فاقد الهوية.. مهترئ الحبكة
«مونسترس».. يسير على الحافة بين التصنّع والركاكة
اشتهرت أفلام الأكشن والتشويق في التسعينات بلقطة افتتاحية «كليشيه»؛ وهي لبحر عريض نرى الكاميرا تطير فوق الماء وتظهر أسماء طاقم الفيلم على خلفية مياه البحر، ثم ترتفع الكاميرا لنرى الأفق البعيد، حيث نرى الأبراج إن كانت الأحداث في مدينة، أو نرى سيارة في شارع متعرّج في جبل.
في أفلام الرعب أصبح المنزل المعزول عند بحيرة «كليشيه» للكاتب الكسول، الذي لا يريد تجديد نفسه. في هذا الفيلم Monstrous وهو رعب لا يرعب، فإن كريستينا ريتشي تأخذ نصيب الأسد من الأداء العاطفي.
تدور الأحداث في الخمسينات نرى أماً عزباء اسمها لورا (ريتشي) هاربة بصحبة ابنها كودي (سانتينو برنارد) وتستقر في منزل معزول مطل على بحيرة. لورا امرأة مكسورة ومستقلة تحاول الهروب من ماضيها، خصوصاً زوجها العنيف.
لكن ما تهرب منه تجده في المنزل الذي استأجرته وهو وحش قبيح الشكل. هناك وحوش قبيحة تصبح جميلة عندما تتحول إلى أيقونة، لكن وحشنا هذا لم يجد الإبداع طريقاً إليه. وكأن مصممه اقتنع بأن هذا فيلم محدود الميزانية فصمم شيئاً قبيحاً لا معنى له.
ربما لا نستغرب لو عرفنا أن اسم الشركة المنتجة للفيلم «شوربة دجاج للروح للأعمال الترفيهية»، أو قد تكون شركة مواد غذائية ضلت طريقها فعلاً فوجدت نفسها في السينما! ليس هناك شيء يذكر بالنسبة للحبكة المهترئة والمستهلكة بيأس، التي لا تساعد المشاهد كثيراً ليفهم لورا وابنها (سبعة أعوام).
لكن مرة أخرى هو أداء ريتشي الذي يحمل الفيلم بمعاونة المخرج كريس سيفرتسون (أخرج أفلاماً متواضعة مثل All Cheerleaders Die عام 2013 وفاشلة مثل «أعلم من قتلني» عام 2007 ). وأداؤها هو ما يجعلك ترغب في إكمال الفيلم.
البوح بأسرار
قصة الفيلم تتطور بشكل متزايد عبر البوح بأسرار تحاول لورا كتمانها، فنعلم من خلال مكالمة هاتفية أنها تحاول تجنب والد كودي، ونرى من خلال حلم يشبه مشهد من فيلم «مخلوق البحيرة السوداء» عام 1954، أن لورا قلقة من امرأة غامضة (ريتشل إيدلو).
المكالمة والحلم يتداخلان مع عالم لورا وديكورات الخمسينات التي تضفي عليه رونقاً خاصاً، لاسيما مع أغاني ذلك الزمن. تحاول لورا البقاء في أجواء إيجابية عاطفية. لكن كودي يقطع ذلك بكوابيسه المتكررة عن وحش البحيرة المقابلة للمنزل.
يرفض كودي تكوين صداقات في المدرسة ضارباً برغبات والدته عرض الحائط. كوابيس كودي متكلفة وغير مقنعة ولا تساعد في ارتباط المشاهد بشخصيته عاطفياً، لكن الفيلم أساساً يروى من وجهة نظر لورا.
طاقة وحيدة
أداء ريتشي مؤثر وقوي ويكشف ضعفاً في شخصيتها، وهذا الضعف يظهر حتى وهي تطمئن ابنها. وعندما يظهر الوحش أمامها، فإن نظرة الرعب المرتسمة على وجهها تبث توتراً أكثر من كل مشاهد الفيلم مجتمعة بما فيها المؤثرات الخاصة.
لا أحد في الفيلم يصل إلى مستوى أداء ريتشي الاستثنائي أو الطاقة التي تبثها. أداء برنارد ضعيف ربما لأنه جديد ولحظاته الخاصة تأتي كلما ظهر له الوحش فيسرق الأخير منه الأضواء. أما الشخصية الوحيدة الأخرى التي تستطيع السير بالتوازي مع ريتشي فهي لينورا (كوليين كامب).
أداء ريتشي ليس مدعوماً بأي عنصر من عناصر الفيلم، خصوصاً الحبكة التي تبدو وكأنها تركت غير مطورة بشكل متعمد. وربما ليست مصادفة لو علمنا أن اسم شخصية لورا مثل اسم لورا بالمر، وهي شخصية ديفيد لينش في فيلم «توين بيكس: فاير ووك ويذ مي» 1992، إذ إن «سيفرتسون» لا يخفي تأثره بلينش منذ أن ظهرت أفلام الأول على الساحة.
«أعلم من قتلني» أقرب إلى «توين بيكس» منه إلى هذا الفيلم. بالضبط مثل التشابه الكبير بين فيلم ديفيد لينش «بلو فيلفيت» 1986 وفيلم Dressed to Kill عام 1980 لبرايان دي بالما. لكن «مونسترس» يسير على الحافة بين التصنع والركاكة.
مشكلة الفيلم الكبرى، أنه لا يعرف ماذا يريد أن يكون، هل هو عن قصة من الخمسينات بحيث نرى الديكورات طاغية بشدة في اللقطات وكأن الديكورات هي التي ترتقي بالفيلم. أم هو عن وحش البحيرة الذي لا نعلم ما هدفه بالضبط ولم يستهدف كودي؟
من المشاهد الجميلة رؤية لورا تدافع عن نفسها في الحوارات مع السيدة لانغتري (كوليين كامب)، وذلك لأن كامب نفسها ممثلة شخصيات مساعدة قوية جداً وتتمتع بحيوية مماثلة أو ندية لحيوية ريتشي وتفرض حضوراً مميزاً على الشاشة وتذهب إلى الحد الذي يريدها المخرج أن تذهب إليه.
كامب ممثلة شخصيات مساعدة ولا تسند لها أدوار بطولة ولمن لا يتذكرها، فإن أشهر أدوارها في التسعينات كان المحققة كوني كوالسكي في فيلم الأكشن الشهير «داي هارد 3» عام 1995، عندما ساعدت البطل في إخلاء مدرسة ابتدائية فخخها الإرهابي سايمون غروبر.
للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
مفاجأة ليست قوية
هناك لحظة إيضاحية في الفيلم عندما تستجوب الشرطة لورا، في هذه اللحظة من الفيلم، نحن على بُعد دقائق من كشف مفاجأة النهاية، لأن السيناريو الذي وضعته لنا لورا ينهار تدريجياً وتملأه التناقضات. المفاجأة ليست قوية وهي مبتذلة ومكررة للمشاهد المتمرس ولو ضربنا مثالاً من فيلم آخر يحوي مفاجأة مثلها لأفسدناها، لكن مرة أخرى أداء ريتشي ينقذها.
في الفيلم - وهو رعب لا يرعب - فإن كريستينا ريتشي تأخذ نصيب الأسد من الأداء العاطفي.
ربما لا نستغرب لو عرفنا أن اسم الشركة المنتجة للفيلم «شوربة دجاج للروح للأعمال الترفيهية».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news