«6 أندرغراوند».. «نتفليكس» تقتحم سينما الأكشن والإبهار البصري
تثبت «نتفليكس»، مع كل فيلم تطرحه، أنها باتت رقماً صعباً في صناعة الترفيه، والعامل الذي يحسب له ألف حساب، ووحشاً كاسراً سيطر على موسم الجوائز الحالي، فبعد صدور قوائم ترشيحات غولدن غلوب (جمعية المراسلين الأجانب في هوليوود)، تبين أن ثلاثة من المنافسين في خانة الدراما، وواحداً من المنافسين في خانة الكوميدي من إنتاج «نتفليكس» وحدها.
وهذا يعني أن العقد المقبل سيشهد منافسة محمومة بين كل شركات الإنترنت لدخول حلبة الإنتاجات الأصلية؛ ما يعني أن مفهوم السينما قد تغيّر بالكامل، ولم يعد مقتصراً على تلك الصالة المظلمة التي تضيئها الشاشة الكبيرة. تغيّر المفهوم ولم يعد مصطلح فيلم سينمائي أو تلفازي يحمل المعنى ذاته الذي حمله منذ 10 أعوام. اليوم لدينا أفلام إنترنت مصنوعة بمعايير سينما أو تلفزيون وهي ظاهرة جديدة وفريدة من نوعها، ليس لها أي سابقة في تاريخ صناعة الترفيه.
وقبل أن يستوعب العالم هذه الثورة التي بدأت منذ ستة أعوام فقط، غيرت «نتفليكس» مجرى التاريخ مرة أخرى بإنتاج هذا الفيلم 6 Underground، الذي بلغت ميزانيته 150 مليون دولار، ويتباهى عملاق التقنية به أمام كبار استديوهات هوليوود، مثل «باراماونت» و«وورنر» و«يونيفيرسال»، والرسالة بسيطة: السينما ليست المكان الوحيد الذي يمكن أن تشاهد فيه فيلم أكشن بأقوى المعايير! فإذا كنت تملك نظام مسرح منزلياً، فبإمكانك الاستمتاع بهذا الفيلم دون الحاجة لمغادرة البيت.
بصمة خاصة
فيلم «6 أندرغراوند» أول إنتاج لـ«نتفليكس» في خانة Tentpole movies، وهي أفلام متعددة الأصناف تُبنى قصتها حول مشاهد أكشن تصنع بغرض الإبهار البصري، وتتميز بميزانية مرتفعة، وتجلب معها مردوداً مالياً عالياً في وقت قصير، وتسمى بهذا الاسم «وتد الخيمة»، لأن أداءها قوي ومتماسك في شباك التذاكر كالوتد الممسك بخيمة يمنعها من الانهيار، ويعرف الاستوديو من خلالها متى يطرح بقية أفلامه غير الواثق بأدائها. وبالقياس على «نتفليكس»؛ فإن المردود المالي يقاس بعدد الاشتراكات.
تعاونت «نتفليكس» هذه المرة مع مايكل باي، الملقب بـ«رائد سينما الفوضى»، والذي يعرف باي ويحفظ أفلامه سيتعرف إليه خلال أول خمس دقائق من هذا الفيلم الفوضوي. صنع باي في الماضي أفلام Bad Boys والصخرة والمتحولون وألم ومكسب و13 ساعة. وكلها أفلام تتميز بشيء واحد: قصة تسرد بشكل سريع جداً تتخللها مشاهد أكشن أسرع قد لا يستوعبها العقل.
رغم ذلك فعلينا الإقرار بأن الرجل تمكن من صنع علامته الخاصة، كما بقية أقوى مخرجي هوليوود حتى لو نكره أفلامه. الذي يختار مشاهدة هذا الفيلم عليه تفهم أسلوب ولغة باي السينمائية، مقارنة بغيره من الكبار مثل مارتن سكورسيزي. باي سريع جداً و«شوارعي» في العرف السينمائي وأفلامه الوجبة السريعة بالنسبة للسينما (يعني انبهر بالفيلم وانصرف ولا تفكر به بعد ذلك)، وسكورسيزي يطبخ فيلمه على نار هادئة، ويريد منك التأمل في تفاصيله لأسابيع بعد المشاهدة.
لا قصة
ليست هناك قصة تذكر في هذا الفيلم، ملياردير (رايان رينولدز) زور موته ليتخفى ويقود فريقاً من المرتزقة الذين يتخفون مثله لأداء مهام قذرة ترفض الحكومات تنفيذها. في فيلم من الواضح أنه يريد أن يكون بداية انطلاق سلسلة، نرى المرتزقة يخططون لانقلاب ضد ديكتاتور في دولة خيالية تسمى ترغستان، واستبداله بشقيقه الجانح للسلم.
