قصة رديئة وشخصيات بلا وزن
«دكتور سليب».. بطيء وممل ويبعث على النوم
هل يحتاج فيلم The Shining إلى جزء ثانٍ؟ إذا كان جاك تورانس مخبولاً أو غامضاً أو مرعباً أو أي شيء جعل من ذلك الفيلم كلاسيكية لا تُنسى وعلى قوائم أفضل الأفلام في تاريخ السينما، فهل من الضروري صنع جزء ثانٍ منه؟
هنالك شخصان فقط يعتقدان ذلك، الأول مؤلف القصة ملك أدب الرعب الأميركي ستيفن كينغ، والثاني مايك فلاناغان كاتب ومخرج الفيلم. ونتيجة قرارهما هذه الفوضى الماثلة أمامنا بعنوانDoctor Sleep، المقتبس من رواية بالاسم المذكور نفسه، فكما كانت كلاسيكية أسطورة السينما ستانلي كوبريك مقتبسة من رواية كينغ المنشورة عام 1977، فإن هذا الفيلم مقتبس من روايته المنشورة عام 2013.
المعروف أن كينغ وكوبريك اختلفا كثيراً على الفيلم الذي أعاد تعريف سينما الرعب عام 1980، وأن كليهما أراد فرض رؤيته الفنية، وفي النهاية انتصر كوبريك لرؤيته وغضب كينغ غضباً شديداً وتبرأ من الفيلم وصرح بأنه ممل جداً ولا يُطاق.
«دكتور سليب» أطول من رائعة كوبريك بنحو نصف ساعة، ويبدو أنه كان متعِباً جداً في التحضير (كتابة وإخراجاً) بالنسبة لفلاناغان، وثقيلاً جداً على المشاهد لأنه بلا روح ولا رؤية فنية مميزة، ومملوء بشخصيات جديدة مملة جداً، إلى درجة أنك تشعر بالشفقة على نفسك لأنك تعذب نفسك بتجربة مشاهدته، فضلاً عن سيناريو ضعيف لأن القصة رديئة لا معنى لها وسخيفة أكثر من مخيفة.
لا نعرف حتى من هو بطل الفيلم، أهو داني تورانس؟ الذي كان طفلاً في فندق «ذا أوفرلووك» في الفيلم الأول، يقود درّاجة هوائية في ممرات طويلة، وهي اللقطة الأيقونية الأشهر لذلك الفيلم، والذي طارده والده بالفأس في أداء خلدته الذاكرة السينمائية للمعتزل جاك نيكلسون، أم هي أبرا ستون التي تتمتع بقدرات تخاطرية؟
في الفيلم الجديد نرى داني (إيوان مكروغر) وقد كبر وأصبح مدمن خمر ومشرداً وعاطلاً عن العمل، ومصاباً باضطراب ما بعد الصدمة بسبب الأحداث المأساوية التي وقعت في نهاية فيلم «ذا شايننغ»، وقد توفيت والدته وندي (أليكس إيسو) بعد انتقالهما من كولورادو. نرى داني يعاني قوته التخاطرية التي تسمى shining أو «بريق» حسب الفيلم، لكنه طَوَّر قدرة للتخلص من شياطين فندق أوفرلووك بوضعهم في صناديق خيالية داخل عقله.
قرّر الرجل دخول برنامج علاجي جماعي للتخلص من الإدمان. تطوّع رفاق داني في البرنامج لمساعدته في الحصول على مأوى ووظيفة في دار مسنين، حيث لقب بطبيب النوم بسبب قدرته التخاطرية التي تمكنه من دخول عقول كبار السن من المرضى ونقلهم برفق إلى مثواهم الأخير.
في مكان آخر، تزحف قوى خارقة أخرى من جانبي الخير والشر، فتاة تُدعى أبرا (كايلي كيوران) تتمتع بقوى تخاطرية مثل داني، وتحتاج إلى نصحه كما حصل داني نفسه على إرشادات من الحكيم ديك هالوران (أدّى دوره في الفيلم الأول سكاتمان كروثرز، وهنا يؤديه كارل لمبلي).
على جانب الشر، عصابة من مصاصي الأرواح تصطاد الأطفال وتقتلهم لتتغذى على أرواحهم بغرض إيقاف تقدم أعضاء العصابة في السن. تقود العصابة روز ذا هات (السويدية ريبيكا فيرغسون)، بمجرد السيطرة على الضحية تشعل العصابة ناراً وتجتمع على الضحية وتمارس عملية شهيق جماعي.
نجد فلاناغان يركّز على روز ذا هات، وهي شخصية مملة وغير مثيرة للاهتمام ولا حتى مخيفة، بل هي حسناء وجذابة وليست مخيفة إطلاقاً.
