أخفق في شبّاك التذاكر الأميركي
«ذا نورثمان» يركز على الجانب الفني ويتجاهل الشخصيات
سماء تشقّها خطوط خضراء أو صفراء أو حمراء، وبركان يلفظ حممه على حقول ترعى فيها ماشية.. منظر قد لا تجده إلّا في آيسلندا تلك الجزيرة الواقعة في أقصى شمال الكرة الأرضية.
لا يوجد مكان في العالم يشبه آيسلندا، وهي ملهمة صنّاع الأفلام الذين يختارونها موقعاً لأفلام الملاحم التاريخية أو الخيال العلمي، وكانت آيسلندا مسرحاً لملحمة «إنترستيلار» لكريستوفر نولان عام 2014، وفيلم Oblivion من بطولة توم كروز عام 2013، و«ثور»، والمسلسل الملحمي الشهير «لعبة العروش». والسبب أن آيسلندا لديها طبيعة تبدو وكأنها من كوكب آخر.
فيلم The Northman، لروبرت إيغرز، وهو مخرج في رصيده فيلمان: الأول The Witch، والثاني The Lighthouse، عامي 2015 و2019.
الفيلم عن قصة انتقام من القرن العاشر أثناء غزوات الفايكنغ. كتب إيغرز المهووس بالتاريخ النص بالتعاون مع الروائي والشاعر الآيسلندي شون، والنص مستلهم من الفلكلور الآيسلندي وكذلك التراث الاسكندنافي المستلهم بدوره من قصة مسرحية «هاملت» لويليام شكسبير.
قصة بسيطة
يُعد «ذا نورثمان» المحاولة الأولى لإيغرز للدخول إلى مجال أفلام الاستوديوهات والتوزيع واسع النطاق، فقد كان الفيلمان السابقان مستقلين ومحدودَي التوزيع. وحتى من ناحية الميزانية، فإن فيلميه السابقين ميزانيتهما معاً 15 مليون دولار، أما «ذا نورثمان» فميزانيته وصلت إلى 90 مليون دولار.
القصة غاية في البساطة: يرحب الأمير أمليث (في الاسم الإنجليزي لو أخذنا الحرف الأخير وجعلناه الأول سيصبح الاسم هاملت)، ويجسده وهو صبي أوسكار نوفاك، بوالده الفايكنغ الملك أورفانديل (إيثان هوك) القادم من معركة، ويتهيأ الصبي لحكم القبيلة من بعد والده.
يواجه الملك وابنه الأخ غير الشقيق للملك فيولنر (كلايس بانغ)، فيغدر فيولنر بالملك ويقتله، ويحاول قتل أمليث، إلا أن الأخير يهرب وهو يردد الكلمات التالية: «سأنتقم من أجلك أبي، سأنقذك يا أمي، سأقتلك يا فيولنر».
هذه الكلمات الأقرب إلى ترنيمة هي كل قصة الفيلم. تمر السنوات ويكبر الفتى (يجسّده السويدي أليكساندر سكارسغارد)، ويشتد عوده ويصبح مقاتلاً شديد البأس، ويعود للانتقام من عمه الذي أسر والدته غودرون (نيكول كيدمان) واتخذها لنفسه.
التأثير العاطفي
إيغرز فنان فريد من نوعه، وأفكاره قوية ومميزة، ويعلم تماماً كيف يكتبها ويجسّدها ويضبط إيقاعها. ورغم كل ما يحويه الفيلم من رؤية مجددة لقصة كلاسيكية إلّا أن إيغرز لم يكن موفقاً كما كانت الحال في فيلمه السابق «ذا لايتهاوس»، الذي كتبنا عنه في هذه المساحة في يناير 2020.
يستعير الفيلم بعض العناصر من فيلمين، هما The Revenant، وGladiator، وأقرب إلى الأول من الناحية الفنية. خلال 137 دقيقة، التي يتكون منها الفيلم، فإن أمليث يتمكن من الانتقام لمقتل والده وينقذ والدته ويواجه عمّه؛ لكن كل ذلك يحدث بلا أي تأثير عاطفي.
والتأثير العاطفي ضروري في هذا النوع من القصص المعنية بالانتقام، لأنها تساعد المشاهد على فهم دوافع البطل، إلّا أن إيغرز لم يلتفت إلى هذه النقطة، علماً بأن هذا العنصر - أي العواطف - موجود حتى في أكثر أفلام هذا النوع بلادة.
