سينما الطفل العربي.. وتحديات صناعة محتوى جاذب لجيل المستقبل
أكد مسؤولون وفنانون أهمية السينما في تشكيل شخصية جيل المستقبل، ودورها في ترسيخ المبادئ لديه، ما يفرض ضرورة انتقاء محتوى ذي قيم إيجابية، وفي الوقت ذاته يكون مشوقاً ومواكباً للمحتوى العالمي الذي يستقطب الناشئة والشباب بشكل لافت، مشيرين إلى وجود تحديات كبيرة تمليها الأشواط التي قطعتها صناعة الفن السابع على مستوى العالم.
وطالب المختصون والفنانون الذين استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم حول واقع سينما الطفل العربي والتحديات التي تواجهها، بضرورة تفعيل دور الجيل الجديد وإشراكه في اختيار المحتوى الذي يتناسب مع القيم العربية والإنسانية، مشددين على أن طفل اليوم الذي يجيد التعامل مع التكنولوجيا والأجهزة الحديثة وعالم الإنترنت يختلف تماماً عن طفل الأمس، وهو ما يستدعي من صناع المحتوى العربي المقدم إلى هذه الفئة تطوير أدواتهم، واحترام عقلية الأطفال وتطلعاتهم.
محكمون واعدون
وقالت الشيخة جواهر بنت عبدالله القاسمي، مديرة مؤسسة «فن» ومهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب، إن «المهرجان الذي نظم تحت شعار (فكر سينما) أبرز أهمية إشراك الأطفال بالسينما، إذ شاركوا خلال الفعاليات في عملية تقييم الأفلام في لجنة المحكمين الواعدين المكونة من أطفال وشباب لا تزيد أعمارهم على 20 عاماً، إذ تم اختيارهم وتدريبهم من قبل مختصين في هذا المجال».
وأضافت لـ«الإمارات اليوم» على هامش المهرجان الذي اختتم أخيراً: «للسينما دور مهم في تثقيف الطفل وتكوين شخصيته، فمن الممكن عرض فيديو أو فيلم قصير عن التنمر مدته ثلاث دقائق يستطيع إيصال الرسالة للطفل بدلاً من قراءة كتاب كبير، ومن هنا تكمن أهمية هذا الفن في تعليم الصغار وتشكيل وعيهم».
وأكدت الشيخة جواهر بنت عبدالله القاسمي، حرص مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب على عرض الأفلام التي تحاكي قضايا مهمة قد يمر بها الصغار والناشئة، كتلك المتعلقة بالصحة النفسية والتنمر وقضايا اللاجئين وقضية فلسطين، إذ تم التركيز على مثل هذه الموضوعات في الأعمال التي قدمها المهرجان.
وتابعت: «كنت مع ابني في معرض وكانوا يتحدثون فيه عن اللاجئين، فسألني: ما معنى اللاجئين؟ فبدأت بشرح تفاصيل هذه القضية التي أثارت فضوله، ومن هنا نجد أن الأفلام الهادفة تثقف الطفل وتوسّع مداركه وتشجعه على البحث من خلال بث الرسائل غير المباشرة والتي تفيد الصغير».
وأوضحت: «من المتعارف عليه وجود معايير تكنولوجية في السينما، ولكننا حرصنا على إضافة مواصفات أخرى تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا، علاوة على التركيز على قيم عربية وإنسانية، لاسيما مشكلة اللاجئين التي تم تسليط الضوء عليها في مهرجان الشارقة من خلال عرض أعمال ذات رسائل قوية وهادفة تثري المحتوى المقدم للطفل».
الحفاظ على القيمة
من جهته، قال الفنان الإماراتي سعيد سالم، إن «لطفل اليوم تطلعات مختلفة عن تطلعات طفل الأمس، إذ يتعامل الصغار حالياً مع التكنولوجيا والأجهزة الحديثة بصورة أكبر، ما يُشكل تحدياً كبيراً لدى المخرجين والفنانين، ويتطلب منهم تقديم محتوى جاذب لابن هذا الزمن الذي يقضي معظم وقته على الأجهزة المحمولة، والمحتوى الذي يقدم عبر المنصات المختلفة».
