«ذا لوندرومات».. جيد ومتماسك رغم خلط «الحابل بالنابل»
نعيش فعلاً عصر نهاية السينما عندما تتمكن «نتفليكس» من تنصيب نفسها بديلاً جيداً للرديء المطروح في الصالات. نعيش عصر نهاية السينما عندما يصرّح مخرج بحجم ستيفن سودربيرغ، بأن عرض فيلمه The Laundromat سينمائياً لا يهمه! ربما هي نهاية السينما التي نعرفها، وليست نهاية السينما كفكرة، عموماً لا يهم! لو عدنا بالذاكرة ثلاثة أعوام إلى الوراء، وهو وقت طويل في حقبة «واتس أب»، فإن مصطلحاً سياسياً شاع في نشرات الأخبار والصحف والإنترنت: أوراق بنما.
أوراق بنما هي وثائق سرّبها عامل داخل شركة المحاماة البنمية موساك فونسيكا، وحملت أسراراً عن أكثر من 200 ألف حساب وشركة وهمية حصل عليها الصحافي الألماني باستيان أوبرماير، ما تسبب في ضجة إعلامية وسقوط أشخاص من مناصبهم.
يستخدم الفيلم المقتبس من كتاب عالم السرية لجيك بيرنستاين، أسلوباً مشابهاً لفيلم The Big Short الذي أخرجه الأميركي آدم مكاي، وترشح للأوسكار منذ أربعة أعوام، بالطبع دون مشهد استحمام مارغو روبي الشهير! ويسلط الضوء على الأنشطة التي فضحتها أوراق بنما.
جدية ساخرة
بدلاً من الجدية التي وظّفها سودربيرغ في فيلم ترافيك عام 2000، فإنه فضل استخدام طريقة الأخوين كوّين، وهي الجدية الساخرة. ينتقل الفيلم بين أربع قصص موجزة عن مرتكبي جرائم قانونية وأخلاقية وضحاياهم.
لا توجد شخصية واحدة مكتملة ولا قصة واحدة كاملة، لكن يوظفها سودربيرغ كطريقة لأنسنة تفاصيل عالم غامض عن شركات وهمية وممارسات سرية وعمليات تمويل مشبوهة تتم في حسابات لا تخضع لأي تدقيق. ويتضمن ذلك الفرق بين مصطلح تجنب الضريبة، وهي ممارسة قانونية، والتهرب الضريبي وهي جريمة! ما الفرق بينهما؟ حسب الفيلم الفرق مثل الجدار الفاصل بين زنزانتين.
يقدم سودربيرغ رجلين، الألماني يورغن موساك (غاري أولدمان بلهجة مضحكة)، والبنمي رامون فونسيكا (أنتونيو بنديراس)، اللذين يتحدثان كأنهما مذيعا برامج تلفزيون الواقع، ويرتديان بدلات فخمة حتى وهما يتحدثان مع رجلي كهف في مشهد مقدمة غير مفهوم بصرياً. يساعد موساك وفونسيكا المشاهد في فهم فيلم مليء بالمصطلحات المالية، ويخوضان معه في تعقيدات الشركات الوهمية. إضافة إلى ذلك، فإنهما أيضاً شخصيتان رئيستان في إحدى القصص، وهما المحاميان اللذان يديران الشركة التي تسرّبت منها تلك الوثائق. أحياناً يدافعان عن أفعالهما المشينة التي لا تستحق حتى الدفاع عنها، لأنهما حسب دفاعهما غير مسؤولين عن تصرفات العملاء. هما يوفران الخصوصية فقط. النتيجة النهائية هي عبارة: «المساكين هم المتوّرطون» التي تظهر قرب نهاية الفيلم. تؤدي ميريل ستريب شخصية إلين مارتن، امرأة سبعينية متقاعدة، يموت زوجها (جيمس كرومويل) في حادث غرق قارب، وتكتشف بعدها أنها لن تتمكن من الحصول على أموال التأمين لأن شركة التأمين بيعت على شركة أخرى مملوكة لكيان ضخم موجود على الورق فقط!
