«ذا غراي مان».. «نتفليكس» تهمّش الإبداع لمصلحة «ألغوريذم»
تعمل «نتفليكس» وفق «قواعد حساب الجمهور بالحاسوب»، أو ما سيجذب الجمهور رقمياً إلى منتجها، وهو «ألغوريذم»، أو ما يترجم عربياً «خوارزميات» نسبة إلى عالم الرياضيات محمد بن موسى الخوارزمي، الذي يُعدّ أول من وضع أسس علم الحاسوب.
فيلم The Grey Man، وهو محاولة أخرى من «نتفليكس» للخوض في عالم أفلام «بلوكباستر» أو أفلام الأكشن الصاخبة، ومثل سابقيه Red Notice و6 Underground، فإنه مبهر جداً من الناحية الاستعراضية - أكشن - لكنه خاوٍ تماماً، فكرةً وقصةً.
عندما تدخل محل ملابس لا يبيع سوى ملابس بيضاء وقميصاً واحداً أسود أو أحمر أو أزرق، فإنك لن تعير اهتمامك إلا إلى ذلك المختلف، وكذلك الحال مع أفلام الأكشن، فإذا تشابهت كلها فإنك تضجر لأنك شاهدت كل شيء وتريد شيئاً مختلفاً يلفت انتباهك.
كلّف الفيلم «نتفليكس» 200 مليون دولار، وهي ميزانية أفلام «مارفل»، ولكن على عكس الاستثمار الضخم فإن الفيلم لا يقدم المطلوب منه، وذلك محير بالنسبة لمنتج يحمل اسم الشقيقين جو وأنثوني روسو، وأحد النجوم هو كريس إيفانز (كابتن أميركا نفسه)، والشقيقان روسو من عشاق القصص المصوّرة، وهما اللذان صنعا عصر مارفل الذهبي في العقد الماضي.
هوجم الفيلم في الصحافة الأميركية، نظراً إلى تركيزه على الأكشن وإهمال الجوانب الأخرى، ولنكن واقعيين فهو ليس سيئاً للغاية، ومتقن بشكل مبهر، خصوصاً تنفيذ مشاهد المطاردات ولقطات الفنون القتالية الفردية.
أفضل كلمة للحكم عليه هي متوسط أو عادي، ولو أنه صنع بممثلين غير معروفين وميزانية لا تتجاوز 50 مليون دولار لقيل إنه «فيلم منسي». أمامنا فيلم أكشن تشويقي متين فنياً وضعيف من ناحية القصة والحوار والشخصيات.
تلميح لجزء قادم
أول 100 دقيقة جيدة إلى حد ما وآخر 20 إطالة غير ضرورية وسخيفة ولا معنى لها سوى أنها تلمح لجزء قادم. تتمنى «نتفليكس» أن تصنع سلسلة من «ذا غراي مان»، لكن المؤشرات الأولية لا تبشر بخير، خصوصاً لو نظرنا إلى الميزانية.
القصة عبارة عن مزيج من أشهر أفلام الأكشن، القليل من «جيمس بوند»، مع عناصر من «مهمة مستحيلة»، وأخرى من أفلام «جيسون بورن»، مع بعض بهارات «جون ويك».
«سييرا 6» (رايان غوسلينغ) «على غرار العميل 007» كما يسخر من اسمه الحركي، مجرم محكوم عليه بالسجن يعرض عليه تخفيف الحكم مقابل العمل لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في ملحقية «ذا غراي مان» ومهامه تتطلب عمليات اغتيال وتدمير.
تمضي الأمور بشكل سليم تحت إدارة الرجل الذي جنّده في السجن دونالد فيتزروي (بيلي بوب ثورنتون)، لكن تغييراً في الإدارة ينقله للعمل لمصلحة ديني كارمايكل (ريغي جين بيج) ومساعدته سوزان (جيسيكا هينويك).
خلال عملية ما يحوز «6» ملفاً سرياً يحوي معلومات تورط كارمايكل وهو ما يعرض حياته للخطر. يستعين كارمايكل بالمتعاقد المستقل لويد هانسين (كريس إيفانز في دور شرير) - وهذا المتعاقد لديه نزعات جنونية وشارب غريب كالذي عند الراحل فريدي ميركوري قائد فرقة كوين - ليقتل «6» ويستعيد الملف.
