«بيغ»... نيكولاس كيج يقدم أفضل أداء منذ أكثر من عقد
عرض Àعبدالله القمزي
فيلم Pig (خنزيرة) لا علاقة له بالحيوان، بقدر علاقته بعالم المطاعم الراقية، الخنزيرة فيه مجرد أداة قصة، المطاعم الراقية عبارة عن مزيج الفن والتجارة وشغف الصناعة والطموح.
بالنسبة لروب (نيكولاس كيج)، بطل فيلم «خنزيرة»، المنعزل والقذر، فإن المطاعم صناعة تنافسية وضعها خلف ظهره منذ 15 عاماً، فقد كان روب رئيساً للطهاة وبسبب حادث تراجيدي اختار العزلة، يعيش روب برفقة خنزيرته التي تلتقط له الكمأ في غابات أوريغون، ويبيعه على أمير (أليكس وولف)، وهو شاب يزود المطاعم الراقية بالكمأ.
يعني أن روب لم يقطع علاقته بالكامل بصناعة المطاعم، لكن عندما يتعلق الأمر بالتواصل البشري فإن روب ليس في أحسن حالاته ولا يبدو أنه مهتم أبداً بخلق أي نوع من التواصل مع الحضارة، إلا عندما يتعرض لاعتداء وتُسرق خنزيرته، فيقرر العودة إلى الحياة التي تركها ليستعيد حيوانه.
فكرة الفيلم سخيفة إلى حد كبير، ويمكن مقارنتها بفكرة جون ويك الذي ترك حياة التقاعد ليشن حرباً على العصابة التي قتلت كلبه، لكن الفرق أن الفيلم الثاني لا يأخذ نفسه بجدية، ويصنع فيلم أكشن متكاملاً ومبهراً، بغض النظر عن دوافع البطل، وهذا ما يدعو إلى الإعجاب بالفيلم بدل السخرية منه.
في حالة «خنزيرة»، فإن الفيلم جاد جدا ويأخذ منحى الأفلام المستقلة بتركيزه على أداء كيج، أي إنه دراسة سلوك شخصية، هذا الفيلم الأول للكاتب والمخرج مايكل سارنوسكي.
تمضي تسع دقائق من الفيلم قبل أن ينطق روب بأول كلماته لخنزيرته، الأقرب إلى كلب في تصرفاتها منها إلى خنزيرة، زائر روب الوحيد في كوخه الصغير هو أمير، وهو شاب طموح يشتري الفطر منه ليبيعه إلى طهاة المدينة.
يطلب روب المساعدة من أمير بعد الاعتداء عليه وسرقة حيوانه، خصوصاً بعد تعطل سيارته، وهو واثق أنه سيجد المجرم، يأخذ أمير روب إلى مجموعة مدمني مخدرات يشتبه فيهم ملتقط كمأ آخر في المنطقة.
يدّعي المدمنون أنهم أعطوا الخنزيرة إلى شخص يعيش وسط مدينة بورتلاند، يخترق روب وأمير عالماً غريباً سرياً تحت الأرض، يشبه عالم فيلم Fight Club، أي أنه نادٍ يتقاتل فيه طهاة المدينة، يديره إدغار (داريوس بيرس)، صديق قديم لروب، ويعطيهم معلومات عن مكان خنزيرة روب.
يطلب روب من أمير أن يحجز لهم طاولة في مطعم «يوريدايس»، وهو مطعم له شعبية في المدينة، يزور روب البيت الذي عاش فيه مع زوجته لوري (كاساندرا فيوليت) التي ماتت، وبسبب ذلك اعتزل روب المجتمع وعاش في الغابة.
في المطعم طلب روب مقابلة رئيس الطهاة ديريك (ديفيد نيل)، وهو طاهي باستا سابق في مطعم روب، انتقد روب ديريك لفتحه مطعماً وليس حانة لطالما أرادها الأخير، أمام هذا الانتقاد انهار ديريك واعترف بأن والد أمير الثري هو العقل المدبر وراء سرقة الخنزيرة، ونتوقف هنا.
ليست هناك فكرة واضحة في الفيلم، أو عما يريد الوصول إليه، وليس هناك أي سبب يجعلنا نهتم برجل عاد إلى الحضارة للبحث عن خنزيرة! عنوان الفيلم كلمة واحدة: «خنزيرة»، لكن مادته عن رحلة رجل من العزلة في الغابة إلى المدينة والعودة مجددا إلى الغابة، سرقة الحيوان هو دافع روب لمغادرة عزلته والعودة إلى الحضارة، لكن كل أفعال روب خلال تلك الرحلة لا تشير إلى حاجته الملحة إلى تلك الخنزيرة.
بغض النظر عن الحيوان ومصيره، رحلة روب إلى المدينة تكلفه عناء شديداً فهل يستحق الأمر ذلك؟ ثم إن الفيلم يعرض فكرة تقلبه رأساً على عقب، وهي وجود مكان سري تحت الأرض يتقاتل فيه الطهاة! فلنفترض أنها مستعارة من فيلم نادي القتال 1999، لكنها تستحق فيلماً مستقلاً وليس فيلماً مرتبطاً بحيوان لا نهتم به، لأنه لا يظهر سوى في بداية الفيلم.
يعترف روب وسط الفيلم بأنه لا يحتاج إلى خنزيرته لالتقاط الكمأ، لكنه يشتاق لصحبتها، فإذا كان لا يهتم فلماذا يجب علينا نحن أن نهتم؟ خصوصاً أنه يبحث عن حيوان في مدينة وهو كالبحث عن إبرة في كومة قش.
لو تركنا روب ونظرنا إلى أمير، وهو شخصية موجودة للتخفيف عن روب (وعنا من جو الفيلم الكئيب جداً)، فهل الخنزيرة مهمة لأمير؟ قد تكون الإجابة نعم، لكن المنطق يقول لا، حتى لو قال النص نعم، أمير شاب يستطيع الاتفاق مع أي شخص آخر للحصول على الكمأ، وليس مجبراً على التعامل مع روب إلا من ناحية الصداقة.
هل لدينا فيلم لو ألغينا الخنزيرة؟ نعم لدينا فيلم بشخصية معقدة وعميقة هي روب، الذي سيجد سبباً لمغادرة عزلته، هل يوجد لدينا فيلم لو ألغينا روب؟ حتما لا يوجد.
هذا فيلم أداء لنيكولاس كيج وهذا أفضل أداء له منذ أكثر من عقد، ويطرح سؤالاً مهماً: مَن هذا الرجل؟ ولماذا يعيش رئيس طهاة سابق وحيداً في الغابة؟ وكيف تغيرت المدينة التي رحل عنها 15 عاماً؟ وكل مشاهد الشخصية ولقاءاتها مع الشخصيات الأخرى تجيب عن هذه الأسئلة، الشيء الوحيد الذي لا يجيب عن أي سؤال هو الخنزيرة! والشيء الوحيد الذي حير كاتب هذا الموضوع ولم يجد سبباً مقنعاً لوجوده في الفيلم هو الخنزيرة!
الفيلم يعرض فكرة تقلبه رأساً على عقب، وهي وجود مكان سري تحت الأرض يتقاتل فيه الطهاة!
هل لدينا فيلم لو ألغينا الخنزيرة؟ نعم لدينا فيلم بشخصية معقدة وعميقة هي «روب».