مفاجآت النهاية تتفوّق على التصنّع
«المُلّاك» يوظف الجرأة والغموض لقلب قواعد الصنف
رغم ضيق مساحة قصص أفلام غزو/ اقتحام المنازل، إلا أن أسباب وجودها لن تنتهي أبداً، فهي ليست مثل أفلام الأكشن أو الأبطال الخارقين، تستوجب وجود صالات سينما وشاشات ضخمة ليستمتع محبوها بأجواء الفيلم، بل هي قابلة للعرض في أي مكان، لأن الكاميرا لا تخرج من المنزل.
سميناها ضيق مساحة لأن القصة محصورة في منزل، فلو شاهدت الفيلم في غرفة ضيقة قد تندمج فيه أكثر من صالة واسعة، وهذا يقودنا إلى السبب الثاني لشعبيتها، وهو العامل النفسي: الكلوسترفوبيا، أو الخوف من الأماكن الضيقة أو المزدحمة.
وهناك سبب ثالث، وهو غريزة الإنسان في الدفاع عن مساحته الخاصة، وهنا يدخل العامل السياسي في الموضوع، عندما نشاهد أفلاماً عن غزو منازل هي في الحقيقة ترمز لغزو دول.
آخر أفلام هذا الاتجاه الفرعي من سينما الرعب هو The Owners (المُلّاك)، من إخراج يوليوس بيرغ، الذي يصاحبه عنف شديد ومفاجآت قد يراها البعض مألوفة، ويراها البعض الآخر صادمة، هذا فيلم يدخل فيه الغزاة إلى المنزل الخطأ فيتحولون إلى ضحايا.
بطريقة مختلفة
الفيلم مقتبس من رواية فرنسية مصورة بعنوان «ليلة مقمرة». العمل لا يبدو جديداً ولا يضع قواعد جديدة لأفلام هذا الاتجاه، لكنه أحياناً يقلبها في اللحظة التي يشعر المشاهد بالارتياح وأن الأمور تسير وفق ما يتوقع.
قد تسهل المقارنة لو ذكرنا فيلم «لا تتنفس»، الذي كتبنا قراءته في هذه المساحة صيف عام 2016، وذلك الفيلم أعلى مستوى من هذا، لأنه يحوي قصة أصلية، وهي عن ثلاثة أصدقاء يقتحمون بيت رجل أعمى يعتمد على حاسة السمع، فتصبح مهمتهم صعبة جداً، إذ عليهم ألا يصدروا أصواتاً قط، وفي منتصف الفيلم يقلب الرجل الطاولة عليهم.
هنا يحدث الشيء نفسه، لكن بطريقة مختلفة، السيئ فيها أن بيرغ لا يأتي بجديد في الفكرة، والجيد فيها أنه يضع مفاجآت الفيلم في مواضع ممتازة نسبة إلى إيقاعه، يعني تمضي الأحداث إلى حيث يتوقع المشاهد، وقبل حدوث ما هو متوقع تتفجر مفاجأة تقلب كل الموقف رأساً على عقب، وتجعل المشاهد يحك رأسه في حيرة شديدة.
في الريف الإنجليزي نرى تيري (أندرو إيليس)، ونيثان (إيان كيني) وجاز (جيك كوران)، يتسكع الثلاثة بالقرب من بيت دكتور هاغنز (سلفستر مكوي)، وزوجته إلين المرتبكة والمريضة عقلياً ذات الضحكة الشيطانية (ريتا تاشنغام).
ينضم إلى الشبان الثلاثة صديقة نيثن، ميري (ميزي وليامسون الشهيرة من مسلسل لعبة العروش)، التي قاومت فكرة الاقتحام في البداية لكنها جرت إليها في ما بعد، على الورق الخطة بسيطة وواضحة: بناء على المعلومات التي حصلوا عليها من والدة تيري، التي تعمل منظفة لدى دكتور هاغنز، فإن العصابة تعلم وقت مغادرة أهل البيت، وبالتالي خطط الثلاثة للاستيلاء على ما في الخزانة الحديدية الموجودة في قبو المنزل، وللعلم فإن والدة تيري أعطت المعلومات دون علمها بنية العصابة.
