«كودا».. «أبل» تصنع تاريخاً جديداً للسينما
بعكس «نتفليكس» ومحاولاتها المضنية لنيل «الأوسكار» في السنوات السبع الماضية، (فازت بـ«روما» فقط عام 2018 في خانة أفضل فيلم غير أميركي)، وبعكس استوديوهات أمازون الناجحة تلفازياً فقط، فإن «أبل» - رائدة التقنية ومالكة «آيفون» وحواسيب ماك - أطلقت شركة توزيع أفلام عام 2019 باسم «أبل بلاس».
اشترت «أبل» «كودا» وفاز الفيلم بأوسكار أفضل فيلم لعام 2021، ولم يتوقع أحد فوزه بسبب قصته العادية جداً مقارنة بأفلام عملاقة تنافسه. لكنه فاز لسببين: لم يتفق أعضاء «الأوسكار» على أحقية فيلم The Power of the Dog بالفوز، لأنه عمل يسبب انقسامات حادة بموضوعه، بعكس «كودا» الذي يتمتع بشعبية بين الجماهير، وتاريخياً، فإن الفيلم الشعبي يمكن أن يكسب الجائزة دون أن تكون له معايير فنية.
السبب الثاني أسلوب تسويق «أبل» للفيلم، وهو استئجار الصالات وعرضه بالمجان، وبذلك أصبح حديث الناس. لكن رغم دخول «أبل» تاريخ السينما من أوسع أبوابها، كأول شركة تقنية في التاريخ تفوز بـ«أوسكار» أفضل فيلم، إلا أن الجماهير نسيت هذه الحقيقة، بسبب صفعة ويل سميث التي هزت وجه كريس روك في حفل «الأوسكار».
شخصية مراهقة
عندما اشترت شركة أبل حقوق فيلم CODA في مهرجان سندانس السينمائي في يناير 2021، فإنها دفعت 25 مليون دولار، وهو مبلغ فاق كل مبيعات المهرجان منذ انطلاقه! «كودا» هي الأحرف الأولى باللغة الإنجليزية لعبارة: «أطفال من والدين من الصم».
الممثلة الإنجليزية الموهوبة جداً إيميليا جونز (17 عاماً)، تجسد دور روبي، الشخص الوحيد المتمتع بحاسة السمع في عائلة من الصم مؤلفة من والدتها جاكي (مارلي ماتلن)، ووالدها فرانك (تروي كوتسور)، وشقيقها ليو (دانيال دورانت)، علماً بأن مارلي وتروي ودانيال ممثلون صم في الواقع.
«كودا» فيلم خفيف وظريف وذكي - إلى حد ما - لكنه لا يأتي بجديد، ومن السهل معرفة ما سيحدث في النهاية بمجرد معرفة طموح روبي، وهي المراهقة الكلاسيكية التي نراها في كل أفلام المراهقات، وكأن المخرجة شان هيدر كتبت شخصيتها من كتاب بعنوان «كيف تؤلف شخصية مراهقة في فيلم».
روبي ذكية ومرحة وخجولة ومحبوبة، تعيش في بلدة ساحلية صغيرة بولاية ماساتشيوستس، وبالتالي يعتمد اقتصاد المدينة على صيد السمك. كل صباح وقبل الشروق تنضم روبي لوالدها وشقيقها لتشاركهما في صيدهما اليومي، ثم تنصرف إلى مدرستها، حيث تتعرض للسخرية من «فتيات لئيمات»، كما يحدث في الفيلم الصادر عام 2004 بالعنوان المكتوب نفسه بين القوسين.
بيت مملوء بالحب
تعتمد عائلة روبي عليها في ترجمة كلامها إلى العالم الخارجي، المتمتع بحاسة السمع وبالعكس. بيت روبي ليس سيئاً، بل مملوءاً بالحب والجدل والنكات، خصوصاً عن الحياة الجنسية بين والدها الشبق ووالدتها، والتي تتسبب في الإحراج لروبي عندما تستضيف شخصاً في غرفتها.
تصدم العائلة عندما تخبرهم روبي أنها ستنضم إلى الكورال المدرسي، بقيادة أستاذ الموسيقى روبيرتو فيلالوبوس (يوجينيو ديربيز)، وكأنه شخصية مستعارة من فيلم «مقطوعة السيد أوبس» عام 1995.