بعد أن تتتبع مسار الشركة في تحقيق تتولاه بنفسها (كما فعلت إيرين بروكوفيتش في فيلم باسمها عام 2000 أخرجه سودربيرغ أيضاً)، تسافر إلى جزيرة نيفيس لتصل إلى الرجل المسؤول في شركة «المجموعة المتحدة للتأمين» مالكوس بونكامبر (جيفري رايت)، ينكر الرجل اسمه أمامها ويهرب، لكن مفاجأة من العيار الثقيل تنتظره في فلوريدا التي هرب إليها. في قصة أخرى، تكتشف ابنة رجل أسود ثري اسمه تشارلز (نونسو أنوزي) أمر علاقته غير الشرعية مع زميلتها. للإبقاء على السر وخشية علم زوجته بالموضوع يعرض تشارلز تسوية مع ابنته، وهي منحها شركة وهمية بقيمة 20 مليون دولار. وعندما تذهب لتسلم حصتها تكتشف أن قانون الشراء على مسؤولية المشتري ينطبق على موقفها، بكلمات أخرى لا تحصل على شيء. في مكان آخر، بريطاني متخصص في عمليات غسيل الأموال (البلجيكي ماتياس سخونارتس) يضغط على موكلته الصينية (روزاليند تشاو) لزيادة حصته من عملية غسيل الأموال، من خلال شركة موساك وفونسيكا، ويكتشف أن إخفاء الأموال ليس الجريمة الوحيدة التي تستطيع موكلته ارتكابها.
فهم الصورة الشاملة
يقدم سودربيرغ القصص بسخرية لاذعة بغرض تعليم المشاهد بأسلوب ترفيهي. لو تخيلنا أن الفيلم بيد مخرج آخر لاختار طابعاً جدياً وبوليسياً أكثر. لا يأتي سودربيرغ بجديد كما أسلفنا فقد شاهدنا هذا الأسلوب في فيلم ذا بيغ شورت، ولو أن هذا الأخير فعلها بشكل أفضل، وهو تعمد استخدام مصطلحات صعبة دون الإسهاب في تفسيرها، والمقصود أن الموضوع معقد حتى على مخرج الفيلم نفسه. يعني لا تحاولوا فهم طرق النصب والاحتيال لأنها معقدة ومنتشرة بشكل لن تتخيلوه.
وحتى فنياً فإن سودربيرغ يكتفي بتقليد مكاي في توظيف السرد واختراق الجدار الرابع (الشخصيات تتحدث إلى المشاهد مباشرة)، لتأطير قصته وترجمة المصطلحات المعقدة إلى لغة مفهومة. يبدأ موساك وفونسيكا بسرد قصة الاقتصاد من حقبة المقايضة أيام رجل الكهف حتى النظام المالي الحالي. يتحدثان للمشاهدين بشكل مباشر، وفي مقطع نهاية الفيلم يشيران مباشرة إلى امتلاك مخرج الفيلم وكاتبه لشركات وهمية بالقانون في ولاية ديلاوير لتجنب دفع ضرائب.
السيناريو معقد وصعب الفهم، بينما من السهل تتبع مسار القصص الأربع، فإنه من الصعب جمع كل القطع لمحاولة فهم الصورة الشاملة. يأتي تسريب أوراق بنما في النهاية ويبدو مقحماً أكثر من نتيجة طبيعية للأحداث. نبرة الفيلم غير مستقرة أو حرة كما يحلو لبعض المخرجين وصفها، وهو أسلوب مشتت لكثير من المشاهدين، خصوصاً الذين يبحثون عن قصص وشخصيات يتعاطفون معها. هذا الأسلوب سريع جداً لا يمهلك فرصة للتأمل والمراجعة ويقذف بالمعلومات قذفاً، و لا يعطي فرصة للتعلق بشخصية معينة، ويضيف تفاصيل لا معنى لها ولا تمت للقصة بصلة، مثل اكتشاف زواج بونكامبر من امرأة ثانية سراً في فلوريدا. في نهاية الفيلم تخرج ستريب من شخصيتها بشكل استعراضي مسرحي، وتعطينا محاضرة عن النظام الأميركي السياسي والمالي المعطل، وتطالب بإصلاحات فورية. الفيلم جيد ومتماسك رغم أسلوب سودربيرغ الفوضوي. يشار إلى أن قصة الثري تشارلز تشبه كثيراً قصة رجل الأعمال الروسي ديمتري ريبولوفليف، وابنته إيكاترينا مالكة نادي موناكو لكرة القدم. يذكر أن قصة غاسل الأموال البريطاني تشير إلى فضيحة وانغ ليجن السياسية في الصين عام 2012.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
أولدمان ألماني.. وبنديراس بنمي
الألماني يورغن موساك «غاري أولدمان بلهجة مضحكة»، والبنمي رامون فونسيكا «أنتونيو بنديراس» يتحدثان كأنهما مذيعا برامج تلفزيون الواقع.
أوراق بنما وثائق سرّبها عامل داخل شركة موساك فونسيكا، وحملت أسراراً عن أكثر من 200 ألف حساب وشركة وهمية.
4
قصص موجزة عن مرتكبي جرائم قانونية وأخلاقية وضحاياهم، يتنقل بينها الفيلم.
ميريل ستريب.. سبعينية
تؤدي ميريل ستريب شخصية إلين مارتن، امرأة سبعينية متقاعدة، يموت زوجها (جيمس كرومويل) في حادث غرق قارب.