الساعة الأخيرة هي الأجمل في تاريخ التصنيف
«جون ويك 4».. تحفة تختتم أوبرا الأكشن في أزهى حُلة
فيلم «جون ويك» من عجائب ما أنتجته سينما الأكشن. وهو الذي خرج من عباءة «ذا ميتريكس» بعد عقد كامل من نهاية تلك السلسلة، التي تخبط بعدها كيانو ريفز بين أمواج أفلام فاشلة، ثم ركب موجة «جون ويك» وعاد إلى القمة.
«جون ويك» تعشقه أو تكرهه.. ليس هناك حل وسط، لأنه جون ويك البعبع الذي خرج من مخبأه بالمصادفة ليجد كلبه مقتولاً فغضب وقتل القتلة، واصطدم مع منظمة «الطاولة العليا» الإجرامية التي تحكم عالمه. فتحداهم وقتل أعتى وأشرس القتلة الذين أرسلتهم إليه.
«جون ويك» هو رقصة أكشن استعراضية، ولا تقل لي كيف لرجل واحد أن يهزم عصابة من 20 رجلاً! ولا تقل لي كيف تخطؤه رصاصاتهم وتصيبهم رصاصاته! ألم يهزم أرنولد شوارتزينيغر عشرات الرجال في الثمانينات المجيدة؟ ألم يهزم سلفستر ستالون كتائب بأكملها في سلسلة رامبو؟ ألم يهزم جون ماكلين عصابة الشيوعيين في برج ناكاتومي بلازا لوحده؟
الفرق أن هؤلاء استعرضوا عضلاتهم بالسياسة الأميركية وبروباغاندا الرأسمالية، وأما جون ويك فيستعرض بمزج الأكشن بالرقص دون قصة. لست بحاجة إلى قصة لأن القصة في الحركة أو الأكشن.
عد إلى جذور سينما الأكشن منذ 100 عام في الحقبة الصامتة أيام بستر كيتون وتشارلي تشابلن فلن تجد قصة، ستجد استعراضات فقط، وهذا الأصل والأساس الذي يجد الكثير من الناس صعوبة في فهمه عند مشاهدتهم أفلام «جون ويك».
المخرج تشاد ستاهلسكي والكاتبان شاي هاتن ومايكل فينش تخلصوا من الميثولوجيا التي هيمنت على الجزأين الثاني والثالث ووظفوا مجموعة مشاهد أكشن كأنها تيار ينساب خلال دقائق للفيلم ليجعل ساعة هذا الفيلم الأخيرة أجمل ساعة في سينما الأكشن على الأقل، حسب رأي كاتب هذه السطور.
يبدأ الجزء الرابع بمشهد البطل يتدرب بعد سقوطه من مبنى في آخر الجزء الثالث، وهو مازال هارباً من قتلة «الطاولة العليا». الشرير الرئيس في هذا الجزء هو ماركي دو غرامونت (بيل سكارسغارد) الذي وظفته المنظمة لتنظيف الفوضى.
هناك بالطبع وينستون (أيان مكشين) مدير فندق كونتيننتال فرع نيويورك مقر قتلة تلك المدينة، والذي يغير ولاءاته حسب مصلحته. المشهد الأول في أوساكا اليابانية حيث يطلب ويك (ريفز) مساعدة من شيمازو (هيرويوكي سانادا) مدير فندق كونتيننتال فرع أوساكا.
ما كاد شيمازو أن يوافق على المساعدة حتى وصل فريق قتلة «الطاولة العليا» ومعهم القاتل المستقل الأعمى كين (الصيني دوني ين). كينج باوري (لورانس فيشبورن) في دور مزود الأسلحة لجون ويك يظهر بين الفينة والأخرى وهذه إشارة لشخصية Q التي تظهر في أفلام جيمس بوند.
وهناك شاميير أندرسون في دور مقتفي أو متتبع أشخاص مطلوبين ومعه كلبه الوفي الشرس نتس. وهنا نرى انعكاساً mirroring حيث يعكس الفيلم شخصية ويك وهو قاتل سابق قتلوا كلبه في الفيلم الأول، يعكسها في شخصية المقتفي الذي يمتلك كلباً. ولا ننسى معركة الكلاب التي كانت جزءاً من الفيلم الثالث.
بعد معركة أوساكا ينتقل ويك إلى برلين ليواجه القاتل كيلا (سكوت أدكينز) وكأنه إشارة لشخصيتين شريرتين ظهرتا في ثلاثة من أفلام جيمس بوند، الأول غولد فينغر في فيلم باسم الشخصية
نفسها 1964، والثاني شخصية Jaws أو الفك الذي ظهر في «الجاسوس الذي أحبني» 1977 وMoonraker عام 1979 وهذا الأخير هو الأقرب.