أستاذ الموسيقى شغوف بعمله، ولا يضيع وقتاً مع طالب غير مهتم، وإذا قال لطالب إن لديه مستقبلاً في الغناء، فالرجل محق ويرى الموهبة التي لا يراها الشخص العادي. يبلغ الأستاذ روبيرتو، روبي بضرورة تقديمها على منحة دراسية في كلية بيركلي الموسيقية.
يشعر فرانك وليو بأن روبي تتخلى عنهما، لكن الأم هي الأكثر انزعاجاً من هذا القرار، فتقول لابنتها: لو كنتُ عمياء، فهل سترغبين في الرسم؟
هل ستؤجل روبي أحلامها لأجل عائلتها التي تحتاج إليها؟ في فيلم كهذا كل مشاهد يعرف الإجابة من الربع ساعة الأولى.
هناك قصة رومانسية بين روبي والشاب الوسيم مايلز (فيرديا وولش بيلو)، لكن القصة الرئيسة عن عائلة تستخدم لغة الإشارة (النسخة الأميركية من تلك اللغة)، والفيلم لا يصورها كعائلة غريبة أو غير طبيعية، بل هي مثل أي عائلة.
«كودا» اقتباس أميركي من الفيلم الفرنسي La Famille Bélier الصادر عام 2014، والفرق بينهما في بعض الجوانب، أبرزها أن ممثلي النسخة الأميركية صمّ في الواقع.
عالم صامت
تدور عقدة «كودا» حول الخلاف الناشئ نتيجة شغف روبي بالغناء، أي إن الفكرة نفسها تجمع بين نقيضين: مغنية نشأت داخل عائلة صم. تبرز تناقضات كثيرة في القصة، والنبرة توشك على التصادم أثناء تقدم أحداث الفيلم، لكن شيان كتبت النص بشكل يتفادى التناقضات، وذلك بمزج أفكار من فيلم Leave No Trace عام 2018 وRunning on Empty لسيدني لوميت عام 1988، مع بهارات الراحل جون هيوز، رائد أفلام المراهقين في الثمانينات.
بهذا المزيج تتغلب هيدر على تناقضات النص، وتضفي دفئاً على قصتها. «كودا» فيلم مُرضٍ للجماهير، خصوصاً الفتيات. في مشهد الذروة - الحفلة الغنائية في مدرسة روبي - تقود هيدر فيلمها بحذر، صحيح أنه مُرضٍ للجماهير، والجماهير هنا مجموعتان، شخصيات الفيلم الحاضرة في مسرح المدرسة والمشاهدين.
تخلط هيدر مشاعر الجماهير عندما تجعل المشهد للمرة الأولى من وجهة نظر أعضاء عائلة روبي، بعد أن كانت من وجهة نظر البطلة طوال المشاهد السابقة. نرى الأب يتحدث مع الأم بلغة الإشارة عن موضوع لا علاقة له بالفقرة الغنائية.
ثم يلتفت حوله ويرى نظراءه من الآباء والأمهات مستمتعين بالأغنية، ويمسحون دموعهم، بينما هو محروم في عالم صامت. بعد هذا المشهد الذي كان من المفترض أن يكون سعيداً، لكن هيدر تعمدت صنعه قاتماً تأتي لحظة فرج.
في نهايته بعد انتهاء الحفلة، يلتقي أستاذ الموسيقى فيلالوبوس والدي روبي، ويحاول إلقاء التحية بلغة الإشارة الأميركية التي تعلمها من «يوتيوب»، وبدل أن يقول سعيد بلقائكما، يقول سعيد بمضاجعتكما، في مشهد يفجر موجة ضحك تعيد التوازن للقصة. هذا ما أتقنت هيدر صنعه في الفيلم.
ما لا تنشده المخرجة
لا يمكن الحكم على واقعية فيلم «كودا»، لأن المخرجة شان هيدر لا تنشد ذلك، ولو كانت تريد واقعية لصنعت فيلماً كئيباً، مثل Sound of Metal الصادر عام 2020، والذي كتبنا عنه هنا في يناير 2021. ما تريده هيدر هو فيلم سعيد بأداء متحفظ من روبي، وتهريجي بحدود من بقية أفراد العائلة، خصوصاً والدها.
• الجماهير نسيت إنجاز «أبل»، بسبب صفعة ويل سميث التي هزّت وجه كريس روك في حفل الأوسكار.
• «كودا» فيلم خفيف وظريف وذكي، لكنه لا يأتي بجديد، ومن السهل معرفة ما سيحدث في النهاية بمجرد معرفة طموح روبي.
• 25 مليون دولار، دفعتها «أبل» لشراء الفيلم.