«الأمنية الأخيرة»..توظيف جيد للغموض رغم القصة المألوفة

من أهم أسباب نجاح سينما الرعب في هذا القرن عودتها إلى الأساسات التي نشأت عليها في بدايات القرن الـ20، فالمتتبع لتاريخ هذه السينما يلاحظ أن كل الأفلام الجيدة تحمل عناصر مشتركة، هي بمثابة بصمة وراثية، مثل: الغموض، والجو العام، والتوتر، والشخصيات.
سينما الرعب قد تكون الأكثر شعبية بين الناس، وهي حتماً مغناطيس الجماهير دون الحاجة إلى نجوم، وفي الوقت نفسه نجاحها معتمد على البساطة، هذا سر المعادلة.
فيلم The Final Wish (الأمنية الأخيرة) الذي يعرض في دور العرض الإماراتية حالياً، يقع ضمن تصنيف فرعي هو الرعب النفسي، رغم احتوائه على عناصر الرعب التقليدي، أو ما فوق الطبيعة. ولم يأتِ الفيلم بجديد، وليس تحفة سينمائية، ولم يقلب قواعد الرعب رأساً على عقب، لكنه وظف العناصر المشتركة في قصة معقولة ومشحونة نفسياً.
بعد إخفاقه في اجتياز مقابلة وظيفية وطرده من مسكنه الذي لم يسدد إيجاره، يعود آرون (مايكل ويلش) إلى بلدته، إثر تلقيه مكالمة حملت له خبر وفاة والده. العودة ومواجهة العائلة والأصدقاء ليستا سهلتين في ظل لامبالاة آرون طوال سنين غيابه، خصوصاً والدته كيت (لين شي)، التي فقدت مشاعرها تجاه ابنها، نتيجة ابتعاده عن العائلة حتى لحظة وفاة والده.
يحاول آرون تعويض ما فات، وتخفيف شعور الحرمان الذي أصاب العائلة، وبينما يجمع أغراض والده الشخصية، يجد جرة قديمة. يكتشف – في ما بعد - أنها ملعونة يسكنها جني غرضه تحقيق أمنيات طيبة في البداية، ثم مشؤومة للشخص الذي يخرجه. هل تبدو قصة علاء الدين والمصباح السحري مألوفة؟ نعم، هذا الفيلم مثل قصة علاء الدين لكن في قالب جدي مرعب.
كتب الفيلم جيفري ريديك (كاتب فاينال دستنيشن)، وأخرجه تيموثي وودوارد جي آر (أخرج هيكوك). هناك ثقة تستحق التوقف عندها لدى وودوارد، الذي لا يعتمد على لحظات الفزع كما تفعل أفلام الرعب عادة، لكنه يعتمد أكثر على الغموض وبناء جو من التوتر.
يعلم وودوارد أن النص الذي بين يديه بعيد عن الكمال، ويعلم أنه يتعامل مع قصة قديمة تناولتها أفلام الرعب كثيراً، وهذا ما نعنيه بالثقة، فهو رغم ذلك يمضي بالفيلم معتمداً على الإثارة النفسية، باستخدام موضوعي غموض الموت وقسوة الانفصال على الفرد والمجتمع، بشكل يدعو إلى التأمل.
كما يوظّف وودوارد الغموض بشكل جيد، ويخرج مفاجآته واحدة تلو الأخرى، مسنوداً بأداء ويلش وعميدة سينما الرعب شي، التي لم تغب عن هذه الأفلام منذ منتصف الثمانينات.