وهناك مذيعة محطة إذاعية لا يظهر سوى فمها ترشد القتلة المنتشرين في شوارع باريس لمكان ويك، اللقطة غريبة نوعاً ما ،لكنها تضيف الكثير لسيريالية الفيلم، وهي أيضاً إشارة لفيلم وولتر هيل الشهير The Warriors عام 1979.
رغم أنه الجزء الرابع وغالباً الأخير لأن ويك نال مبتغاه، فإن الحبكة تبدو جديدة وكأنه فيلم أصلي قائم بحد ذاته، كل أفكار مشاهد الأكشن مبتكرة والفيلم يمتد لـ169 دقيقة أعطت الفيلم طابعاً ملحمياً.
يحدث كثيراً أن مصممي اللقطات في أفلام الأكشن يتفننون في التصميم لتطغى الجمالية على عامل التوتر، لكن هذا لا يحدث في هذا الفيلم الذي يتميز بمعارك طويلة متنوّعة بين الجوجيتسو والسيوف والسهام والأسلحة النارية ما يعطيه زخما كبيراً.
يوظف ستاهلسكي الزاوية المنخفضة Low angle لمعظم لقطاته - 90% منها - وحتى في المشاهد الحوارية. وهذه كانت مستخدمة أيضاً في «ذا ميتريكس»، لكن استخدامها في «جون ويك» يخدم أغراضاً
عدة، منها الإيحاء بقوة الخصم أو إبراز عظمته أو للدلالة على الخضوع. أما في المشاهد الحوارية فيوظفها ستاهلسكي لإبراز جمال الخلفية في اللقطة.
الفيلم مليء بمشاهد الأكشن المميزة والأصلية والمبتكرة ونتوقف عند ثلاثة منها: الأول مشهد قتال ويك ضد كيلا في الملهى الليلي في برلين. يمثل المشهد أجمل لقطة بصرية في الفيلم تجمع الإضاءة الخلابة بالأخضر، ولقطة معركة يسطع فيها الضوء خلف ويك وخصمه ليبدو وكأن ظلاهما يتقاتلان، فضلاً عن شلال الماء الاصطناعي في الخلفية.
في هذه اللقطة يتجسد عالمان: الأول عالم جون ويك والقتلة المأجورين، والثاني العالم الذي نعرفه. فنرى الناس التي ترقص في الملهى تنزاح بخفة دون أن تقطع رقصها لتتيح مساحة لقتال المتخاصمين. فلو توقف الناس للفرجة لانتقص ذلك من جمال المشهد ولو هربوا لأصبحت اللقطة خاوية ميتة. فالرقصة هنا رقصتان، رقصة الناس ورقصة المتقاتلين وتتداخلان بشكل لم يحدث في أي فيلم سابق، هذه الأصالة بعينها.
الثاني مشهد يدخل فيه ويك إلى مبنى، فيتخلى ستاهلسكي عن اللقطة المنخفضة ليأخذ المشهد من زاوية عليا أو عين الطير Bird eye يعني الكاميرا في السقف، وتتبع ويك وهو يتراقص ضد خصومه من غرفة إلى أخرى ومن طابق إلى طابق في انسيابية عجيبة لم نرى لها مثيلاً من قبل.
أما اللقطة الثالثة فهي التحفة التي لا تُنسى، جون ويك يقاتل خصومه على دوار قوس النصر في باريس والسيارات تمر من يمينه ويساره ولا يتوقف أحد، لا المتقاتلين ولا السائقين. لا نقول إنهم اعتادوا قتال الشوارع، ولكن نقول إنه مزج بصري جميل لعالمين في لقطة.
إذا كان «جون ويك» الأول مصادفة، فالثاني رائعة، والثالث تحفة، والرابع أجمل خاتمة لو انتهت القصة فعليا هنا. هذا فيلم جميل وممتع يستحق المشاهدة.
• «جون ويك» هو رقصة أكشن استعراضية، ولا تقل لي كيف لرجل واحد أن يهزم عصابة من 20 رجلاً!
أغانٍ
في كل أفلام «جون ويك» السابقة كانت هناك موسيقى إلكترونية تصاحب مشاهد الأكشن، لكن في هذا الفيلم يستخدم ستاهلسكي الأغاني، وهنا ملاحظة تستحق التوقف عندها: «إن استخدام الأغاني المعروفة أو المسجلة حصرياً للفيلم كخلفية للقطات قتال أو أكشن، يعني إما أن المخرج يخفف من قتامة المشهد، أو أنه يستمتع بعمله واكتسب ثقة عالية بنفسه، خصوصاً في اللقطات التي يشير فيها الفيلم إلى نفسه، عبر إعادة لقطات ظهرت في الأجزاء السابقة لكن بشكل مختلف».
إذا كان «جون ويك» الأول مصادفة، فالثاني رائعة، والثالث تحفة، والرابع أجمل خاتمة لو انتهت القصة فعلياً هنا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news