
إذا رغبت في مشاهدة فيلم رعب غير تقليدي، فهذه هي ضالتك، لكن تحلَّ بالصبر، وستكافأ في النهاية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news