إيغرز مشغول جداً بصنع أجواء الفيلم، وهو مصمم ديكور أفلام أساساً، ومهتم بجعل الأجواء غريبة قدر المستطاع بإدخال عناصر السحر والخيال والأساطير الشعبية، والفيلم بأكمله يستعرض قدرات ومهارات المخرج على حساب شخصياته.
أخفق الفيلم بشدة في شبّاك التذاكر الأميركي وتوقفت إيراداته عند 68 مليون دولار، مثله كمثل فيلم The Last Duel لريدلي سكوت، والطريف أن الفيلمين من النوعية نفسها: الملاحم التاريخية أو ما يسمى في الإنجليزية أفلام «السيف والنعل».
وقتها صرّح سكوت بأن فشل فيلمه سببه «الجمهور المراهق الذي يرفض تلقّي أي معلومة إن لم تكن من خلال الهاتف الذكي!». أي أن المراهقين يكتشفون الأفلام من خلال قنوات معينة يتابعونها على «سوشيال ميديا».
أسباب الفشلتتعدد أسباب فشل «ذا نورثمان»، وأولها عدم وجود جمهور لأفلام الميزانيات الكبيرة ذات التوجه الفني. ثانياً، وهذه نظرية بدأت تتضح أكثر هذه الأيام وتقول إنه إذا أتقن التلفزيون صنع مسلسل من نوعية معينة فإن تلك النوعية تغادر السينما وتنتقل إلى التلفزيون، وهذه بالضبط حال مسلسل «لعبة العروش»، وهو من نوعية الملاحم التاريخية/ الخيالية، والذي أحدث ثورة ثقافية خلال العقد الماضي، وتابعه الملايين حول العالم.
وعندما جرت محاولات عدة لصنع أفلام ملاحم تاريخية مشابهة لأجواء ذلك المسلسل أخفقت كلها في شبّاك التذاكر بلا استثناء، حتى لو كانت مليئة بنجوم سينما درجة أولى ومخرج أسطورة مثل ريدلي سكوت. وقد صرح النجم بين أفليك الذي ظهر تحت إدارة سكوت في «ذا لاست ديول» بشكل أوضح قائلاً: «إن جمهور هذا النوع من الأفلام في البيوت وليس في السينما».
السبب الثالث لفشل فيلم «ذا نورثمان» ارتكاب حملته التسويقية أخطاء فادحة، كان أشهرها وضع ملصقات الفيلم في محطات مترو الأنفاق في نيويورك دون أن تحوي الملصقات عنوان الفيلم! هذا رغم أن كلفة الحملة التسويقية أخذت جزءاً كبيراً من ميزانية الفيلم.
بطل غير مقنع
الأداء وعدم وجود عامل المفاجأة هو ما أضرّ بفيلم «ذا نورثمان»، وهو بالضبط ما جعل «ذا لايتهاوس» فيلماً كلاسيكياً.
أكبر مشكلة في «ذا نورثمان» هي بطله غير المقنع، لعدم تمتّعه بـ«الكاريزما». أليكساندر هو ابن
نجم السويد الأول ستيلان سكارسغارد، وهو من أوسم نجوم السينما السويدية الشباب، لكنه لا يستطيع أن
يحمل فيلماً بهذا الحجم على كتفيه، ورغم عضلاته المفتولة على الشاشة هناك خواء بائن في عينيه.
• 137 دقيقة، مدة الفيلم الذي توقفت إيراداته عند 68 مليون دولار في أميركا.
• تتعدد أسباب فشل «ذا نورثمان»، وأولها عدم وجود جمهور لأفلام الميزانيات الكبيرة ذات التوجه الفني.
•رغم كل ما يحويه الفيلم من رؤية مجدّدة لقصة كلاسيكية، إلّا أن إيغرز لم يكن موفقاً كما كانت الحال في فيلمه السابق «ذا لايتهاوس».
• لا يوجد مكان في العالم يشبه آيسلندا، وهي ملهمة صنّاع الأفلام الذين يختارونها موقعاً لأفلام الملاحم التاريخية أو الخيال العلمي.
للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news