يكتشف «6» في ما بعد أن ليس لديه حلفاء باستثناء زميلته داني ميراندا (الكوبية آنا دي أرماس في بدلة رجالية لتنزع عنها ملامح الأنوثة وتضخيم جسمها الضئيل)، وهو يواجه جيشاً متنامياً من الأعداء يظهرون من كل حدب وصوب، وهذه الجزئية تحديداً مستعارة بأكملها من فيلم «جون ويك 2» عام 2017. وبالطبع من الواضح أننا ذاهبون باتجاه المواجهة الحتمية بين «6» ولويد.
حالة صخب
لو تركنا الجزئية الأخيرة من الفيلم ومساوئها، فإننا ننظر إلى فيلم تشويقي يقوده الأكشن ولا يقدم شيئاً جديداً ولا أصلياً قط يرتقي به فوق حالة الصخب التي يتميز بها هذا التصنيف السينمائي. من الواضح أن الشقيقين روسو يتقنان ببراعة مطلقة تنفيذ مشاهد المطاردات والقتال الفردي وتصميم وتنفيذ الأجزاء المكونة للأكشن.
لكنهما يعتمدان بشكل شبه كلي على المؤثرات الخاصة في صُنع هذا الأكشن وهو قرار مدمر يقوض صدقية الصورة السينمائية ويأخذ الفيلم إلى منطقة ألعاب الفيديو. الأكشن بحاجة إلى لقطات واقعية ليؤخذ بجدية كما يفعل توم كروز في «مهمة مستحيلة»، أو كيانو ريفز في «جون ويك».
أو حتى جون مكتيرنان مخرج اثنين من أفلام «داي هارد» عندما قال عبارته الشهيرة في صيف 1994 أثناء تصوير «داي هارد 3»: «لا تسألوني عن أداء الممثلين فهذا شأنهم ولا علاقة لي به، اسألوني عن الأكشن فهو مسؤوليتي»، ولو تمعّنا في كلامه فذلك لأن الغرض من الأكشن الاستعراض والإبهار في المقام الأول.
تتميز لقطات الأكشن بسرعة غير طبيعية قد تسبب دواراً للمشاهد، ومن شدة سرعتها فإن كل لقطة مدتها نحو ثانيتين فقط، وهو ما يجعل الأكشن غير منطقي، نضيف إلى ذلك مشكلات في تتابعية اللقطات أي أن لقطات معينة لا تكمل سابقتها بشكل صحيح. مثلاً، لا يجوز أن يتنفس غوسلينغ بشكل طبيعي بعد القفز من قطار ولا يجوز أن تقود أرماس سيارة يطلق عليها النار دون ظهور الفزع على وجهها في اللقطة التالية.
يعاني الفيلم أيضاً ضعف القصة وكثرة الكليشيهات وحوارات ركيكة كانت مستخدمة في أفلام التسعينات وأصبحت بالية اليوم، إضافة إلى التعليقات المكونة من جملة واحدة تقولها الشخصية للسخرية من نفسها أو من غيرها، وهي أيضاً موضة قديمة من أفلام الثمانينات والتسعينات.
أفضل عنصر في الفيلم المرصّع بنجوم هوليوود من الدرجة الأولى هو نجم السينما التاميلية «دانوش»، الذي يؤدي دور ذئب منفرد يتقاتل مع «6» وميراندا في آن واحد في أحد أجمل لقطات الفيلم الاستعراضية.
للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
حبة «بنادول»
«نتفليكس» غير قلقة من أرقام صندوق التذاكر الأميركي فهي تعتمد على نجوم الفيلم لجذب الجمهور، لكن هذه مثل حبة «بنادول» تخفف الصداع ولا تعالجه، لو أتى الجمهور لهذا الفيلم فذلك لا يعني بالضرورة أنه سيأتي لفيلم مشابه مستقبلاً، لذا على «نتفليكس» صُنع فيلم أكشن متكامل بشكل صحيح، وليس الاهتمام بعنصر وإهمال البقية.
200
مليون دولار، كُلفة الفيلم الذي لو صُنع بممثلين غير معروفين وميزانية لا تتجاوز 50 مليون دولار لقيل إنه «عمل منسي».
أفضل عنصر في الفيلم هو نجم السينما التاميلية «دانوش»، الذي يؤدي دور ذئب منفرد يتقاتل مع «6» وميراندا في آن واحد في أحد أجمل لقطات الفيلم الاستعراضية.
القصة عبارة عن مزيج من أشهر أفلام الأكشن، القليل من «جيمس بوند»، مع عناصر من «مهمة مستحيلة»، وأخرى من أفلام «جيسون بورن»، مع بعض بهارات «جون ويك».