«ساوند أوف ميتال».. رضوان أحمد يبدع في الصخب والهدوء
قد يكون هذا أول فيلم عن دراسة سلوك شخصية يعتمد على المؤثرات الصوتية بشكل لم يسبق له مثيل. فيلم Sound of Metal عن قصة طبال فرقة «هيفي ميتال» أي الموسيقى الصاخبة جداً، يفقد سمعه بشكل سريع أثناء قرعه الطبول، وبالتالي يجبره الحدث على التوقف وإنهاء مسيرته الفنية.
عندما يبدأ الفيلم وهو من الإنتاجات الأصلية لاستوديوهات أمازون - عملاق التجارة الإلكتروني - نرى روبين (البريطاني رضوان أحمد أو ريز أحمد كما يفضل الأجانب تسميته) طبال فرقة يقرع طبوله بشغف شديد، بينما صديقته وشريكته لولو (أوليفيا كوك) تغني على المسرح.
روبين ولولو فرقة صغيرة لم تصل إلى الشهرة، وإنما تكتفي بالعزف لجماهير محدودة في مجموعة مدن. يعيش روبين وصديقته في مقطورتهما وسط معداتهما. العلاقة بينهما رومانسية ومهنية في الوقت نفسعه. روبين مدمن مخدرات سابق تعافى منذ أربعة أعوام.
لولو تعاني اكتئاباً مزمناً كما يبدو ظاهرياً من آثار جروح في سواعدها الناتجة غالباً من محاولات انتحار، لكن الفيلم لا يتطرق إلى ذلك بشكل صريح.
لا يتأخر الفيلم كثيراً من الربع ساعة الأولى تظهر المشكلة عندما يبدأ روبين بحك أذنيه ثم تتشوش الأصوات الخارجية إلى أن تنعدم ويسود الهدوء. يوظف المخرج داريوس ماردر هذه التقنية على طول الفيلم، معتمداً عليها جزئياً في التعبير عن مكنون شخصيته.
يصاب روبين بالذعر والاكتئاب، خصوصاً عندما يتأمل العودة إلى المخدرات جرّاء توقف مستقبله. تقرر لولو إيداع صديقها في مصحة للصم يديرها طيب القلب، لكن الحازم جو (بول راتشي).
لأجل قبول روبين يشترط جو ثلاثة أشياء: ممنوع استخدم سيارة، ممنوع استخدام الهاتف الذكي
وممنوع وجود لولو. يرفض روبين الشروط، لكنه يخضع لعدم وجود خيارات أخرى.
يضع روبين هدفاً وهو شراء سماعات للصم
وتركيبها بالخضوع لعملية جراحية. «ساوند أوف ميتال» دراسة سلوك شخصية يتبع مسار أفلام هذا الصنف نفسه، لكن ماردر مهتم أكثر بكفاح روبين وليس بحل مشكلته.
تمر الشخصية بكل مراحل الغم: الإنكار والغضب والمساومة والاكتئاب والقبول. لا يتقدم روبين قيد أنملة إلا عندما يقبل بمصيره. لكن هناك فراغاً بينه وبين أقرانه من الأشخاص الصم الذين يعيشون في مصحة جو.
هذا الفراغ نتيجته أن روبين لا يريد قبول حالة الصم مصيراً دائماً، بل هي إعاقة مؤقتة وسيعالجها آجلاً أم عاجلاً، وسيستعيد ولو جزء من سمعه. بينما حسب كلام جو، فإن الآخرين لا يرونها إعاقة ولا يبحثون عن علاج، بل هذا الصم هو جزء لا يتجزأ من شخصياتهم. وقد يكون هذا حقيقياً، وهو أن البعض في مجتمع الصم يرفض العلاج أو تركيب أجهزة لهذا السبب.
بينما طاقم الممثلين المساعدين قوي جداً، وإضافة إلى المذكورين، هناك الفرنسي ماثيو أمالريك والد لولو، لكن هذا فيلم رضوان أحمد من البداية إلى النهاية. قدم رضوان أداءً رائعاً ومتحفظاً بعيداً عن العواطف والبكاء والميلودراما، أو محاضرات عن الحدث الذي كسر شخصيته، كما يحدث كثيراً في أفلام من هذا الصنف، وقدم أداءً غنياً بفضل تنقله بين مراحل الغم وبالتالي أطوار شخصيته.
هذا الفيلم لا يستوي دون المؤثرات الصوتية، فهي التي تُدخل المشاهد في رأس الشخصية لنشعر بما يشعر به. ماردر لا يستخدم الموسيقى ليترك السكون يسيطر على المشهد وكأنه من شخصيات الفيلم. من القرارات الفنية المثيرة جداً للاهتمام تنقل الفيلم من الحوار المباشر المدعوم بجهاز ترجمة للصم، إلى حوار كامل بالنسخة الأميركية من لغة الإشارة، إلى توظيف المؤثرات الصوتية المشوشة التي تعكس ما تسمعه الشخصية. وهنا في هذه الأخيرة فإن ماردر حريص على عدم الإفراط في توظيفها حتى لا يكون الفيلم مزعجاً ويتسبب في تشتت المشاهد. هذا فيلم واقعي ونهايته ليست من الواضح إن هي سعيدة أو حزينة، وإن كانت تميل قليلاً للأولى. المهم أن الواقعية لا تحول روبين إلى شخصية مقدسة، بسبب تغلبه على إعاقته بشكل جزئي، ولا تجعل من جو حكيم زمانه الذي يمتلك إجابات لكل الأسئلة، ولا تدع الفلسفة تطغى على أفكار شخصية الثاني وتغرق المشاهد مثلاً في محاضرات عن قيمة الهدوء.
ماردر يترك النهاية مفتوحة لتفسير المشاهد، والنهاية تحمل أملاً وتأملاً في حياة بقيمتين: الأولى السمع والصخب ومتعة الحياة، والثانية الصم وما يحمله من هدوء وسكينة.
للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
• هذا فيلم واقعي ونهايته ليست من الواضح إن هي سعيدة أو حزينة.
• الفيلم لا يستوي دون المؤثرات الصوتية، فهي التي تُدخل المشاهد في رأس الشخصية لنشعر بما يشعر به.