«إنديانا جونز: «ذا دايل أوف ديستني» يعاني غياب الإثارة والتشويق

كان الجزء الأول من «إنديانا جونز» Raiders of the Lost Ark فيلم أكشن مثالياً بمعايير الثمانينات، وأعاد تعريف أفلام الأكشن والمغامرات للعقود التالية. لكنه في الوقت نفسه كان مثل الفخ لصانعيه وهما: الصديقان ستيفن سبيلبيرغ وجورج لوكاس، حيث ظلا يحاولان إعادة الفيلم الأول في الفيلمين التاليين من ثلاثية الثمانينات الشهيرة.

أثبتت شخصية «إنديانا جونز» التي جسدها هاريسون فورد متانة عبر ثلاثة أجزاء، لكن كان يجب التوقف عند الجزء الثالث. «ذا دايل أوف ديستني» الجزء الخامس والأخير من «إنديانا جونز» يجسد استحالة إعادة صياغة المعادلة الناجحة التي صنعها الثنائي سبيلبيرغ ولوكاس.

رغم عدم وجود سبيلبيرغ ولوكاس في هذا الفيلم (مكتوب اسمهما في خانة الإنتاج حتى لو لم يستثمرا دولاراً واحداً لأنهما صانعا الشخصية)، فإن المخرج جيمس مانغولد يحافظ على الروح والإيقاع العام إلى حد بعيد بالضبط كما شاهدنا في الجزء الرابع «مملكة جمجمة الكريستال».

«ذا دايل أوف ديستني» طويل جداً (150 دقيقة) وإيقاعه يفتقد التوازن. مكتوب بشكل أفضل من سابقه، لكنه يعاني صعوبة تقديم سبعيني كبطل أكشن مقنع.

أفضل جزء من الفيلم مقدمته، حيث يعود بنا إلى آخر أيام الحرب العالمية الثانية، ويظهر فيه هاريسون فورد بوجه «إنديانا جونز» الثمانينات (تصغير ملامح وجهه بالمؤثرات الخاصة) مع البروفيسور بازل شو (توبي جونز)، وهما عالما آثار مغامران يحاولان تحرير تحف لا تقدر بثمن من أيدي النازيين.

من ضمن تلك التحف قرص ساعة يعود لأرخميدس عالم الرياضيات الشهير، ويحاول يورغين فولر (مادز ميكيلسن) المهووس بقدرات القرص السحرية الاستيلاء عليه. هذا المشهد هو الـ20 دقيقة الأولى من الفيلم وتدور أحداثه على متن قطار وفوقه. ويجسد التقدم الحاصل في مجال تصغير وجوه الممثلين بالمؤثرات الخاصة.

باستخدام لقطات مقربة لوجه فورد وممثل مجازفة للقطات الأكشن، فإن مانغولد ينجح عملياً في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. يبدو وكأنه مشهد صوره سبيلبيرغ في التسعينات وخبأه لفترة طويلة. وبعد هذا المشهد يعود فورد إلى هيئته الحقيقية.

لا نريد التحامل ولكن إعادة الشخصية والنجم العجوز ليجسدها ليست فكرة حكيمة، خصوصاً بعد صنع ثلاثية. وأساساً عندما عاد سبيلبيرغ عام 2008 بالجزء الرابع بعد 19 عاماً من انتهاء الثلاثية، فإنه لم ينل النجاح المتوقع فكيف بجزء خامس لم يجدد شيئاً ونجم عمره 80 ومن في سنه مقعدون أو متقاعدون؟

القصة كلاسيكية من صلب مغامرات «إنديانا جونز»، معظم الفيلم يقع في عام 1969، حيث نرى مسيرة احتفالية بروّاد فضاء «أبولو 11» وإندي بروفيسور على مشارف التقاعد.

يلتقي بابنة بازل وتُدعى هيلينا (فيبي وولر بريج) وما يحدث بينهما ينتج عنه آخر مغامرة لإندي، وهي الانطلاق للعثور على النصف الثاني من قرص الساعة، وفولر يطارده للحصول عليه هو الآخر كذلك. ومن يعثر على النصفين ويستخدمه بالشكل الصحيح، فإن ذلك يمكنه من الذهاب إلى الماضي من خلال فجوة زمنية.