لدينا شخصيات تعيسة وقصة رديئة جداً، وبطء سردي أبطأ من السلحفاة، والكثير من اللف والدوران بلا معنى ثم يأخذنا الفيلم إلى فندق أوفرلووك وحتى هذه الجزئية المقحمة بشكل رخيص لم تكن مهمة، والسبب الوحيد لوجودها أن فلاناغان مفلس ويريد إيقاظ من نام خلال العرض ليقول له هذه الجزئية التي تنتظرها لأن كل الفيلم الأول دار في أروقة الفندق.
ثم يسلط فلاناغان عدسته على الشرخ الذي أحدثه جاك في الباب بفأسه وهي لقطة أيقونية أخرى من ملصق الفيلم الأول وتسمى Here’s Johnny وكأنها ستسبب لنا رعشة! لكنها تمر مرور الكرام وبلا أي تأثير يذكر لأننا استفقنا من النوم ونريد الخروج من الصالة بأي ثمن، ولم تعد أحداث الفيلم التافه مهمة.
يمزج فلاناغان أصنافاً عدة في الفيلم لكنه لا يضبطها، إذ يتيه الفيلم بين الخيال الظلامي Dark Fantasy ومن عناصره مصاصو الدماء وما شابههم، وبين الخيال الحضري Urban Fantasy وهو صنف من الأعمال الفنية يمزج الواقعية بالخيال عن طريق وضع عناصر سحر في مدن معروفة مثل نيويورك أو نيوهامبشر، وكل هذا مع بعض بهارات الرعب.
الفيلم بلا روح وفاقد النبرة وصيغته أقرب إلى مسلسل الفتيات الخيالي «حدث ذات مرة»، وكل هذا بسبب غلطة فلاناغان الفادحة عندما قرّر إرضاء جميع الأطراف. فقد صرح الرجل بأنه على علم بالخلاف الواقع منذ 40 عاماً بين كوبريك وكينغ، وبناء على ذلك قرر أن يجمع بين رؤية كينغ وبين العالم شبه المستقل عن الرواية الذي صنعه كوبريك إرضاء لعشاق الفيلم الأول، والنتيجة كارثية بشكل لا يُوصف.
تطغى رؤية كينغ وروحه على الفيلم كما كانت الحال مع فيلم IT المعاد، التعيس هو الآخر، فنرى التركيز على كليشيهات كينغ الأدبية المكررة في كل قصصه، وهي إذا كان طالب بارع في الرياضيات فسيكون محاسباً عندما يكبر، وإذا تعرضت الفتاة للضرب من قبل والدها فستتعرض للتنمر والضرب من زوجها عندما تكبر وهكذا.
ينتقل فلاناغان في الفيلم بين لقطات سريعة عن داني الطفل وداني الرجل، داني المدمن على الشرب وداني الذي يقاوم الإغراء ويحطم زجاجة المشروب وسط ثرثرة ستصرع أي مشاهد اعتاد الثرثرة في الأفلام. ويمضي الفيلم كمحاضرة نفسية مضجرة تتمنّى لو لم تدخلها.
من الأسباب التي جعلت «ذا شايننغ» كلاسيكية لا تُنسى الغموض. هل جاك مخمور أم مجنون؟ هل كان مجنوناً قبل اعتزاله في فندق أوفرلووك أم أن الفندق كان مسكوناً بالشياطين؟ الغموض عنصر أساسي في سينما الرعب، لكن فلاناغان لا يعيره هنا أي اهتمام. ويُذكر أن نرجسية كينغ دفعته إلى إعادة صنع «ذا شايننغ» تلفزيونياً عام 1997 لإغاظة كوبريك الذي توفي بعدها بعامين.
ملاحظة أخيرة: في فيلم «ذا شايننغ» لقطة مرعبة ومزعجة لامرأة عجوز قبيحة عارية تخرج من حمّام كجثة تخرج من قبرها وتضحك بشكل يرسل قشعريرة في بدنك وتمشي باتجاه الكاميرا. اللقطة جزء من مشهد يسبب توتراً وكوابيس واضطراباً في النوم. المشكلة أن فلاناغان يستخدم اللقطة نفسها ثلاث مرات وربما أربع مرات، حتى شعرنا أننا نريد إعطاء العجوز منشفة وحذاء مانعاً للانزلاق ونطلب منها مغادرة هذه المأساة.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
فلاناغان يركّز على «روز ذا هات»، وهي شخصية مملة وغير مثيرة للاهتمام ولا حتى مخيفة، بل هي حسناء وجذابة.
كينغ وكوبريك اختلفا كثيراً على الفيلم الذي أعاد تعريف سينما الرعب عام 1980.
فيلم بلا روح.. وشخصيات تعيسة، وبطء سردي أبطأ من السلحفاة، والكثير من اللف والدوران بلا معنى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news