لا يتمكن الثلاثة من كسر الخزانة، ثم يصل الدكتور وزوجته إلى المنزل باكراً، ويقع أخيراً في يد الغزاة الذين يطلبون منه الرقم السري لفتح الخزانة، من نقاط القوة، بعد وقوع الدكتور في الأسر، ديناميكية العلاقة بين الستة في مكان ضيق.
الفيلم الذي كتبه المخرج وماثيو غومبيل، يتعمد عدم إيضاح مكمن الخطر في المشهد، يحرض جاز نيثان على العنف، والدكتور يهدئ زوجته المرتبكة، والاثنان مقيدان في القبو، ثم يأتي تمرد نيثان على جاز نتيجة تحريض الدكتور هاغنز.
ثم انفجار الخلاف بين نيثان وجاز، وتطوره إلى معركة عنيفة وتشابك بالأيدي، أديا إلى مقتل نيثان، ثم محاولة جاز قتل إلين زوجة الدكتور، وتدخل ميري في اللحظة الأخيرة بضربه بمطرقة على رأسه ضربة قتلته فوراً، ثم تفك ميري وثاق الدكتور وزوجته ليقلبا الطاولة عليها، ويشهر الدكتور مسدساً ويطلب منها عدم المغادرة.
نصف الساعة الأخيرة
رغم بعض المشاهد المصطنعة، وبعض القرارات الفنية غير المفهومة التي تظهر في نصف الساعة الأخيرة، إلا أن مفاجآت نهاية الفيلم الظلامية هي التي تجعل المشاهد يعيد تفكيره في ما شاهد، بدل نسيان الفيلم بمجرد انتهائه.
هناك مشهد إطلاق الدكتور غازاً في المنزل وارتدائه وزوجته سترتين خاصتين وقناعَي غاز، وكأنهما في مختبر أسلحة بيولوجية، ويطاردان ميري في مساحة ضيقة، ويضربانها على مؤخرتها، وهو مشهد مصطنع كاد يقوض الجو العام للفيلم.
الأغرب أن بيرغ في هذا المشهد المصطنع غيّر حجم الشاشة aspect ratio (نسبة طول الإطار إلى عرضه)، وحوّلها من شاشة عريضة إلى مربع ضيق! ولا نجد أي تفسير لهذا القرار، لكن ما يجعلنا نهتم بالأحداث وسط هذا المشهد «الطفولي» هو الحالة النفسية الصعبة التي يمر بها تيري المصاب بانهيار عصبي، وهنا توجد قصة خلفية للموضوع لا نرغب في كشفها حفاظاً على رغبة المشاهد في استكشاف الفيلم.
ربما من الصعب الإتيان بجديد لأفلام غزو المنازل، لكن تبقى الجرأة وكسر القواعد والتقاليد أو قلب قواعد الصنف رأساً على عقب، كما يقال، مطلباً مهماً من كل صانع أفلام.. يفعلها بيرغ هنا دون تردد في نهاية الفيلم، خصوصاً بعد إبراز أداء يراوح بين الرزانة والجنون لمكوي، والبراءة والشيطانية من تاشنغام، والخوف والشجاعة من ويليامسون، والانفصال عن الواقع من تيري الذي فقد القدرة على التمييز بين حليفه وعدوه.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
السكين عند الوريد
من أجمل عناصر الفيلم، غموض الدكتور هاغنز وهو في الأسر، ويتلاعب بنيثان من جهة ويخدع جاز من ناحية أخرى، بإعطائه أرقاماً خاطئة للخزانة، والسؤال: ألا يخاف على زوجته عندما يرى السكين عند وريدها؟ هذا سؤال يتبادر إلى ذهن ميري، وهي أشهر ممثلة في الفيلم، كما يتبادر إلى أذهاننا.
فيلم يدخل فيه الغزاة إلى المنزل الخطأ فيتحولون إلى ضحايا.
العمل مقتبس من رواية فرنسية مصورة بعنوان «ليلة مقمرة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news