«ذا ليتل ثينغز».. دراما ظلامية تكسر قواعد الصنف البوليسي
أكثر شيء مميز في «ذا ليتل ثينغز» هو أنه ليس الفيلم الذي تتوقعه. هذا فيلم بوليسي مصنوع على الطريقة الأوروبية، أو بأسلوب «نورد نوار»، وهو صنف بوليسي إسكندنافي نشأ في النرويج والسويد في التسعينات واقتبست منه هوليوود كثيراً.
لكن أكبر مشكلة في الفيلم أنه سيغضب الكثيرين، وقد لا يتقبله الجمهور السائد، نظراً إلى ظلاميته الشديدة. هذا يشبه فيلم ديفيد فنشر الشهير «سبعة» إنتاج 1995، من ناحية الأجواء لكنه يختلف قصة وحلاً. يبدأ الفيلم مثل مئات الأفلام البوليسية: جريمة قتل أخرى تركها قاتل متسلسل يستهدف فئة معينة من النساء مثل العاهرات، ويمارس طقوساً خاصة على الجثث بمثابة توقيعه عليها. يستلم القضية محققان، الأول خبير متمرس على مشارف التقاعد، والآخر شاب محنك. لا يتقبلان بعضهما بعضاً في البداية، ثم يضعان خلافاتهما جانباً ويتعاونان. الفيلم ليس قصة شيقة بقدر ما هو دراسة سلوك ثلاث شخصيات.
عام 1990 يذهب الشيرف جو ديكن (دنزل واشنطن) إلى مركز قيادة شرطة لوس أنجلوس ليتسلم دليلاً على إحدى الجرائم. ديكن كان منعزلاً بسبب ماضيه الذي شهد خطأ قاتلاً ويعيش ندماً شديداً وشعوراً بالذنب، فقرر الانعزال والعمل في أماكن نائية تغيب عن شوارعها الجريمة.
يكلف ديكن بالعودة إلى مهامه السابقة، لكن عودته تقابل بنوع من الاستنكار وانعدام الثقة. هناك بديل في الميدان الذي تركه ديكن، وهو الضابط جيم باكستر (رامي مالك)، شاب ذكي ومتعلم وطموح. وهنا تبدأ شراكة غير تقليدية ينتج عنها تحقيق في مشتبه يُدعى ألبرت سبارما (جاريد ليتو). بينما القصة التي كتبها وأخرجها جون لي هانكوك لا تغادر الحدود التقليدية لأي فيلم بوليسي، إلا أن غايته مختلفة.
هانكوك في رصيده أفلام جميلة أبرزها The Blind Side و The Highway Men و Saving Mr. Banks.
يبدأ الفيلم بشكل حبكة «من القاتل؟»، لكن ذلك يتغير بدخول المشتبه الرئيس سبارما. ثم يتحول إلى صراع إرادات بين ديكن وباكستر. الأداء الجميل هو ما يرتقي بالفيلم للتغلب على عيوب واضحة كجزئيات غير قابلة للتصديق، مثلاً، أي مركز قيادة شرطة مدينة كبيرة سيسمح لشرطي اختار العزلة
ومصاب بعقدة نفسية أن يشارك في تحقيق كبير في جرائم قاتل محترف؟
لكن لا يضر لو كان الفيلم يتميز بأداء ثلاثة حائزي جوائز أوسكار، وجميعهم يقدمون أروع ما عندهم في فيلم كان سيسقط لولا الأداء. واشنطن يقدم أداء متحفظاً لكن الألم لا يغيب عن محياه. تخدم المشاهد الاسترجاعية شخصية واشنطن دون غيره، وبسببها نعي حجم الألم الذي يعيشه، خصوصاً مشهد استلقائه على السرير في الفندق وعيناه تذرف دموعاً لا تتضح أسبابها إلا آخر الفيلم.
مالك الموهوب يجسد شخصية المحقق المحنك الذي يرتكب خطأ قاتلاً في لحظة غضب. وبالمقارنة فكأن الفيلم يقول لنا إن تاريخ ديكن أعاد نفسه مع باكستر مع اختلاف دوافع كل منهما.
ليتو هو المفاجأة! لأن شخصيته التي يؤديها هنا معقدة أكثر من الجوكر الرديء الذي تقمصه في 2016. ولو كان جوكره كما سبارما في هذا الفيلم لذهب أداء واكين فينيكس طي النسيان.
ليتو ذهب إلى حد ابتكار مشية غريبة لشخصيته، وسبارما ذكي وساخر ويعرف كيف يضلل باكستر ويشتته ويسخر منه ولا يأخذ التحقيق على محمل الجد.
هذا ليس فيلماً تشويقياً يعتمد على الإثارة، بل بطيء يعتمد على الأداء ومدى الانسجام بين شخصياته. النهاية غير مرضية ومختلفة عن نهاية «سبعة»، لكنها قوية جداً من وجهة نظر فنية.
لا يختار هذه النهاية سوى مخرج جريء لا تهمه مشاعر الجمهور. ولا يكسر قواعد الصنف إلا صانع أفلام متمكن لا يخشى الانتقاد ولا يسعى لإرضاء الجمهور على حساب مادته الفنية.
يتعامل هانكوك مع التحقيق وكأنه خلفية الفيلم وليس مادته، لأن الرجل مهتم بالعقدة النفسية لديكن صاحب التجربة السابقة أكثر من مجرد كشف المجرم. كما أنه مهتم بباكستر المندفع المغرور وردة فعله بعد الخطأ القاتل.
يعرض الفيلم نوعاً من العلاقة الأبوية بين ديكن وباكستر تكتمل آخر الفيلم، أو عطف ديكن على باكستر لأن الأول مر بالتجربة نفسها. والمشهد الأخير خير ما يعبّر عن ذروة العقدة النفسية لكل منهما، حين نرى ديكن الذي سلم نفسه للواقع الأليم يتعامل مع باكستر كطفل، ويقول له إيحاء ودون حوارات: هذا بالضبط ما مررت به، غلطة واحدة ستغير مجرى حياتك.. أرجوك إنسى ما فعلته وأكمل مسيرتك.
• أكثر شيء مميز في الفيلم هو أنه ليس الفيلم الذي تتوقعه. وقد لا يتقبله الجمهور، نظراً إلى ظلاميته الشديدة.
• هذا ليس فيلماً تشويقياً يعتمد على الإثارة، بل بطيء يعتمد على الأداء ومدى الانسجام بين شخصياته.
للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.