وأضاف: «من المهم أن نخلق محتوى سينمائياً يحاكي عقل الطفل ويفيده، مع مراعاة الحفاظ على القيمة، إذ أؤمن بأن الصغير يمتلك عقلاً كبيراً، ويستطيع استيعاب الكثير من الأمور إن ثقف بطريقة صحيحة؛ وهنا يكمن دور السينما المهم».
اهتمام
من ناحيتها، شدّدت المخرجة الإماراتية نجوم الغانم في مستهل حديثها على أهمية النهوض ببرامج خاصة للطفل العربي وسط الإمكانات الهائلة للمحتوى العالمي الذي يُشكل تحدياً كبيراً في هذه الصناعة، لاسيما مع تواجد منصات مختلفة لعرض المحتويات المتنوّعة. وأشارت إلى أن الفنون مع دعمها من قبل الجهات المسؤولة ستحقق الكثير «وستصنع المعجزات، وهو الأمر الذي وجدناه في مهرجان الشارقة السينمائي للأطفال والشباب؛ لذا لدي ثقة كاملة بأن هذا الحدث سيصنع شيئاً مهماً جداً».
وأضافت نجوم الغانم: «حضرت المهرجان كضيفة، وأوجه شكري وامتناني لإمارة الشارقة لاعتنائها بنشاط الطفل وأفلامه لسنوات طويلة حتى أصبحت قادرة على إنشاء وتأسيس منصة مهمة تتمثل في هذا المهرجان والمبادرات الأخرى التي تُعنى بالطفل».
وأكملت «من المؤكد أننا قطعنا شوطاً كبيراً في هذا المجال، ولكن مازال علينا التطوير في هذه الصناعة لإيجاد فرص أكبر لتدريب الأطفال وإبرازهم في مجال السينما، كما أعتقد أننا بحاجة إلى تدريب الطواقم لتصوير أفلام خاصة للأطفال، فذلك سيسهم في تطوير سينما الطفل».
كنز
أمّا الفنانة السورية رشا رزق، فأشارت إلى المسؤولية التي تحملها القنوات المختلفة على عاتقها، معتبرة أن رؤية الجمهور وتأثره بالمحتوى الهادف المقدم يُعد «كنزاً»، ولذا طالبت بأهمية صناعة المحتوى النوعي وإشراك الطفل فيه لرؤية نتائجه على أرض الواقع.
ووصفت مهرجانات الأطفال، مثل مهرجان الشارقة، بالمهمة من أجل صقل الشخصية، مضيفة: «مهرجان الشارقة يمكننا من رؤية الأعمال الفنية بعيون الطفل، ومعرفة ما يحب وما لا يحب، ما سيساعدنا في التوجه نحو المحتوى الجاذب لهذه الفئة».
• طفل اليوم الذي يجيد التعامل مع التكنولوجيا وعالم الإنترنت يختلف تماماً عن طفل الأمس، وهو ما يستدعي من السينمائيين تطوير أدواتهم واحترام عقلية الأطفال وتطلعاتهم.
الارتقاء بالتجربة
تواصل دولة الإمارات اهتمامها بسينما الجيل المقبل من خلال المهرجانات والفعاليات التي تُعنى بالأطفال والشباب، ومنها مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب الذي لم يقتصر اهتمامه على المحتوى الذي يقدم لهذه الفئات فحسب، وإنما إشراكهم أيضاً عملية التعليم والإبداع السينمائي وفن صناعة الأفلام عن طريق الإشراف على تدريبهم عملياً في جميع التفاصيل المختصة بالإخراج وتحليل الأفلام والفنون، إلى جانب لقائهم بصناع أفلام مبدعين يساعدونهم للارتقاء بتجربة إنتاج أفلام للأطفال والناشئة في دولة الإمارات، ما يسهم مستقبلاً في صناعة خبرات محلية تنافس العالمية.