تخلط أفلام «إنديانا جونز» أفكار عن سحر أو ما وراء الطبيعة أو الخيال والخيال العلمي، ومن ثم فإن فكرة الانتقال عبر الزمن ليست فكرة جديدة أو لافتة. المشكلة أنه مقارنة بالأفلام السابقة، فإن هذا الأبسط بالنسبة للقطات الأكشن ومعظمها في الفيلم ليست حتى شيقة ماعدا مشهد المقدمة.

يعاني الفيلم كثيراً من الوقت الميت، بمعنى أن الأفلام السابقة كانت وفق معادلة «أكشن - التقط أنفاسك - أكشن»، بينما «ذا دايل أوف ديستني» فهو وفق معادلة «اكشن - خذ قيلولة - أكشن»، وذلك يعود بدرجة كبيرة إلى فورد نفسه. اختيار فورد للفيلم سلاح ذو حدين، فالاستوديو اعتمد على نجوميته لبث عامل النوستالجيا وجذب الجمهور، لكن نجم الثمانينات والتسعينات شيخ كبير ومتطلبات الدور أكبر والاكتفاء بتصغير ملامح وجهه رقمياً هو تجميل لعيب رئيس بدل علاجه.

إضافة إلى أن كتابة الشخصية في الفيلم تعاني مشكلة كبيرة، وهي أن إنديانا في المشهد الثاني بروفيسور سكير غير مهتم بشيء إطلاقاً، وكأنه يقلل من شأن نفسه، وحواراته في المشهد ذاته قصيرة جداً وتبدو مقحمة أكثر من عفوية. وهذا لا يساعد على بث الروح في الفيلم بل على العكس فإنه يبث اكتئاباً.

عودة ماريون (كيرين ألين) وصلاح (جون رايس ديفيز) مرحب بها، لكنهما أعطيا أكثر من اللازم فهما عجوزان سبعينيان كالبطل. أما صاحبا إنديانا في هذا الفيلم هما: هيلينا ونشال اسمه تيدي (إيثان ايسدور). الفيلم لا يشعل نشاطاً ويفتقد كل العناصر التي من المفترض أن تكون فيه. فهو بلا أكشن فعلي والأكشن هو الشفرة الوراثية للفيلم، ولا يحبس الأنفاس. وحتى إن ظهرت مشاهد الأكشن فهي مملة وليست من ذلك النوع الذي يجعلك جالساً على حافة مقعدك.

إضافة إلى غياب الإثارة والتشويق بشكل تام، بمعنى أننا لا نشعر بأي خطر محدق على إندي وأصحابه، وبالتالي فإنك لن تسأل نفسك كيف سيخرج البطل من مأزقه؟ لأنك إما شبه نائم أو غير مهتم. هذا الفيلم صنع للتذكير بسلسلة «إنديانا جونز» فقط، وليس لمشاهدة مغامرة حقيقية للشخصية.

لا وقت لتعويض الخسائر

بالتزامن مع كتابة هذه السطور تعثر «ذا دايل أوف ديستني» في شباك التذاكر وهو من أغلى أفلام ديزني، إذ بلغت ميزانيته 290 مليون دولار، وبالكاد وصل لنصف كلفته خلال إجازة عيد الاستقلال الأميركي.

لم يعد هناك وقت لتعويض الخسائر، فيوم التاسع من يوليو، أمس - حسب تطبيقات دور السينما - سيحل علينا توم كروز في ما اعتبرته الصحافة الفنية من خلال العروض الأولى أقوى «مهمة مستحيلة» في السلسلة، وبعده سيطل كريستوفر نولان بفيلمه المنتظر «أوبنهايمر» ومن الصعب جداً على «إنديانا جونز» منافستهما على صدارة شباك التذاكر.

هذا الفيلم صنع للتذكير بسلسلة إنديانا جونز فقط، وليس لمشاهدة مغامرة حقيقية للشخصية.

• إضافة إلى غياب الإثارة والتشويق بشكل تام، بمعنى أننا لا نشعر بأي خطر محدق على إندي وأصحابه، وبالتالي فإنك لن تسأل نفسك كيف سيخرج البطل من مأزقه؟ لأنك إما شبه نائم أو غير مهتم.

 

 

 

 

 

 

الأكثر مشاركة