مرشح لأرفع جائزة أوسكار
«نومادلاند»... كلوي تشاو تحوّل قصة بلا هدف إلى سيناريو رائع
اقتباساً من مذكرات جيسيكا برودر، تضيف الكاتبة والمخرجة الصينية المقيمة في أميركا كلوي تشاو قالباً ومادة غنية بتقديم رحلة هذه المرأة التي تدعى فيرن (فرانسز مكدورماند)، والتي تحصل على مساعدات من مجموعة شخصيات أحدها ممثل معروف هو ديفيد ستراثاريم (لم يُستغل جيداً في الفيلم)، والبقية شخصيات غير معروفة يجسدون أنفسهم مثل ليندا ماي، وبوب ويلز، وسوانكي.
«نومادلاند» فيلم نكدي ومتأمل يعوض عيوبه وبطأه الشديد بأفكار ملهمة عن الطبيعة الإنسانية، ويقدم صورة شخصية لا تقهر في إصرارها على مكافحة مشاق حياتها. الفيلم عن لا شيء وكل شيء لو فهم القارئ هذه العبارة الغامضة!
«لا شيء» تعني عملياً لا توجد أحداث، هي رحلة طريق فقط وما يصادف الشخصية خلالها، و«كل شيء» تعكس خيارات الشخصية في التعامل مع المصاعب التي تواجهها. يبدأ الفيلم بتقديم فيرن، أرملة ستينية فقدت كل شيء حتى مدينتها!
عاشت فيرن في مدينة إمباير بولاية نيفادا، وهذه المدينة يعمل كل سكانها في شركة جيبسم أميركا. وعندما أغلق المنجم توقف اقتصاد المدينة وغادرها الجميع إلى درجة أن حكومة الولاية ألغت رقم التعريف البريدي الخاص بها.
لم تشأ فيرن أن تعيش في مدينة أشباح وحدها، فجمعت أغراضها في مقطورة سكنية مربوطة بشاحنتها وقررت العيش كرحالة تتنقل من ولاية إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، فتقبل بوظائف مؤقتة بما يكفي لسد رمقها، وكلّ ما تخشاه فيرن هو تعطل شاحنتها.
تنسج تشاو بحرفية شديدة الحقيقة مع الخيال، تفرض هيكل سيناريو على قصة بلا هدف، وذلك عندما تعطي فيرن رفيق درب وهو ديف (ستراثاريم)، وهو الذي تستمر فيرن في إعادة التواصل معه طوال القصة. الهدف من وضع عناصر خيالية هو أنسنة قصة قد تكون جافة بعض الشيء، ومن حق أي صانع أفلام إضافة ما يراه يحسّن فيلمه ويضيف له قيمة إبداعية.
مثال آخر، لدى فيرن ثلاثة مرشدين: ليندا ماي، وبوب ويلز، وسوانكي، وهؤلاء رحالة حقيقيون وليسوا ممثلين. سوانكي في الفيلم مريضة بالسرطان وتحتضر، بينما سوانكي خارج الفيلم سعيدة جداً، وتعتقد أنها أصبحت نجمة سينمائية.
بالنسبة للنجمة الكبيرة فرانسز مكدورماند، فالفيلم مشروعها الشخصي، فهي التي اشترت حقوق نشر الكتاب وهي التي جلبت الحقوق إلى تشاو وطلبت منها الانضمام إلى المشروع، لأن أعمال الأخيرة السابقة أعجبت مكدورماند كثيراً، وبالتحديد فيلما «سونغز ماي براذر توت مي» و«ذا رايدر». لتمثيل نومادلاند، فإن مكدورماند وظفت التمثيل المنهجي، وهو وضع نفسها في البيئة الحقيقية للشخصيات، وتفعل كما يفعلون بالضبط، فإذا تطلب الدور أن تصنع شيئاً في مصنع فإنها تتعلم بالضبط كيف تشغل الآلات وهكذا. ومن رواد هذا الأسلوب الراحل مارلون براندو والإنجليزي دانيال داي لويس الذي تعلم الخياطة بتفاصيلها لأداء دوره في «فانتوم ثريد». مكدورماند لا تخشى العيش في الطبيعة والاستحمام في بركة ماء كما ولدتها أمها، تغمس نفسها بالكامل في مجتمع الرحالة حتى يفقد المشاهد القدرة على تمييز نجمة سينما من مجموعة الرحالة الذين يحيطون بها. لا يحوي الفيلم رسائل سياسية، رغم أن تركيز تشاو ينصب على أصحاب الياقات الزرقاء أو العمال الذين فقدوا وظائفهم وأسلوب حياتهم، لكنها لا توظف ذلك لإلقاء محاضرات أو مونولوغات غاضبة.
شخصيات الرحالة في الفيلم لا تطلب من المشاهد أن يشفق عليها، بل تعكس شخصياتهم شجاعة وثباتاً في كل أفعالهم. يجدون معاني في حياتهم رغم المشاق، أو كما تقول فيرن في أحد المشاهد: «لست مشردة، أنا فقط لا أملك منزلاً». فيرن ليست مرتبطة بقطعة أرض، ففناؤها الخلفي هو الغرب الأميركي بأكمله، تستحم في برك أو أنهار، وتمضي لياليها في خلاء الجبال والوديان. من خلال الفيلم نرى أنه من الواضح حذر تشاو من أن تجعل هذا الفيلم عن الطبيعة، عدسة المصور جوشوا جيمس لا تعير المناظر الطبيعية أي اهتمام، ولا نشاهد لوحات خلابة مثلاً. توجد لقطات جميلة لكن التركيز غالباً على العنصر الإنساني والبشر بشكل عام وليس على عالمهم وشكله مهما كان جماله.
هذا ليس فيلماً لأولئك الذين يتوقعون حركة وإثارة، وهذا ليس حتى فيلم طريق لأن التركيز ليس على وجهة البطلة بقدر ما هو على تيهها. بعكس أفلام الطريق التي نعرف وجهة شخصياتها النهائية، فهذا فيلم بلا حل وبطلته ترفض الاستقرار عندما يعرض عليها، وتختار المضي إلى وجهة غير معلومة. عندما ينتهي الفيلم، فالنهاية لم تحدث لأن شيئاً كبيراً قد حدث، وليست هناك ذروة (المشهد الأخير أو آخر خمس دقائق هي الأكثر حزناً وألماً على بطلة القصة)، لكن النهاية تمثل نقطة توقف تستحق التأمل كنقاط التوقف التي سبقتها. وهذه نقطة تستحق تشاو الإطراء عليها بالضبط كما تستحق مكدورماند الثناء ذاته على أدائها الجميل. والاثنتان تستحقان جوائز على عملهما المميز والاستثنائي.
نومادلاند مرشح قوي لنيل الجائزة الأرفع في حفل الأوسكار المقبل آخر هذا الشهر، وقد يكون المرشح الأقوى نظراً لفوزه بالأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي في دورته الأخيرة، كما فاز بالجائزة الأرفع في حفل غولدن غلوب (جوائز ممثلي وسائل الإعلام في هوليوود). هذا فيلم جميل جداً ومؤلم ويستحق المشاهدة.
• هذا ليس فيلم حركة وإثارة، وهذا ليس حتى فيلم طريق، لأن التركيز ليس على وجهة البطلة بقدر ما هو على تيهها.
• مكدورماند وظفت التمثيل المنهجي، وهو وضع نفسها في البيئة الحقيقية للشخصيات لتفعل كما يفعلون بالضبط.
للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news