ولتنفيذ المخطط عليهم اغتيال أربعة جنرالات يحيطون به في مشاهد أكشن رهيبة التنفيذ، لا تتساءل عن منطقية هذا وذاك، ولا تفكر في عدِّ جثث الموتى، أو إحصاء كمية الانفجارات في كل دقيقة من الفيلم.
أعضاء الفريق معروفون بأرقامهم فقط، رينولدز رقم 1، وعميلة سي آي إيه (ميلاني لورينت - والأفضل أداء حتى في فيلم فوضوي كهذا)، وقاتل مأجور (مانويل غارسيا رلفو)، وصبي متخصص في القفز فوق أسطح المباني (بين هاردي)، وقناص سابق مصاب باضطراب ما بعد الصدمة (كوري هوكنز الشهير من مسلسل 24)، وامرأة بلا هوية ولا شخصية واضحة ولا مهارة معينة تبدو كإضافة تورط بها باي لأنه خجل أن يصرفها بعد أن دفعت لها «نتفليكس»، وتؤديها أدريا أريونا. ولدينا الإيراني بيمان مادي (من فيلم انفصال)، في دور شقيق الديكتاتور الذي يجب على الفريق أن يخرجه من السجن، والزج به في سدة الحكم. وليور راز في دور الديكتاتور الذي ينتهي، كما انتهى العقيد معمر القذافي!
نقول: قصة تافهة في أفضل أحوالها، ومهما حاول باي إدخال السياسة في حبكته، فهو يعكس أنه لا يفهم شيئاً؛ لأن نبرة الفيلم غير متسقة مع موضوعه. السياسة مادة دسمة وجادة، ولا تتماشى مع فيلم سطحي صنع بغرض الإبهار لا التأمل، بغرض الهجوم على حواس المشاهد لا دغدغتها أو تهييجها.
إغاظة توم كروز
يفتتح باي فيلمه بمطاردة 20 دقيقة تقول: «اللعنة على من ينتقدني»، لا منطق فيها، وتضرب بقوانين الفيزياء عرض الحائط. لا تلمس جهاز التحكم عن بعد ولا هاتفك الذكي ولا تفكر في إعادة شيء لم يستوعبه عقلك. تقبلها لأن الرجل بارع في صنع الفوضى.. وعلينا تقدير هذه الموهبة.
وعلينا تقدير أن الرجل يصنع مطاردة دون الاستعانة بمؤثرات خاصة باستثناء تقطيعها، للقفز على حواجز الزمن (قبل أربعة أشهر، وبعد ستة أشهر) ليكتب لنا على الشاشة هذا الماضي وهذا الحاضر، وطبعاً يستحيل أن يستوعب أحد شيئاً في تلك السرعة.
وكما دمر باي نصف مدينة سان فرانسيسكو في مطاردته الشهيرة بفيلم الصخرة عام 1996، فإنه يدمر نصف مدينة فلورنسا الإيطالية في مطاردة الافتتاح، التي ستجعل الراحل ستيف مكوين، صاحب المطاردة الشهيرة الكلاسيكية في بوليت 1968، يندم على أنه لم يعش ليشاهدها! ومطاردة فلورنسا غالباً إشارة لفيلم The Italian Job الشهير من الستينات.
فنياً، يتألف الفيلم من مشاهد سريعة جداً، كل مشهد بين ثلاث وأربع ثوانٍ. وأفكار جديدة لمشاهد الأكشن صنعت للإبهار ولإغاظة توم كروز وفريق «مهمة مستحيلة»، أن احتكارهم لهذا النوع من الأكشن انتهى.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
تسرح وتمرح وحدها
نقول مجدداً: لن تترك بقية شركات التقنية «نتفليكس» تسرح وتمرح وحدها في الميدان، وسيشهد العقد المقبل منافسة ضارية من عمالقة الإنترنت. أما استديوهات هوليوود التقليدية فغالباً ستتراجع تاركة الساحة للاعبين الجدد، خصوصاً «نتفليكس» التي سيطرت على أفضل الأفلام المتوسطة الميزانية، ونراها اليوم تدخل سينما الإبهار البصري من أوسع أبوابها.
ميلاني لورينت الأفضل أداء، حتى في فيلم فوضوي كهذا.
المخرج باي «شوارعي» في العرف السينمائي، وأفلامه وجبة سريعة.
150
مليون دولار، ميزانية الفيلم الذي تتباهى به الشركة أمام استديوهات هوليوود.