الروح الخبيثة
العلاقة بين الأم وابنها مختلة، وتتخللها أوهام وكوابيس تؤدي إلى اليأس. والعنصر الشيطاني لا يطل بوجهه القبيح إلا بعد منتصف الفيلم وأكثر في المشاهد الأخيرة، والمثير للاهتمام أنه مقنع. وأيقونة الرعب توني تود يضيف بعداً قاتماً، يخطف الأنظار في المشهد الوحيد الذي يظهر به.
بوسعنا القول بأن القصة القديمة والمألوفة، التي ذكرناها، مستلهمة جزئياً من كلاسيكية ويليام فريدكن The Exorcist «طارد الأرواح» 1973، أو ربما تكون من الموروث الثقافي العربي (الفولكلور)، ورغم أن ذكر الروح الخبيثة في الفيلم كان واضحاً، فإن الجميل أن النص لا يغرق في الشرح والتفسير، بل يبقي ذلك لأقل مستوى ممكن.
تعرض آرون ووالدته لهلوسات نتيجة فقدان والده، وهو ما يولد الغموض في الفيلم. عندما يبدأ سلوك كيت في التغير فجأة، فإننا لا نعرف على وجه التحديد أين الحقيقة وأين الكوابيس؟ هل ما تراه هلوستها أم هي وجهة نظر ابنها الذي يعاني تشوهاً في نظرته للأمور منذ بداية الفيلم، بسبب غموض تلك الجرة. هل الكيان الشيطاني سبب كوابيسها أم فقدان زوجها؟
ورغم وجود نوع من الارتباط الرومانسي بين آرون وليزا (ميليسا بولونا)، لكن نواة الارتباط العاطفي في الفيلم هي العلاقة بين الأم وابنها. هذا أجمل جانب معقد في الفيلم، والأكثر وضوحاً، والجانب الوحيد الذي تتألق فيه شي. وربما هي المرة الأولى التي تظهر فيها شي بشكل مقلق، عوض ظهورها السابق في أدوار أقل تعقيداً، وتضفي طابعاً كوميدياً تخفيفياً على أجواء الرعب، كما هي الحال في سلسلة Insidious الشهيرة.
ملابسها القديمة الأنيقة، وديكور المشهد، تعطي عمقاً ولوناً لقصتها، وتساعد في رسم تصور لزوجها المتوفى. أما آرون فتائه في بيئة نشأ فيها وعاد إليها بعد غياب طويل، كأنه سمكة أخرجت من الماء.
تصوير بابلو ديز وتوظيف الإضاءة لخدمة أجواء الرعب في منتهى الجمال، وإشاراته إلى أفلام رعب أخرى، مثل «أنابيل» بوضع دمية في طرف الشاشة، أو تصوير تمثال لكيان شرير، ساعدت في شحن التوتر بالمشاهد. ومن المآخذ تجسيد الكيان بشكل كامل على الشاشة في آخر الفيلم، ولم يكن ذلك ضرورياً، فالغموض أفضل عامل لقذف الرعب في القلوب، أو الاكتفاء بإظهاره على شكل ظل أو خيال شفاف، كما حدث في «طارد الأرواح».

بحاجة إلى صبر
الفيلم لن يرضي عشاق الرعب، ممن شاهدوا أعمالاً بمستوى The Conjuring أو Hereditary أو Insidious، لأنه يركز على الرعب النفسي أكثر، وقد يكون السبب أنه إنتاج مستقل. لكن وودوارد رغم بساطة النص والإمكانات متمكن جداً من أدواته، ما يبقيه متماسكاً إلى حد كبير رغم كل العيوب الظاهرة، والمتمثل معظمها في المونتاج أكثر من الكتابة، وفي الأداء غير المقنع لبعض الشخصيات، مقابل الحرفية الكبيرة لشي وويلش وتود.
الفيلم بحاجة إلى صبر رغم عدم تجاوزه 95 دقيقة، وهو غير مخيف بالدرجة المطلوبة، ويصلح للمشاهد المتأمل أكثر من المتحمس أو المدقق والمتابع لتاريخ سينما الرعب، والمهتم بطريقة تأليف وصنع المشاهد أكثر من الذي يريد الاكتفاء بقصة ولحظات فزع.. مرة أخرى نقول: الفيلم لا يحوي قصة مخيفة لاعتماده على العامل النفسي، ولن يكون على قوائم أفضل أفلام الصنف، لكنه ليس سيئاً ومتماسك.

 

    
    
    

 

تويتر